د. نسرين مراد
في العام 2003 قامت الإدارة الأميركية بعملية فريدة من نوعها، ثمة غير مستغربة عليها، ألا وهي تسليم سلطة الحكم في العراق لمجموعة فريدة من نوعها من الحكام. الميزة الرئيسية بل الأساسية في الطبقة السياسية الجديدة هي التعصب الطائفي والأنانية الضيقة.
انتشرت في وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية أن الأمور في الدولة العراقية استتبت لصالح الطائفة الأكثر عدداً. تهافتت الأحزاب التي تنتسب إلى تلك الطائفة إلى تمثيلها في مختلف مناصب أجهزة ومؤسسات الدولة.
اختلط الحابل بالنابل وسارت الأمور باتجاه إعطاء المنصب المناسب للشخص غير المناسب، أو الكفؤ ولو بالحد الأدنى المطلوب؛ اعتُمدت المعايير الطائفية في التعيينات الوظيفية الإدارية.
جُنّ جنون السياسيين الجدد ونسوا أنهم وصلوا إلى سدة الحكم بفعل القوة الأميركية الضاربة، التكتيكية والتخطيطية والاستراتيجية. راحوا يقيسون الأمور على هواهم في تطبيق قواعد الأمن والسلوك العام والاعتقاد الفكري، وفي القضاء الذي يبت في مختلف القضايا.
أصيبت الدولة والمجتمع بأوبئة الفساد والفوضى والترهل والانحطاط، والذهاب بالأمور من السيئ إلى الأسوأ. كلما أراد أحد إصلاحهم أو انتقادهم اتهموه بالانحياز والتدخل المنبوذ في شؤونهم. تناسوا أن شؤونهم تمسّ شؤون أقرانهم في القومية والدين والمذهب والجوار، والإنسانية عموماً.
ذهبت الأمور إلى درجة متدنية من السفه والتخلف الإداري إلى حد توجيه تهمة الإرهاب لكل من يعترض على المسار السياسي النشاز والفاشل.
أصغى الرئيس الفعلي للبلاد لمصطلح دخيل مفاده أن تنظيمات إرهابية محدودة الإمكانيات مسؤولة عن توتير الأجواء وبلبلة الأوضاع في العراق. فهم السياسيون وأتباعهم أن الحل الشامل الأمثل لتلك الحالة يكمن في القصف الأعمى، بالمدفعية والرشاشات الثقيلة وقنابل الطائرات السمتية والحربية.
قد يكونون على حق على أرض الواقع!؛ ذلك لأنه طيلة ما يربو على عقد من السنين لم تتوفر أية وسيلة للتواصل والتفاهم بينهم وبين الفئات الأخرى في الشعب العراقي. بات الجيش العراقي الحديث يخوض الآن حروباً ومعارك ضروساً على كل خطوط التماس مع شرائح كبيرة ممتدة من المجتمع العراقي.
الذي كان بالأمس القريب يعيب على النظام السابق استعمال القوة المفرطة في التعامل مع بعض الملفات حل اليوم محله؛ وبدرجة تفوقه شراسة وحدّة وفترة زمنية وامتداداً ديمغرافياً. كل الفئات العراقية قابلة لكي تدخل حلبة المواجهة مع الحكومة الاتحادية والتي حقيقة ينحسر نفوذها في المنطقة الخضراء وسط بغداد.
تراهن على النجاح في تطبيق الحل الأمني لتسهيل استمرارها لفترة حكم جديدة تمتد لأربع سنوات إضافية. هذا مؤشر آخر على أن الحكومة وأعضاءها حقيقة مصابون بالغباء السياسي ذي المنشأ والارتكاز الطائفيين.
ما الذي جناه الشعب من حكومة على مدى سنين عدة غير أنهار الدم والويلات والكوارث والأزمات الخانقة؟ ما الذي يوقف تلك الحكومة من التفكك وإفساح المجال أمام قدرات وكفاءات جديدة تأخذ دوراً ريادياً في الحياة السياسية والإدارية الجديدة؟!
لا يمكن أن ينطبق مفهوم الديمقراطية الحديثة على الحالة العراقية السائدة. أحد الدلائل على ذلك هو أنه عشية انتخابات برلمانية أو إدارية عامة يقوم أحد المعممين أو ثلة منهم بتوجيه نداء مقدَّس إلى أتباع ذلك المذهب.
يدعو النداء بالتصويت بنعم على أي ملصق يحمل صورة شخصية لمعتمَد من تلك الطائفة من قبل مرجعية مقدّسة لا مجال للانحياز عن وصاياها.
ذلك ما يختزل أصوات مئات الآلاف والملايين ببضعة أصوات على الأكثر! هذا ما تقوم به الدكتاتوريات حين تحاول الحصول على أكثر من 90% من الأصوات لصالحها كي تستمر في حكم العباد ونهب خيرات البلاد.
يمهد ذلك لاستتباب وتفاقم دكتاتورية الطوائف التي ثبت أنها أشد نحساً وأكثر فتكاً بحياة ومستقبل الشعوب؛ في الداخل والجوار القريب والبعيد.
1224 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع