خامنئي بلا سند بعد اغتيال نصرالله
العرب/طهران – صار المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي يظهر مع كل مناسبة ليعلن عن موقف بلاده من الاستهدافات التي تطال حلفاءها في المنطقة، وهو أمر كان يتولاه الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله، لكن اغتياله مثل معضلة لإيران التي عجزت عن إيجاد شخصية تملأ الفراغ الذي تركه وقادرة على إبلاغ صوت المرشد الأعلى من دون حاجة إلى الظهور المتكرر الذي يفقده الهالة التي يصنعها له أتباعه.
وقال خامنئي بحسب رسالة مصورة نشرت على موقعه الإلكتروني بمناسبة العام الجديد في إيران “إنّ العدوان على الشعب اليمني والمدنيّين اليمنيّين، هو أيضا جريمة ينبغي التصدّي لها حتما.” وقبل أيام وصف خامنئي الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة بأنها “جريمة كارثية”، وقال إن الولايات المتحدة “تتحمل المسؤولية.”
ويزيد التصعيد الأميركي مع الحوثيين في اليمن من إحراج خامنئي بعدم قدرة إيران على الدفاع عن حلفائها، والاكتفاء بتصريحات عامة تتهم أميركا أو إسرائيل بتنفيذ جرائم، في حين أن هؤلاء الحلفاء ينتظرون خطوات عملية تظهر أن لهم سندا وداعما يمكن أن يرد بدلا منهم.
وجاء رد المرشد الأعلى على هجمات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتهديداته للحوثيين دون المطلوب، ولم تنجح كلمته الباردة في طمأنة “محور المقاومة” سواء في اليمن أو لبنان وغزة، وتبدو كأنها تسجيل للحضور من باب لزوم ما لا يلزم. صحيح أن عامل اللغة يحول دون وصول خامنئي إلى الأنصار العرب، لكن ذلك لا يبرر ورود كلمة المرشد في شكل مقتضب وجاف.
وبمرور الوقت وتزايد الاستهداف الإسرائيلي والأميركي يكتشف الإيرانيون أنهم خسروا الكاريزما والصوت العالي لنصرالله. وعمليا صار المحور الإيراني بلا صوت الآن.
وقد تزايدت وتيرة ظهور خامنئي، بعد السابع والعشرين من سبتمبر الماضي تاريخ اغتيال نصرالله، لكن هذا الظهور لا يخطف الأنظار كما كان يفعل نصرالله من قبل في خطبه، التي كان الأنصار ينتظرونها لأيام وتتابعها وسائل الإعلام العربية والأجنبية باهتمام بالغ، ويترقبها الأصدقاء والخصوم في الوقت نفسه ليضبطوا عليها الخطط.
والأسوأ أن تدخل خامنئي يجعل الفراغ محسوسا أكثر لدى أنصار “محور المقاومة”. وليس حاجز اللغة وحده ما يفرق بين خامنئي ونصرالله؛ فهناك أيضا طبْع الشخصية. الأول، أي خامنئي، يوجه عادة خطابا إلى الداخل يستبطن فكرة أن المستمع ملزم بالطاعة والتسليم وعدم السؤال، ولا يفكر كثيرا في المتلقي الأجنبي، ولذلك يتضمن خطابه تصريحات فضفاضة وتهما جاهزة تستعمل باستمرار لوصف الأعداء.
أما الثاني، أي نصرالله، فكانت خطاباته تحافظ على هيبته كقائد، وفي الوقت نفسه تكون قادرة على شد انتباه الأنصار وشحنهم ورفع معنوياتهم. والأهم أنها تقلل من الهزيمة وتحوّل أي جهد إلى نصر، ما مكنه من أن يكون مرجعا روحيا وسياسيا لـ”محور المقاومة” وليس فقط لحزب الله.
ولا يوجد في الساحة من يقدر على ملء الفراغ الذي خلفه مقتل نصرالله، لا في إيران ولا بين الحلفاء الذين تراهن عليهم لتنفيذ أجندتها في المنطقة. ففي لبنان الأمر أعمق وأبعد من تعويض قيادة حزب الله بشخصية نعيم قاسم، الذي يفتقر إلى الكاريزما والجاذبية اللتين كان يتمتع بهما نصرالله.
فنعيم قاسم يمكن أن يكون رئيس حزب بالبعد الإداري، لكنه لا يملك الثقل الديني والسياسي لنصرالله، وهو غير قادر على الاستقطاب، ما يعيق رغبة إيران في خلق زعامة جديدة تقدم أداء نصرالله وتغطي على تراجع الدور الإيراني في هذه المرحلة.
كما أن عبدالملك الحوثي، زعيم الحوثيين، ليس هو الشخصية التي تتصدى لوضع معقد يحتاج إلى “خطب رنانة” مثل خطب نصرالله الشهيرة. فهو من بيئة مختلفة وبعيد على عكس نصرالله الذي كان في قلب الأحداث وعلى صلة بمختلف الفصائل، خاصة الفلسطينيين.
وإذا كان نصرالله قد نجح في بناء علاقات وثيقة داخل لبنان والمنطقة وتجاوز استقطابه البعد الطائفي، فإن عبدالملك الحوثي شخصية تربت على السرية، وخطاباته تكرر الشعارات والتهديدات نفسها، ما يبني حاجزا بينه وبين الجمهور الذي كان نصرالله يستقطبه بخطاباته من البيئة الشيعية ومن خارجها، وهو من أسس لخطاب وحدة الساحات ووحدة “محور المقاومة”.
وزاد غياب صوت نصرالله من الضغوط على خامنئي في مواجهة تحديات باتت تهدد نفوذ إيران وتستهدف أهم حلفائها مثل الحوثيين في اليمن. وليس معروفا كيف سيتصرف الإيرانيون في مواجهة ضغوط ترامب الشديدة على حلفاء طهران، مثل حماس وأنصارالله في اليمن، وتلويحه بالضربات الكاسحة.
ومنذ نهاية الأسبوع الفائت تشنّ واشنطن حملة جوية ضدّ الحوثيين أسفرت السبت عن مقتل 53 شخصا وإصابة 98 آخرين، وفق المتمردين الذين قالوا إنهم ردّوا باستهداف حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر عدة مرات.
وتزامنا مع هذه الضربات توعّد ترامب الحوثيين الأربعاء بـ”القضاء عليهم تماما.” كما هدد بتحميل إيران مسؤولية أي هجمات يشنها الحوثيون في المستقبل، وحذر من عواقب وخيمة.
وأدانت إيران الغارات الأميركية الأخيرة على اليمن، ووصفتها الخارجية الخميس، إلى جانب الغارات الإسرائيلية القاتلة على غزة، بأنها أمثلة على “جرائم حرب”.
وقال الحرس الثوري الإيراني إن الحوثيين مستقلون ويتخذون قراراتهم الإستراتيجية والعملياتية بأنفسهم.
822 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع