د.سعد العبيدي
في رثاء عزيز: وداعاً عدنان
أخذتني الحيرة بعيداً كيف أبدأ.
وسط المفاجأة البائسة ومواقف فقدان عزيز، يحتار الانسان، من اين يبدأ.
البداية والنهاية عدنان حسين علي، ذاك الصديق الذي عرفته أول مرة طالباً في الكلية العسكرية عام ١٩٦٤، شاباً وسيماً من عائلة بغدادية عريقة، كان الأذكى والأوفى والأكثر تمرداً على الدنيا من بين جيل سماته التمرد.
سار في المقدمة هرولة سابقاً ذاك الجيل بخطوات عدة، توقف فجأة، احتج على محيط عاشه ومهنة تركها مبكراً، ليطوي صفحة كان قد تسجل بين سطورها، أنه الضابط المعلم، المخلص والقدوة.
تمرد على ذاته اليائسه فعاقبها عزلة وعزوبية وصراعاً مريراً مع حلو الحياة وأهوال القدر.
عدنان الزاهد يكتفي بزيارة مع كل عَوْدٍ الى بغداد ومكالمة هاتفية لا تطول، يحاول الاطلالة منها على ماضٍ بعيد، يتغزل فيه، يطمر قسوة الحاضر بين أخاديده الهالكة.
الحاضر عنده معدوم بالمرة.
خطر على البال قبل الأمس فجأة، فقصدته مع المغيب بلهفة حبيب يساوره القلق، لم يفتح بابه، لم يرد على هاتف اشترى نسخته الأولي مع بداية دخول الهاتف مجال الخدمة.
تجمهر الجار والمارة من كثر الطرق.
تسلق الشباب سياج الدار الذي شيده عالياً قبل أشهر ليسجن نفسه بين حيطانه وحديقة يقضي جل وقته فلاحاً فيها، وطيور يطعمها من عنده. كسروا الباب عمداً فكان ممداً على أرض المطبخ يئن من وجع الجلطة.
لم يفلح الطب معه هذه المرة، ولم تنفع المستشفى التي لم تكن مستشفى، فقد أنهكت قلبه الجلطة وأخذ الوهن منه ليلتان صارع فيهما البقاء مسجياً على أرض صلبة لا يقوى، ولا أحد عليه يسأل.
سأل هو، قبل لحظات من فراقه الدنيا محتجاً على القدر وعلى حياة قال في آخر جملة له فيها أنه لم يعد يعيرها اهتماماً.... قلت ومن بعدك عدنان لم يعد في موقف الحزن هذا قول سوى:
نم صديقي فقطار العمر قد توقف.
احتجاجك على سابق الزمن ما كان ينفع، واحتجاج القوم عن حاضره لم يعد ينفع.
النهاية عزيزي محتومه، وان لم نكن نريدها مثل هذه، ساعات صراع مع الوهن وانتظار النهاية خلف أبواب موصدة.
سنقنع أنفسنا من أنك قد تخلصت من دنياً لم توافيك حقك.
سنتأمل حياة من بعدك ثقيلة نحسب فيها وقع الزمن الذي لا أحد فيه ينفع.
رحماك ربي أنصف عدنان في آخرته انساناً كان نقياً حقاً.
وأنت يا صديقي نَمْ فذكراك ستبقى محفورة في خلايا العقل حتى يحين موعد لقاء ليس من بده بد.
سعد العبيدي
٢٣ك٢ ٢٠١٨
1067 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع