تعقيبا على مصاطب الرمل للسيد محمد سهيل احمد

أ.د. سلمان الجبوري

تعقيبا على مصاطب الرمل للسيد محمد سهيل احمد

يصح القول على هروب الكفاءات العراقية من جحيم الحصار الظالم على العراق منذ الثاني من اب 1990 والذهاب الى ليبيا وغيرها ان مصائب قوم عند قوم فوائد، خاصة اذا ما علمنا غنى العراق بالكفاءات التي تعاظمت عددا وخبرة وكفاءة منذ بداية عقد سبعينيات القرن المنصرم بفضل الدعم الذي اولته قيادة الدولة لهذا الجانب للنهوض بالبلد من حالة الركود والتخلف حتى وصلت به في نهاية هذا العقد الى مصاف الدول المتقدمة بشهادة المنظمات الدولية وما تشهد به حالة التألق العلمي للكفاءات العراقية في دول المهجر التي وضعوا رحالهم فيها منذ الاحتلال المشؤم في 2003.
واذا ماعلمنا بأن ليبيا كان لها حصة الأسد من تلك الكفاءات بسبب عاملين احدهما سلبي الا وهو فقر القطاعات الليبية من الكفاءات المحلية بسبب توجهات النظام الليبي طيلة زمن الجماهيرية نحو الصراع الذي يشبه مصارعة طواحين الهواء ذلك الصراع الذي اقل مايقال عنه اسمع جعجعة ولا ارى طحينا واهمل وفق ذلك الجانب البناء للبنى التحتية واداتها الفاعلة تنمية القوى البشرية الكفوءة، اما الجانب الإيجابي فهو انفتاح النظام الليبي على مواطني الدول الشقيقة واعتبار ارض ليبيا ارض كل العرب. ومع الأسف لم يستغل النظام الليبي هذا الظرف لتطوير كفاءاته والوصول الى مرحلة الاعتماد الذاتي بسبب غياب الاستراتيجية العلمية والاقتصادية فجرى التعامل مع الكفاءات كقوة اجيرة دون الانتباه الى امكانياتها الذاتية التي حملتها الى هناك واستغلالها استغلالاً امثل بدءا من عدم تسهيل إجراءات استخدامها وظروف عيشها واسكانها وعدم الانتباه الى معالجة ظروف البدء في العيش هناك ومن ابرزها تأخير صرف المرتبات وعدم معالجة هذه المشكلة بمنح سلف تمكن الوافد من تسيير اموره المعيشية . وبعد اطلاعي على ما كتبه الكاتب وجدت فيه تجنيا كثيرا على الليبيين ووصفهم وكأنهم خارج الحضارة متناسيا ان لكل مجتمع خصوصياته وطريقة حياته التي يختلف فيها عن غيره من مجتمعات بلداننا العربية هذا إضافة الى التفاوت الكبير في طريقة حياة وتعامل الليبيين بين مدن الشمال نفسه وبينه وبين المدن النائية في الجنوب او في اقصى الشرق. وهنا اجد لزاما علي ان انقل انطباعاتي عن ليبيا التي عملت في اقصى جنوبها لمدة سنتين كاستاذ جامعي.
في عام 1993 وبعد أسبوع من وصولي وعائلتي الى اوربا وصلتني دعوة من جامعة سبها الليبية التي تقع في اقصى الجنوب الليبي، وما كنت حينها اعرف شيئا عن جغرافية ليبيا فقمت بالاتصال بمكتب الاتصال الخارجي الليبي (السفارة الليبية) في عاصمة الدولة التي أقيم فيها للحصول على بعض المعلومات عن مدينة سبها فقال لي احد العاملين هناك بأنها تشبه احدى مدن البلد الذي نحن فيه ففرحت جدا بأنني سوف استدعي عائلتي للعيش معي هناك لكن مع الأسف وجدت مدينة سبها وشعبها غير ذلك مما دعاني الى العزوف عن استدعاء عائلتي الى هناك رغم انها خليط من التحضر والبداوة واناسها رغم طيبتهم ففيهم شيء من الخشونة في التعامل بسبب موقعها الصحراوي فوجدتها كما وصفها احد الاخوة انها تشبه مدينة الناصرية عام 1957 . كان السفر الى ليبيا وبسبب الحصار المفروض عليها بسبب حادثة لوكربي يتم عن طريق تونس ومن هناك بالحافلات الى طرابلس ومنها الى سبها عبر مسافة تبلغ 1000 كم تتخللها نقاط سيطرة وتفتيش. وللامانة والانصاف كانت الجامعة تصرف للمتعاقدين معها أجور التذاكر والإقامة في فندق المدينة لحين تأمين السكن الجامعي وفعلاً تم اسكاني في مجمع الأساتذة الجامعيين والذي كانوا يسمونه البراكات وهي عبارة عن بيوت جاهزة بنتها الشركة الأجنبية التي أنشأت بناية الجامعة وكان كل بيت مجهز بجهاز تكييف يتألف من غرفتين يتوسطهما مطبخ صغير وخلفه حمام وتواليت.
ان المشكلة في ليبيا هو عامل النرجسية وسيادة التعالي التي اكتسبها الشعب الليبي بسبب ماعودهم عليه القذافي ويضاف اليه عدم ادامة الدولة دفع مرتبات مستخدميها وفق انسيابية متعارف عليها عالميا مما يضظر الليبي ان يبحث عن مصادر أخرى للدخل على حساب نوعية أدائه في عمله في المؤسسات الحكومية يضاف الى كل ذلك ضبابية المستقبل لديهم وعدم الرغبة في التعلم والتطور.
ان ما ورد من رأي في مذكرات (مصاطب الرمل) للأستاذ محمد فيه اجحاف كثير للجانب الليبي وللشعب الليبي اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الفروقات المجتمعية والحضارية والجغرافية والسياسية بين العراق وليبيا. يضاف الى كل ذلك سوء تخطيط وإدارة الحياة للشخص الوافد والذي لاحظته في تصرف الأستاذ محمد والذي احرق سفنه في العراق ثم عاد ليرسو على شاطئٍ غير مؤهل لاستقبال العائدين بخفي حنين.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1284 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع