ضرغام الدباغ / برلين
الجريمة والعقاب
التقيت ذات مرة، مسؤولاً بدرجة متوسطة، في النظام السوري البائد، في مطار أوربي، ونحن على معرفة قديمة، وأنا لا أحب اللقاء مع نوعيات كهذه، انتهازبة وصولية، صنع نفسه من لا شيئ، (شوفير) إلى شخصية مهمة، تبوأ مناصب رفيعة، يمتلك عقارات وبساتين واستراحات، وبيوت في أوربا .. وكل هذا ليس من فضل ربي، بل من لحم وعظم ودم الشعب السوري.
وبديهي لم أكن أريد خوض جدال لا معنى له معه، ولكنه بادر وبدون سبب، بشيمة الشعب السوري وقال بالنص " يلعن أبو الشعب السوري أخو شرموطة .. " وآسف جداً لكتابة اللفظة، فدهشت أيما دهشة، رغم أني أقدر انهم تداولونها في سرهم، ولكن اللفظ هكذا علناً وهو ليس بثمل .. أثارت استغرابي الشديد لدرجة لم أعلق بحرف واحد . لا أدري ما حل به الدهر، ولكنه يبحث بالتأكيد عن التسامح ونسيان ما أرتكب من مخالفات قانونية، مع مسامحتنا على الشتيمة.
أنا شخصياً من بين يؤيدون مبدأ المسامحة، واعتبر فكرة الثأر والانتقام فكرة رجعية ومتخلفة.، وممارستها أو الترويج لها عيب وعار لا ينبغي لشخص محترم أن يمارسه، وخاصة السياسي. ولكن هل رأينا هذا يعني إلغاء نظرية الجريمة والعقاب، والثواب والجزاء، وفي نظريات وفلسفة القانون مداخلات تقنعك أن ممارسة القانون هو من يحمي المجتمعات، وفي الدول الراقية المحترمة لن تشاهد مواطناً يحمل السلاح، وهذه سمة البلدان المتخلفة حصراً.
القانون هو سلاح المواطن، والسلاح لا يحمله إلا الرجال المكلفون بحماية المجتمع. وهنا يتضح بالنتيجة، أنني لست من يوقع الجزاء بنفسي على من أعتدى علي. فهذه ليست مهمتي، بل مهمة المحكمة والقانون ..وهو سيقيس حجم الجريمة وما يستحقها من عقاب. ولكني شاهدت مرة مما حدث في سورية، أن تولى شخص يرتدي الملابس العسكرية الشريفة ويقوم بعمل غير شريف للأسف، إذ يصرخ بوجه رجلين مقيدي الأيدي " ولك بدكن حرية ... ولك بدكن حرية " والرجلان لا يجيبان العسكري، عفوا الرجل الذي يرتدي الثياب العسكرية الهائج كحيوان مفترس، وبيده منشار كهربائي يستخدم لتقطيع الأشجار ويبدأ بقطع أحد الرجلين من كتفه، أسفل رقبته اليسرى وإلى خاصرته اليمنى الأسفل بخط مائل وصولا لخصره .. فقطعه لنصفين، ولم يطلق الرجل كلمة آه وصديقه ينتظر مصيره المماثل ...
هل هذا المجرم العار يطلب المسامحة أيضاً .. وهل يستحقها ..؟
نعم أن من القاتل يستحق المساءلة والعقاب، لا قريته أو بلدته. مثل هذا كثيرون، قتلوا أكثر من مليون شخص، اختفى الألوف بلا أثر، وهجروا أكثر من 15 مليون مواطن إلى خارج البلاد، يعانون من عذابات خيالية، أستقر الكثير منهم في قعر البحر .. أعرف منصفين من القتلة يعترفون بمرارة وأسف ... نعم بأسف وندم .." نعم ... قمنا بعمليات إبادة ... ولكن سامحونا .. سامحونا أكثر لأننا لم نطلق كلمة حق واحدة، كلمة واحدة فحسب ...كلمة واحدة فقط .. خطية ..أو حرام، أو إجرام، أو عيب .. كلمة واحدة فقط لأعرف منها أنك إنسان محترم ونحن نعيش في بلد عمره آلاف السنين .. وأن يلعب أبني مع أبنك، وأن أواصل حياتي ولا أخاف أن تنقض علي يوماً وتمزق كبدي .. بسكين أو منشار، أو برميل متفجر .. وربما بأسنانك ..!
أتفهم أن في دراسات وبحوث علم الاجرام (Kriminologie) أن هناك ما يسمى بسعار القتل يصيب البشر كما يصيب الحيوانات (Amok) وأن البشر الذين كلفوا بالقتل أصيبوا بسعار القتل، وقد يقتل يوماً حتى أبنه، هذا لم يعد من صنف البشر .. للأسف ..! قرأت يوماً أعترافا من أحد هؤلاء يقول حرفياً " استمتع كثيرا بمنظر البشر الخائفون .. أستمتع لدرجة التهيج أن اشاهدهم يتوسلون هذا يمتعني ويثيرني جداً "يجب أن تتدبر الهيئة الاجتماعية أمر هذا الصنف. فهو وحش هجر صنفه ولم يعد بإنسان ...هذا موضوع يستحق الدراسة.
في محكمة جرائم الحرب في نورنبيرغ / ألمانيا، بعد الحرب العالمية الثانية، أقرت المحكمة مبدأ غدا فقرة مهمة في القانون الجنائي. أن قاعدة " أمرني رؤسائي / قادتي " ليست من موانع المسؤولية، بل وليست حتى مخففة للعقاب. حين يؤمرك أحدهم (مهما كانت رتبته) أن تقوم بقتل إنسان، فلتعلم أنك ترتكب جريمة قتل من الدرجة الأولى، مع سبق الاصرار والترصد.. لا تعفيك من المساءلة.
في الحروب وخواتيمها، وفي سقوط الأنظمة الفاشية، التي ترتكب فيها الجرائم وكشرب زجاجة كوكاكولا .. هناك مجرمون محترفون، يعمدون للهرب وتغير ملامح وجوههم، أو يسلمون أنفسهم للتخلص من عذاب الضمير (إن كان قد بقي شيئ منه).. أو ينتحرون .. الخونة والمتعاونون يتعلقون بأذيال المحتل المنسحب .. يأتون ويعملون مخدم في بلدان الغرب، وغالبا ما لا يبالي المحتل المنسحب فراراً بأن يأخذ معه هؤلاء المشوهين الذين كانوا معادين لشعوبهم، كهدايا تذكارية من البلد الذي احتله وقتل الألوف من أبناءه، فلا يبالي بهم وبتوسلاتهم، أو قد يقول له صراحة " أنت كنت تعمل بأجر مجز وكنت مستمتعاً ... اليوم تدبر نفسك ".
الجرائم من هذا النوع تعتبر من جرائم الإبادة التي لا تسقط بتقادم الزمن، للخونة المتعاونين أقول : " لديكم خيارات عديدة، ولكن ليس من بينها التبجح، والعنجهيات التي مورست لأعوام طويلة،
أنا أعرف ما ينبغي أن تفعلوه ولكن اطلبوها بأنفسكم لعلكم تنالوها ... هذا هو أملكم الأخير ...!
666 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع