عائشة سلطان
تقول لي صديقتي إن قراءة الكتب لا تتناسب مع شهر رمضان، قالت أيضاً إن القراءة الوحيدة المفيدة والمنطقية - من وجهة نظرها - هي قراءة القرآن، لم أسألها ما إذا كانت تمزح أم أنها جادة، فهناك أشخاص ومنهم أهلنا وأصدقاؤنا حين يناقشون معك أمراً ما، فإنهم لا يطرحونه بوصفه قابلاً للنقاش، ولا بطريقة توحي بقبول النقد أو حتى الرفض، يصرون على إشعارك بأن دورك في الحديث لا يتجاوز التسليم والموافقة، فإذا رفضت فأنت لا تفهم، هكذا ببساطة مطلقة!
بالنسبة لصديقتي، أخبرتها بأننا نتعامل مع تفاصيل حياتنا كما نفكر فيها، أي أننا إذا تعاملنا مع العمل مثلاً باستهتار ومزاجية، فهذا دليل على الطريقة التي نفكر وننظر فيها للعمل، لا شيء اسمه عمل في رمضان وعمل في غير رمضان، العمل قيمة ثابتة والقيمة الثابتة لا تزيد ولا تنقص، خصوصاً فيما يخص أخلاقياتها القيمة، لذلك نقف متعجبين لا نملك تفسيراً حيال بعض الأشخاص الذين يمارسون المثالية في رمضان، ويرتكبون كل ما يخطر ببالهم إذا انتهى، هذا التناقض هو الذي يحتاج إلى تفسير ودراسات معمقة، لأنه بات واحداً من السمات التي تميز مجتمعات بأكملها وليس مجرد جماعة أو عدة أشخاص!
لماذا لا تصح قراءة كتب غير القرآن في رمضان؟ سألت صديقتي، لم يكن لديها جواب مقنع، كلامها يذكر ببعض الفتاوى الغريبة التي لا تمت للمنطق بصلة، والمستندة إلى نوعية من الخطابات الإنشائية الوعظية التي تركز على قضية الحياة والموت، وأن رمضان موسم للأعمال الصالحة لتعويض ما فاتنا، قلت لها إنني لا أجد مبرراً لقبول فكرتها، فهي تفترض أنني كنت قبل رمضان أعيش بلا أعمال صالحة، أو أنها تفترض أن القراءة أساساً عمل لا قيمة له وغير صالح، أو أنها وهذا هو الأخطر تفترض وجود حالة الازدواجية التي تبيح للإنسان أن يكون صالحاً في رمضان وحراً فيما عداه!
علينا أن نؤكد قدسية الشهر الفضيل وفضائله التي نعلمها وتربينا علينا، لكن علينا ألا نفعل ذلك بطريقة خاطئة تجعله زمناً مضافاً خارجاً وطارئاً على الزمن، يهل علينا فنحاول أن نتصرف فيه كمسلمين حقيقيين قدر استطاعتنا، ثم إذا انتهى تحررنا من الصلاح، هذا التفكير هو ركيزة التناقض وأساسه.
كإنسان، أنت تحاول طوال الوقت أن ترتقي على شرطك الحيواني لتستحق إنسانيتك بالدين وبالخلق وبالعقل وبالمنطق والعلم والمعرفة والكتب، هذه كلها أدوات لتعرف طريق إنسانيتك فتمارسها في رمضان وفي كل الأيام، أما رمضان فشهر عبادة بلا شك، وهو أحد أهم مواسم العبادة التي تقترب فيها النفس من حقيقتها، فلنقرأ كما نفعل طوال العام، لا شيء في القراءة ضار، لأن القراءة واحدة من أدوات مضاعفة مساحات الإنسانية التي نحتاج إليها جميعنا.
1044 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع