زينب حفني
عدتُ مؤخراً من مدينة أبوظبي، بعد أن حضرت الملتقى السنوي الثامن الذي تُقيمه صحيفة الاتحاد سنويّاً، حيث تكون فرصة جميلة للالتقاء بالزميلات والزملاء، وتبادل الآراء حول مختلف القضايا التي تشغل العالم بأسره، وقد كان موضوع المنتدى لهذا العام عن مستقبل الدولة الوطنية بالعالم العربي.
الأوراق التي قدّمها عدد من كتّاب الصحيفة، كانت مثمرة وغنيّة في مضامينها، وقد استفدتُ كثيراً من النقاشات والحوارات التي تمّت حولها. وقد كان من ضمن الأوراق، تلك التي قدّمها الكاتب المغربي (محمد أوجار)، والتي تحدّث فيها بإسهاب عن الإصلاحات التي أقدم عليها الملك محمد السادس، كإطلاق سراح المعارضين السياسيين وإشراكهم في الحكومة، بجانب بعض التعديلات الدستوريّة، ليُحقق بذلك العدالة الانتقالية ببلاده، دون أن تقوم ثورة شعبية كتلك التي وقعت في بعض الدول العربية.
في تعقيب على ورقة أوجار، يرى الكاتب المصري السيد يسين، بأنه لا تُوجد عدالة انتقالية ببلداننا العربية، حيث لا تُوجد ديمقراطية، ولا حريات مطلقة، وأن ما يتردد هنا وهناك عن وجود مناخ من الحريات، ما هو إلا قول مزعوم وضرب من ضروب الخيال، ليس له وجود على أرض الواقع.
ثورات "الربيع العربي" لم تقطف بعد ثمارها في البلدان التي اندلعت فيها، بدءاً من تونس ومصر، ومروراً باليمن وانتهاء بليبيا. هذه الدول يلوح في أفقها اليوم شبح التقسيم، وغاب عن أرضها الأمن وانعدام الاستقرار، ويكفي أن المليشيات المسلحة في ليبيا تُسيطر على عدد من مدنها، ما جعل البعض يحنُّ للماضي رغم قسوته!
أجد نفسي أخالف ما قاله السيد يسين، فالخطوات الاستباقيّة التي قام بها الملك محمد السادس، تدلَّ على حكمة حاكم شاب، حتّى وإن كانت لا تشبه التجربة الديمقراطية الغربيّة، لكن بداية الغيث قطرة كما يُقال! وأتذكّر أنني استمعتُ لحديث تلفزيوني، للدكتور مصطفى الفقي، يحكي فيه عن هذه التجربة الوليدة بالمغرب، ويشيد بها.
تُرى لو استشرف المستقبل، حسني مبارك، وزين العابدين بن علي، ومعمّر القذافي إبّان حكمهم، هل كانوا سيتمادون ويستهينون بمطالب شعوبهم، أم كانوا سيقومون بإصلاحات جذرية ويستمعون لأنّات شعوبهم احتراماً لكرامتهم؟! لو تنبأ العرافون بما سيحدث لهم، هل كان هؤلاء الرؤساء سيعتبرون، ويقتنعون بأن شعوبهم قد أعلنت فطامها، وأكّدت علانية قدرتها على المشاركة في صناعة القرار داخل مجتمعاتها، أم سيصمّون آذانهم ويغضون الطرف عمداً؟!
لماذا لم نتعلّم من الغرب أصول الديمقراطيّة، رغم أننا حققنا نجاحاً ساحقاً في عصور التنوير؟! لماذا تراجعنا ثقافيّاً واجتماعيّاً ودينيّاً؟! هل فعلاً يتآمر الغرب علينا، ولعابه الذي يسيل على خيراتنا، جعله يتآمر طوال الوقت علينا ليسلبنا كل ما لدينا؟! لا أعرف! أحياناً ينتابني شعور غامض بأن الغرب يستحلي وضعنا في خانة ضيقة ويستمتع بمشاهدة عروض القمع والخلافات التي تحدث فيما بيننا، كي يتمادى في غيّه ويستولي على ما تبقّى لدينا، مستغلاً ضعفنا وتشرذمنا!
للأسف، حتّى وإنْ كان في هذا القول شيء من الحقيقة، إلا أن أغلبية الأنظمة العربيّة تقع عليها المسؤولية كاملة في تخلّف مجتمعاتنا! فهي ما زالت تتهيّب من الديمقراطيّة، وترى بأن إرساءها سيُحدث جلبة وفوضى في مجتمعاتها، متعمدة إطلاق أيدي رجال الدين المتعصبين، كي يلهوا الناس عن الإصلاحات السياسية ببلدانهم، ودفعهم إلى الدوران ليلاً نهاراً في حلقة الدين المتعصب كي يظلوا في سباتهم! الغرب لا يحترم إلا الأقوياء، وقوتنا تكمن في التسلّح بمبادئ الديمقراطية الحقيقيّة، المغلّفة بالعلم والثقافة والدين المعتدل، كونها مجتمعة هي التي تبني حضارات الأمم، فأين نحن من هذا وذاك؟!
1482 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع