خالد القشطيني
تفجرت ضجة جديدة في الأوساط الواعية من العراقيين بصدد ما أثارته السلطات بمسودة تشريع جديد للأحوال الشخصية. بدلا من خطوة جديدة للأمام وجدوا أنفسهم يواجهون خطوتين جديدتين للوراء، بل قل مائة خطوة للوراء.
أطلقوا عليه «قانون الأحوال الشخصية الجعفري». اعتبره كثيرون تأكيدا على التقسيم الطائفي للشعب العراقي. بيد أنني لا أنظر لهذا المشروع كعملية طائفية. هذه مسألة أكبر وأخطر. تمحورت أكثر الاعتراضات على موضوع المرأة ومكانتها في المجتمع، وعلى رأس ذلك حقوقها كإنسان، حقها في تقرير مصيرها كإنسان واختيارها لمستقبلها، مساواتها للرجل كمواطن أمام مواطن، ومسؤولية الدولة عن حمايتها وحماية مستقبلها حتى بلوغها سن الرشد.
أشار المعترضون وبحق، إلى ما ينص عليه الدستور الذي سنه وأبرمه النظام الحالي في قوله برفض أي تمييز بين المواطنين. إذا كان الأمر كذلك فكيف يجوز التمييز بين هذين المواطنين: الرجل والمرأة؟ أشار آخرون إلى هذا العيب المشين بتقنين مثل هذا الإجحاف بالمرأة في عصر راحت فيه حتى أكثر الدول تخلفا تتسابق في الإقرار بحقوق المرأة ومساواتها وحريتها. كل ذلك مع العلم بأن العراق كان سباقا في ذلك وأصدر في الخمسينات قانونا للأحوال الشخصية كان من مستجداته السعي لرفع مكانة المرأة إلى مساواتها بالرجل.
وكما قلت، هذا موضوع لا ينبغي النظر إليه في إطار طائفي. إنه موضوع ارتجت له في الواقع ديار الإسلام وغير ديار الإسلام أيضا، منذ قرون. الغربيون لم يعطوا المرأة حق التصويت حتى أواسط القرن العشرين وبعد جهاد مرير. وكذلك أنكرت الشرائع الغربية شخصيتها القانونية المستقلة واعتبروها مجرد «ذيل» لرجلها وسلعة من ممتلكاته حتى عهد قريب. وهكذا ينبغي أن نخرج هذا الموضوع من الإطار الطائفي ونتعامل معه في الإطار المدني الذي يقوم على حقوق الإنسان والمساواة بين المواطنين وانعتاق المرأة ومساواتها مما أصبح مسلما به عالميا ووقعت حكوماتنا على وثائقها واعترفت بها جملة وتفصيلا. أنا واثق أن المسؤولين في بغداد، إذا استطاعوا تمرير هذا القانون، سيكون عليهم أو على أبنائهم أن يلغوا ما أقروه في المستقبل القريب ليبقى اسمهم فقط مرتبطا بهذا القانون.
وأكثر من ذلك، إنه يشير إلى خطر الإسلام السياسي ومزج الدين بالدولة وما يترتب عليه من أضرار ومخاطر. فهذا التشريع في بغداد فصل من فصول الإسلام السياسي. بيد أنني كما أخرجت الموضوع من إطاره الطائفي أود أن أخرجه من إطاره المدني أيضا. فللموضوع أبعاد سياسية أعمق وأخطر. فالسلطات العراقية عزمت على هذا التشريع بفعل ما تتمتع به من أكثرية في مجلس النواب. من الذي انتخب هؤلاء النواب؟ انتخبهم الشعب العراقي الذي يتكون نصفه من الإناث. وما لا يقل عن ثلاثة أرباع هؤلاء الإناث «الناخبات» أميات جاهلات. وفي هذا المفصل أصل بالقارئ إلى فصل من فصول مسرح السخف، أو قصة قصيرة من قصص كافكا. والحبكة هنا تقوم على المرأة التي تدق بيدها حديد قيودها لاستعبادها راضية بعبوديتها! فهل من كوميديا أسخر وأظرف من هذه الكوميديا، كوميديا ديمقراطية الجهالة والأمية التي مسخت الديمقراطية على أيدينا في الشرق الأوسط؟
1230 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع