"شناشيل الشيوخ".. أكبر محلات الأعظمية وأقدمها تواجه الهدم

شفق نيوز/ محلة الشيوخ، إحدى محلات بغداد القديمة وأكبرها من حيث المساحة والسكان، وتقع بين جامع "الإمام الأعظم" (أبو حنيفة) وشط الباشا في منطقة الأعظمية، بجانب الرصافة من العاصمة العراقية.

ويختلف المؤرخون في تسمية المحلة، اذ يرى البعض انها سميت بهذا الاسم نسبة الى شيوخ الطريقة الصوفية الذين سكنوا وماتوا فيها، مثل الشيخ جلال الدين محمد بن الشيخ شمس الدين، ومحمد بن احمد الحنفي الكوفي الشاعر المشهور، وابى الحسن النوري.

لكن مؤرخين آخرين، يذهبون إلى أن التسمية جاءت نسبة الى شيوخ قبيلة العبيد الذين نزلوا بهذه المنطقة، وبنوا دورهم فيها عند مجيئهم مع السلطان العثماني مراد الرابع عام 1638م.

ووفق باحثين في مجال التراث، تقع محلة الشيوخ في الجزء الشرقي من بغداد، حين كانت منطقة الاعظمية كلها محلة واحدة سابقاً، وهي محلة الإمام ابي حنيفة وبلدة المعظم.

ويؤكد الباحث الفلكلوري، علي ورد، أن منطقة الاعظمية تقسمت منذ عام1870م، أي في زمن الوالي العثماني مدحت باشا، إلى محلات الشيوخ والنصة والسفينة والحارة، ثم ظهرت محلات اخرى بعد ذلك ارتبطت بمنطقة الاعظمية.

ويضيف ورد، في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن هناك محلتين في بغداد تسميان الشيوخ، احداهما في الكاظمية واشتق اسمها من شيوخ قبيلة طي الذين سكنوا تلك المحلة، ومحلة الشيوخ الواقعة في الاعظمية والتي تنسب الى شيوخ العبيد.

نسيج اجتماعي متنوع

تعرف محلة الشيوخ بتعدد مكوناتها الدينية والاجتماعية، وانها المحلة الاشهر علماً واقتصاداً، وشكلت هذه المحلة التراثية نمط حياة مختلف الالوان، اذ تضم المدارس، ومنها مدرسة الاعظمية الابتدائية وهي المدرسة الأقدم، إضافة إلى التكيات والمساجد ودور العبادة اليهودية.

ووفق الباحث التراثي فهد الأعظمي، فإن اليهود سكنوا هذه المحلة واتخذوا أماكن عبادة لهم فيها، كما انتشرت المقاهي، التي تعد حالياً من أبرز تراث محلة الشيوخ، ومنها، مقهى بيت الافندي ومقهى السيد نعمان ومقهى عطيه ومقهى مجيد لكاش ومقهى حجازي ومقهى سيد سامح المعروفه باسم مقهى الحاج محمود العمر، ومقهى محمد غايب الذي افتتح عام 1934.

ويلفت الأعظمي، خلال حديثه للوكالة، إلى أن أهالي محلة الشيوخ اشتهروا في دباغة الجلود والصوف، ومنهم أصحاب علاوي وباعة اقمشة وموظفون.

ويؤكد أن الألفة كانت تسود جميع سكان أهالي محلة الشيوخ رغم الاختلاف في الاديان والمعتقدات والمستويات العلمية والاجتماعية، وأن مقاهي المحلة كانت ملتقى الأهالي من جميع المكونات للإسترخاء وتبادل الحديث والحوار، وفيها يلتقون للاتفاق على زيارة مريض أو إصلاح ذات البين، فضلاً عن الأحاديث المتعلقة بأعمالهم اليومية.

الحركة التجارية

في هذا الصدد، يقول الأعظمي، إن أول معمل للطحن والجرش في محلة الشيوخ كان معمل عبد الكريم أبو الدبس، مشيراًُ إلى انتشار معامل اخرى بهذه المحلة ومنها معامل السيد نعمان الحاج محمد، وعبد الرزاق محسوب ومعمل الصابون الذي كان يعمل فيه عمال المان في العام 1928.

إضافة الى علاوي الخضروات والفواكه التي كانت تأتي من البساتين المحيطة بمنطقة الاعظمية كعلاوي حياوي وحجازي والسكران وابو كريش، فضلاً عن علاوي الحبوب كالحنطة والشعير والرز والعدس والماش والدخن، في هذه المحلة ومن أشهر أصحاب تلك العلاوي الحاج كريم مسعود واحمد صالح ونجيب الريس وابراهيم الحمد، واشتهرت محلة الشيوخ ايضاً ببيع الخشب والحصران ومواد البناء.

أشهر أزقة المحلة

في المقابل، يقول خالد عوسي (أحد سكنة محلة الشيوخ) ومهتم بتراثها، إن لهذه المحلة العريقة ازقة و"درابين" معروفة كدربونة عبد الله السلام التي تقع مقابل مقهى حجازي، ودربونة عيس الاعمى ودربونة ابراهيم دلة ودربونة حسون السكران ودربونة حجازي ودربونة ريمة المسلمانية ودربونة زماوي ودربونة الخبازة.

ويشير عوسي، في حديثه للوكالة، إلى أن المحلة شهدت ظهور عدد من المختارين، ومنهم محمد جواد وملا حبيب الفياض وخليل الاعظمي، موضحاً أن المحلة كانت تواجه تهديدات جراء المياه التي تنبعث من جوف الارض وتطفو على السطح بما يعرف باللهجة العراقية العامية "النزيزة".

شناشيل محلة الشيوخ

تنحدر كلمة الشناشيل من أصل تركي، أو فارسي، ولكنها عراقية المنبع بعملها البنائي وفنها المعماري والبيئي، لأنها اسم له معنى خاص عند العراقيين لما يحمله من عبق تراثي وتناغم بين الفن وفلسفة الحياة والهندسة المعمارية والظروف المناخية والبيئية بطرازها الجميل، يعود بالذاكرة إلى مئات السنين التي خلت والتي كانت تعج بمظاهر البساطة والترف الإنساني المليء بالحب والجمال وشيوع الألفة بين أبناء الحي الواحد.

وتظهر في محلة الشيوخ بعض الشناشيل والتي ما تزال شاخصة حتى الآن، وهي تؤرشف مرحلة عميقة في الذاكرة العراقية، بيد ان شناشيل المحلة بكل ما يعبق بها من روائح التراث أصبحت متآكلة ومهددة بالإنقراض.

في هذا الصدد، يذكر المواطن مؤيد الصالح (60 عاماً) من منطقة الأعظمية أن "كثيرًا من اصحاب بيوت محلة الشيوخ، ومنهم أصحاب بيوت (الشناشيل) غادروا البلاد منذ زمن بعيد وتركوا دورهم مؤجرة لدى آخرين وليس بوسع هؤلاء تأهيل هذه البيوت أو ترميمها، لأنها ليست مملكوكة لهم.

ويضيف في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن بعض البيوت ما تزال يسكن بها ورثة لا يمتلكون المال الكافي لإعادة تأهيلها، لذلك هم حالياً بانتظار قيام الوقف السني بشراء بيوتهم كما فعل ذلك في مناطق اخرى من الاعظمية.

أما المواطن فاروق العبيدي (47 عاماً) وهو أحد سكنة محلة الشيوخ فيقول إن محلة الشيوخ تمثل تراثاً بغدادياً حقيقياً ومن المؤسف أن الجهات المعنية لم تقم بدورها في إعمار المحلة وإعادة تأهيل مواقعه التراثية العريقة.

ويختتم العبيدي، حديثه بالإشارة إلى أن "البيوت والمباني هي املاك خاصة وغير حكومية، ولكنها بالنهاية ارث عراقي، ويمكن للجهات الحكومية المعنية، ايجاد طرق ووسائل قانونية للاهتمام بهذه المنطقة وترميمها كما فعلت ذلك في مناطق اخرى من العاصمة بغداد".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1161 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع