"ماجينا" و"المسحراتي".. بغداديون يحنّون لعادات رمضانية بعضها اندثر

"ماجينا" و"المسحراتي".. بغداديون يحنّون لعادات رمضانية بعضها اندثر

شفق نيوز/ يمارس البغداديون في شهر رمضان، عادات وتقاليد موروثة ومتأصلة، لكن ثمة منها ما اندثر، وهناك عادات أخرى ما تزال تفرض حضورها وتقاوم رغم المتغيرات، بينما استبدلت بعضها الآخر بأخرى جديدة.

وعلى الرغم من كل ذلك، ما زال لهذا الشهر الكريم نكهة متميزة عند العوائل البغدادية، وما زالت بعض العائلات البغدادية تتمسك بتبادل الزيارات وتناول الإفطار في بيوت الأقارب وتبادل أطباق الطعام بين الجيران والخروج بعد الإفطار إلى المساجد والأضرحة أو المنتزهات والنوادي الترفيهية والأماكن العامة.

وبين الأمس واليوم، يتمنى كثيرون أن يعود الزمن إلى الوراء أو تتوقف بوصلته عند الفانوس والحصير والبساط وصياح الأطفال وهم يذرعون الأزقة ويطرقون الأبواب وينادون "ماجينا ياما جينا ... حلي الكيس ونطينه"، بينما يتوزع أبناء المحلة للعب "المحيبس" مع فريق من محلة أخرى، وكلا الفريقين يتناولان عقب اللعبة الزلابية والبقلاوة من أطباقها (الصواني) التي تركن جانباً لحين انتهاء هذه اللعبة الرمضانية، التي تنتشر في العديد من المناطق الشعبية البغدادية بجانبي الكرخ والرصافة.

أصل "ماجينا"

ثمة روايات كثيرة تتحدث عن أصل كلمة (ماجينا)، ويرى البعض أن هذه الكلمة مشتقة من كلمة (باجي) وهي كلمة غير عربية، اعتاد بعض العراقيين استخدامها للدلالة على الاحترام، عندما ينادون الأخت الكبرى أو المرأة المتقدمة في السن، ويقول أصحاب هذا الرأي، أن الأطفال ينادون البنت أو المرأة بـ(باجينا)، ولسهولة النطق تحولت هذه الكلمة إلى لفظ (ماجينا).

ويقول آخرون، إن هذه الكلمة تتكون من مقطعين وهما، ما النافية، "وجينا"، ليصبح معناها لولاك ماجئنا، وهذا المعنى يستبعده كثير من باحثي الفلكور.

أما المعنى الأكثر رواجًا في أصل الكلمة، فيعود إلى اسم امرأة يهودية ثرية كانت تتصدق على الفقراء في بغداد، وهو ما كان يدفع الأطفال للذهاب إلى بيتها في ليالي رمضان المبارك.

ويقول الباحث الفلكوري خالد الدهوي، إن أصل هذه الكلمة التي كان يتغنى بها الأطفال آنذاك، يعود لامرأة يهودية اسمها "جينا"، يقصدها الأطفال في ليالي رمضان ليحصوا منها على شيء من النقود.

ويشير الدهوي، لوكالة شفق نيوز، إلى أن "البيوت البغدادية القديمة كانت متداخلة ومتلاصقة وكان يسكنها في الماضي مسلمون ومسيحيون ويهود".

ويضيف، أن "شهر رمضان كان يشهد في الماضي حركة وجدانية يشترك بها أطياف المجتمع البغدادي في المناسبات، وأحياناً تجمعهم مائدة إفطار واحدة".

ويؤكد الدهوي، أن "جينا" المرأة اليهودية تصعد على سطح بيتها خلال صيف رمضان، ويقترب الأطفال من البيت ويطرقون الباب صائحين، "يهل السطوح تنطونه لو نروح"، عندها تفتح هذه المرأة الباب وتوزع على الأطفال النقود، لينقلبوا فرحين وهم يوجهون لها كلمات الثناء والشكر والمديح.

المسحراتي يقاوم الاندثار

بحلول الليلة الأولى وحتى نهاية شهر رمضان، كان المسحراتي أو المعروف عند البغداديين "أبو طبيلة"، يدور في الأحياء ليوقظ الصائمين لتناول السحور وشرب الماء قبل أن يدركهم الفجر، وكان هذا العمل يقتصر على شخص واحد في كل منطقة يتولى مهمة إيقاظ الصائمين، وكان يُقابل بالاستجابة والترحاب وتجمع له المحلة ليلة العيد مبلغاً من المال امتناناً لعمله، إذ لم تكن في تلك الفترة قنوات فضائية وهواتف نقالة ووسائل اتصال كما الآن.

أما في الوقت الحاضر، فقد انحسر عمل المسحراتي إلى حد كبير، وكادت تختفي هذه العادة القديمة التي لم تعد تمارس إلا في حدود ضيقة دون أن يكترث لها أحد.

ويقول المسحراتي عبد الله خشان 41 عاماً، ورثتُ عمل المسحراتي من والدي، وفي كل ليلة من ليالي رمضان أتولى إيقاظ الصائمين من أبناء المحلة لتناول السحور، بالتجول في المحلة قارعاً الطبل.

ويشير خشان لوكالة لشفق نيوز، إلى أنه حتى أعوام قريبة كان يخرج ويقرع طبله ويطلق نداءً توارثه من أبيه "سحور.. سحور"، وكان الناس يتفاعلون منه ويجمعون له المال ليلة العيد.

ويؤكد خشان، أن "الوضع الآن أصبح مختلفاً، فلم أعد أخرج وحدي كما كان سابقاً، بل يتجمع حولي حشد من الصبية ويلاحقوني وأنا أطوف في المحلة، ويطلقون صراخاً عاليآ يزعج أبناء المحلة، فينهالوا عليهم بالسباب، ولم يعد أحد يعطينا شيئاً من المال ليلة العيد إلا نادراً".

ويقول، "لقد تغيرت الأمور كثيراً، ولم تعد هناك حاجة حقيقية للمسحراتي، لكني أمارس هذا العمل وأحبه لأنه من تراث الآباء والأجداد وهو من العادات العراقية الأصيلة".

ويؤكد، أن الطارئين أفسدوا الجانب التراثي والروحي لهذا العمل.

تبادل الزيارات

اعتادت العائلات البغدادية تبادل الزيارات فيما بينهم وتقديم مائدة إفطار جماعي تضم أشهى الأطباق وأنواع مختلفة من الحلوى، وكانت هذه العادة ولاتزال تسري عند عائلات كثيرة.

ويقول الموظف باسم علي خليل، إنه "خلال أيام الأسبوع لا يكون هناك متسع للزيارات بسبب العمل والالتزامات، إلا أن شهر رمضان يوفر لنا فرصة لزيارة الأهل والأقارب وتناول الإفطار معهم".

ويشير خليل لوكالة لشفق نيوز، إلى أنه "ليس هناك ما هو أجمل من اجتماع العوائل على مائدة الإفطار بجلسة روحية، وتتبادل أطراف الحديث".

ويوضح، أن "خصوصية شهر رمضان المبارك تفتح الروح والوجدان وتجعل الإنسان يشعر بأخيه الإنسان ويقترب منه، وأن صلة الرحم وتبادل الزيارات بين الأهل وتناول الإفطار معهم تُشعر الإنسان بالسعادة والرضا وهذا ما نفتقده في الأيام الأخرى".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

760 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع