"شتاءُ اللقالق"... روايةٌ ليست ككلّ رواية

       

ايلاف/ فاطمة الحساني:قرأتُها، فتتالت أحداثُها عبر واعية صبيّ سمع ورأى ما كان في أربع مدن عاش فيها. اختار الكاتبُ صبيّاً من النابهين الذين تجاوزوا الزمنَ فيما يُفكّرون.

شدهَ الصبيُّ مَنْ حوله بتساؤلاته التي لا تنتهي. وتُفصِحُ أسئلتُه عن رجل قرأ الكثير، واختار ممّا قرأ. جدّتُه التي لازمتْه في رحلة المُدن بعيدة ٌ عن عالمه، تؤمن بالسّعالي وبالطناطل وبالحشرات الناطقة وبالجن. تحكي له الكثير عنها. لكنّه يُفاجئها بأسئلة فوق ادراكها وأعمق ممّا تؤمن به. تحاولُ اسكاته حين تعجزُ عن إيجاد جواب مُقنع. فالمدائنُ التي اضطرت ظروف وظيفة أبيه للتنقل فيها هي: قرة تو، بعقوبة، بغداد،السليمانية ,أجاد السامرائي وصفَ الطرق التي مرّ بها الصبيّ/ نعمان/ مع جدّته، وكأنّما سجلّها عبرَالكاميرا. وجعل القاريء يُحسُّ أنّه يمشي مع نعمان وجدّته، ويسمعُ صفّارة القطار وأصوات الطيور، قلدها باقتدار موسيقيّ حاذق. كما رسمَ الدروبَ والمعالم بريشة رسام مُبدع. وأجاد التحدّثَ بلغة وثقافة كلّ مَنْ وردَ اسمُه في هذه الرواية. كثيرةٌ هي حكاياتُ الجدّة لحفيدها عن خرافات تؤمنُ بها، تسردُها على مسامع الصبي نعمان وهو يقومُ بتفنيدها / ص 62، 63 / وكما نجح الكاتب في وصفه العميق للأماكن والأصوات وجدتُه قد أجادَ الوصف الدقيق لحركات البعض وتغيّر وجوههم وهم يكشفون عن وجه القتيل/ ص73 /.. فتلمسنا الصدق والحسَّ الإنساني الذي أشعرنا به على لسان الصبي وهو يقول :/ الأكراد يذكرون للمسؤول أنّ الحنطة قد نفدت ولم يتبقَ لهم حبّةٌ واحدة، وخالي يؤكّدُ كلام الأكراد. كيف يقول مثل هذا الكلام خالي وبيتُنا مملوءٌ بالحنطة والطليان، فتُسكتُه الجدّةُ/ ص 100/ وهي في قرارة نفسها تتفاعلُ مع جوع الأكراد بيدَ أنّها عاجزة عن فعل أيّ شيء أمامَ ابنها الذي بيده الأمرُ. ومن الآراء التي طرحها الكاتبُ في روايته توضيحه للأطفال الفرق بين الصهاينة الذين ذبحوا ألفلسطينيين واحتلوا أرضَهم وبين اليهود الساكنين معنا في بعقوبة، فهؤلاء عراقيون مثلنا/ ص172 /. وفي صفحة / 289 / أظهرَ سياسة المحتل عندما سأله نعمان: لمَ لمْ يصنعوا تمئالاً للملك غازي؟ أجابه : لأنّه ضدَّ المُحتل، لذا رتّبوا له مقتلاً... ولم يفُتِ الكاتبُ كشفَ الحقيقة وهو يرى وطننا الذي يضطرمُ بنار الطائفية أجّجَها أصحابُ المصلحة من دون أن يلتفتوا الى ما يُصيبُ الشعبَ الآمنَ المؤمن بالآخر. كما قدّمَ لنا صورةً صادقة عن العراقيين آنذاك. حين صوّرَ في/ ص 294/ كيف أنّ الناسَ لم يبتلوا بالتزمت الطائفي، فهم يزورون، سنة ً وشيعةً، المراقد الدينية المقدّسة كافةً. ويُقدّمون النذور لها وهم يؤمنون بأن ذلك قادرٌ على تلبية حاجاتهم.
أخيراً، انّ هذا الوصف الدقيق للمراقد وما يحدثُ فيها يوحي بأنّه عاش قربها زمناً حتى ظلتْ عوالمها عالقةً بذهنه 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

849 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع