حامد خيري الحيدر
الرُصافي في حادثةٍ طريفة
أن كل ما قيل ويقال عن شاعرنا الكبير معروف الرصافي هو قليل جداً بحقه، من سيرته النزيهة الناصعة وعفة يده وحتى مواقفه السياسية المبدئية، التي كانت بمثابة عِبر غاية في التأثير، الأحرى بمثقفي الزمن الحديث الاتعاظ بها وفهم مغزاها... كان بأمكان هذا الشاعر الخالد (لو أراد) أن يعيش مُنعماً وسط باحات القصور، لكنه بدلاً من ذلك سكن بين دور (صاحبات الرايات) مفضلاً أياهن عن مخالطة السياسيين وعُهرهم الذي يزكم الأنوف... لينتهي به المطاف في آخر أيام حياته وهو تحت وهن المرض وعجز الشيخوخة بائعاً للسكًائر عند قارعات الطرق في مدينة الفلوجة، رافضاً أذلال نفسه وبيعها لأذناب الاستعمار.... ليرثيه شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري بقصيدة عصماء رائعة قالها عند قبره، جاء في مطلعها...
لغز الحياة ولوعة الألباب .... أن يستحيل الفكر محض تراب
وفي حياة شاعرنا الرصافي العديد من المواقف والحوادث الطريفة، هذه واحدة منها كان قد رواها لي قبل سنين طويلة أحد الشيوخ الاجلاء من أهالي منطقة باب الشيخ من الذين عاصروا خلال ردحاً من حياتهم شاعرنا الكبير....
في أحد الأيام كان الشاعر معروف الرصافي جالساً في أحدى مقاهي بغداد بصحبة جمع من الأصدقاء، عندما دخل المقهى رجل تبدو على هيئته مظاهر التعجرف والغطرسة (أرنبة أنفه تلامس السماء)... بدا ذلك جلياً عندما أدى التحية على الجالسين بتكبر واضح، ثم أخذ مجلسه بالقرب من الرصافي، الذي بادره القول كما هو مُعتاد (الله بو الخير) فلم يرد الرجل عليه بمثلها... فما كان من صاحب المقهى أن أستهجن ذلك ليسأله مشيراً الى الرصافي (مَترد على الأستاذ)... فأجابه الرجل الذي كان يعاني من لثغةٍ في لسانه (يلفظ الراء غيناً)... (ماغيد أغد، وبغبك منو يابة هذا الأستاذ)... فبيّن له صاحب المقهى شخص الرصافي (متعرف الشاعر معروف الرصافي)، ليرد الرجل (هااااااااااا الغصافي، كًلي مو هو هذا اليكتب شعوغة (يقصد أشعار))..... فلم يتمالك شاعرنا الكبير أعصابه وهو الذي عُرف بحّدة لسانه البغدادية، فعّقب على ما قاله، هازئاً منه وبنفس لثغتهِ (أي بغبي آني الغصافي، وآني اللي أكتب شعوغة)، ثم أكمل مُشيراً الى الرجل (أكتب شعوغة حتى يقغاها مثل هيج بعوغة (يقصد بعورة))... فما كان من الرجل ألا أن نهض واقفاً بعصبية وغادر المقهى مُسرعاً ليتجنب سماع المزيد وسط ضحكات وسخرية رواد المقهى.
1370 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع