المسحراتي
وكالات الأنباء:المسحراتي هو أحد أبرز رموز رمضان، حيث يحيي ليالي الشهر الفضيل ويضفي على الأجواء طابعاً خاصاً من الألفة.
ولم يكن المسحراتي مجرد شخص ينادي لإيقاظ الناس للسحور، بل كان يمثل جزءاً أساسياً من التراث الثقافي والاجتماعي في العديد من البلدان الإسلامية، وتطور هذا التقليد عبر العصور ليصبح جزءاً من هوية رمضان، يعكس روح التكاتف والتواصل بين أفراد المجتمع.
فمتى بدأ تاريخ المسحراتي، وكيف انتشر في مختلف البلدان الإسلامية، وما أهمية الحفاظ على هذا التراث الذي يعكس أصالة الشهر الفضيل؟
أصل تقليد المسحراتي وأول ظهور
يرجع تقليد المسحراتي إلى العصور الإسلامية المبكرة، حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن أول من نادى بالسحور كان الصحابي بلال بن رباح، مؤذن الرسول (ص)، حيث كان يجوب شوارع المدينة المنورة ليلاً ليوقظ الناس للسحور، بينما كان عبدالله بن أم مكتوم يؤذن لصلاة الفجر، وهو ما أرسى أساس هذا التقليد الإسلامي العريق.
أما كمهنة منظمة، فيُعتقد أن أول ظهور للمسحراتي بشكله المعروف كان في مصر خلال العصر العباسي، تحديداً في عام 853 ميلادي (239 هجري)، عندما أمر والي مصر عتبة بن إسحاق أحد رجاله بالسير في شوارع القاهرة منادياً "يا عباد الله، تسحروا فإن في السحور بركة"، ومن هنا، بدأ التقليد يأخذ شكلاً أكثر تنظيماً وانتشاراً.
انتشار المسحراتي في الدول الإسلامية
بعد أن ظهر في مصر، انتقل تقليد المسحراتي إلى مختلف الأقطار الإسلامية، حيث أصبح لكل بلد طابعه الخاص في هذه المهنة الرمضانية:
في الدولة الفاطمية (909-1171م)، تطور دور المسحراتي في مصر، حيث كان الخليفة الفاطمي بنفسه يخرج ليوقظ الناس للسحور، ثم بدأ المسحراتي باستخدام الطبل لضمان إيقاظ النائمين، وهي العادة التي استمرت حتى اليوم.
أما في بلاد الشام، فقد عُرف المسحراتي باسم "المؤذن" أو "المُنادي"، وكان يطوف الأحياء والأزقة وهو يردد أناشيد دينية وأدعية، مستخدماً العصا الخشبية أو الطبلة.
وفي تركيا والدولة العثمانية (1299-1924م)، كان المسحراتي يؤدي دوره مرتدياً ملابس مميزة، وينشد أبياتاً من الشعر الديني، وكان بعض المسحراتيين يُعرفون بفصاحتهم في الأذكار والقصائد الرمضانية.
وفي المغرب العربي، امتاز المسحراتي هناك باستخدام الأبواق أحياناً بدلاً من الطبول، وكان يُطلق عليه "النفّار".
أما في الجزيرة العربية والخليج، كان المسحراتي يرتدي الزي التقليدي ويطرق الأبواب بعصا أو يستخدم الطبل، مردداً عبارات مثل "يا نايم وحّد الله"، وظل هذا التقليد مستمراً لعقود طويلة.
المسحراتي جزء من الهوية الرمضانية
على مر العصور، أصبح المسحراتي جزءاً لا يتجزأ من الطقوس الرمضانية، فهو ليس مجرد شخص يوقظ الناس للسحور، بل هو رمز للمحبة والتواصل الاجتماعي في الأحياء والمدن الإسلامية، حيث كان الناس ينتظرون قدومه بفرح، ويمنحونه الهدايا أو النقود في نهاية الشهر تكريماً لجهوده.
لكن مع التطور التكنولوجي وانتشار المنبهات الحديثة، بدأت مهنة المسحراتي بالاندثار في كثير من الدول الإسلامية، لكن لا تزال بعض المجتمعات تحافظ عليها كجزء من تراثها العريق، وفي بعض البلدان مثل مصر وفلسطين وسوريا واليمن، لا يزال المسحراتي يجوب الشوارع، وإن كان بأعداد أقل مما كان عليه في الماضي.
أهمية الحفاظ على تراث رمضان
يمثل المسحراتي أحد الملامح الأصيلة لشهر رمضان المبارك، حيث يجسد معاني التراحم والتواصل بين الناس، ويعيد إلى الأذهان الأجواء الروحانية التي عاشها المسلمون منذ قرون، ومن الضروري أن تستمر الأجيال الجديدة في الاحتفاء بهذا التقليد الإسلامي العريق، وألا يُمحى من الذاكرة، لأنه ليس مجرد مهنة، بل هو جزء من الهوية الثقافية الإسلامية التي تعكس خصوصية رمضان وتراثه الفريد.
والمسحراتي ليس مجرد ناقل لصوت الطبل في الشوارع، بل هو سفير رمضان الذي يحمل روح هذا الشهر المبارك في صوته ونداءاته، وإن إحياء هذا التراث والمحافظة عليه هو إحياء لروح الشهر الفضيل، ليبقى رمضان متفرداً بعاداته التي صنعت تاريخ الأمة الإسلامية وأضفت عليه طابعاً روحانياً خاصاً لا يُنسى.
1029 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع