لوكاشنكو يحكم بيلاروس منذ عام 1994- رويترز
الحرة - واشنطن:"آخر ديكتاتور في أوروبا" و"أطول رؤساء أوروبا خدمة".. كلمات باتت لصيقة بالرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشنكو (70 عاما)، حتى قبل إعلان فوزه بولاية سابعة، الأحد.
وربما لم يحظ لوكاشنكو بتغطية إعلامية واسعة هذه المرة، فالانتخابات الرئاسية الأخيرة مثل مثيلاتها السابقة، معروفة نتائجها مسبقا.
لكن لوكاشنكو لن ينسى على الأرجح مشاهد الاحتجاجات الواسعة غير المسبوقة التي شهدها نظامه عام 2020، التي مثلت ذروة حكمه الاستبدادي الطويل الممتد على مدار ثلاثة عقود.
من هو؟ وكيف صعد على سلم السلطة؟
ولد لوكاشنكو في 30 أغسطس 1954 في بلدة كوبيس بمنطقة فيتيبسك لأسرة ريفية، بحسب موقع الرئاسة البيلاروسية.
تخرج لوكاشنكو، الذي كان يتبنى الأفكار الشيوعية، من معهد موغيليوف للتدريس والأكاديمية الزراعية البيلاروسية.
وفي منتصف سبعينيات القرن العشرين، عمل مدرسا للشؤون السياسية، وقضى 5 سنوات في الجيش، ثم شغل مناصب عليا في منظمة كومسومول (منظمة الشباب الشيوعي) والمنظمات الحزبية المحلية.
وانتخب عضوا في برلمان جمهورية بيلاروس الاشتراكية السوفييتية عام 1990.
وفي البرلمان، أنشأ فصيلا أطلق عليه اسم "الشيوعيون من أجل الديمقراطية". وكان النائب الوحيد الذي عارض اتفاق ديسمبر 1991الذي أدى إلى حل الاتحاد السوفييتي.
ورغم سقوط النظام، حافظ على ارتباط وثيق بالفصائل الشيوعية المحافظة في بيلاروس المستقلة، وكان له روابط بمجموعات مماثلة في روسيا.
وفي عام 1994، قرر الترشح لمنصب الرئاسة.
وبعد سباق شارك فيه 5 مرشحين آخرين، انتُخب رئيسا في 10يوليو 1994، بعدما فاز بنسبة 80.3 في المئة من الأصوات في الجولة الثانية.
أصبح الرئيس الشاب قائدا لبلد يشهد أزمة اقتصادية كبيرة، وانحدارا حادا في مستويات المعيشة.
ولتصحيح الأوضاع، قاد حملة لإجراء تحولات اقتصادية وسياسية، وعمل على تحديث الجيش.
دوليا، قدم نفسه على أنه رئيس دولة يدافع عن نظام عالمي متعدد الأقطاب، ويعمل على حل المشكلات الدولية من خلال طاولة المفاوضات.
وخلال رئاسته، عزز العلاقات مع روسيا، ووقع عددا من الاتفاقيات التعاونية والتكاملية مع الرئيس الروسي، بوريس يلتسين، وخليفته، فلاديمير بوتين، ونجح في جعل نفسه حليفا مفيدا لروسيا وحصل منها على نفط رخيص وقروض، في حين منع بلاده التي يبلغ عدد سكانها 9 ملايين نسمة من أن تبتلعها جارتها الأكبر حجما.
عزز أيضا التعاون مع الصين "وأقام البلدان شراكة استراتيجية شاملة قائمة على الثقة والتعاون المتبادل المنفعة." وفق تعبير موقع الرئاسة.
في عام 1996، تمت الموافقة على دستور جديد منحه سلطات واسعة النطاق، بما في ذلك الحق في إطالة فترة ولايته، والحكم بالمراسيم الرئاسة، وتعيين ثلث أعضاء مجلس الشيوخ.
وفي السنوات التالية، رفض إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية، وقمع المعارضة، وقاد بيلاروس إلى العزلة عن جيرانها الأوروبيين والمجتمع الدولي.
ورغم أن فترة ولاية لوكاشنكو كان يفترض أن تنتهي عام 1999، فقد استمر في منصبه.
وبعد إعادة انتخابه عام 2001، أشرف على تمرير تعديل دستوري، عام 2004، سمح له بالسعي إلى ولاية ثالثة.، وفاز بالفعل في انتخابات أجريت عام 2006 وسط اتهامات بالتزوير.
رفضت العديد من البلدان والمنظمات نتائج الانتخابات، ومنع الاتحاد الأوروبي بعد ذلك لوكاشنكو وعددا من مسؤوليه من دخول أي من بلدانه الأعضاء.
ومع ذلك، في عام 2008، وفي محاولة لتحسين العلاقات، رفع الاتحاد الأوروبي مؤقا حظر السفر المفروض عليه، وفاز بسهولة بولاية أخرى في انتخابات عام 2010، والتي شابتها أيضا مزاعم مخالفات.
وفي انتخابات عام 2015، أعلن عن تحقيقه انتصارا ساحقا على معارضة رمزية.
ثم جاءت انتخابات عام 2020 ليكون السرد مختلفا، فبعد تعامله السيء مع جائحة كوفيد وقمع المعارضة، اشتعلت أكبر موجة من المظاهرات الشعبية في بيلاروس منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.
قالت المعارضة إن الانتخابات كانت مزورة وإن زعيمتها، سفيتلانا تيخانوفسكايا، التي ترشحت ضد لوكاشنكو بدلا من زوجها المسجون، كانت الفائز الحقيقي بالاقتراع.
وبدعم من حليفه الروسي، بوتين، قابلت السلطات البيلاروسية الحركة الاحتجاجية التي شارك فيها متظاهرون بعشرات الآلاف لأشهر عدة بقمع شديد، وأوقفت أعدادا كبيرة من المحتجين، ومارست التعذيب، والنفي القسري، واعتقلت معارضين وصحفيين.
رفض لوكاشينكو الدعوات لإجراء انتخابات جديدة، ووصف المتظاهرين بأنهم "فئران" خاضعون لسيطرة أجنبية، وأدى اليمين الدستورية لولاية سادسة في حفل غير معلن في سبتمبر 2020، بينما أُجبر زعماء المعارضة مثل تيخانوفسكايا على مغادرة البلاد.
لم تهدأ آلة القمع.
وخلال الشهور التالية، أثبت أنه رئيس لا يرحم.
في مايو 2021، أجبرت طائرة تقل لصحفي البيلاروسي المعارض، رومان بروتاسيفيتش، على تحويل مسار الهبوط إلى العاصمة البيلاروسية، مينسك، بدلا من عاصمة ليتوانيا، فيلنيوس، حيث تم اعتقاله.
ولم يكن بروتاسيفيتش شخصا عاديا، فقد تولى سابقا رئاسة تحرير شبكة "نكستا" الإعلامية التي لعبت دورا رئيسيا في موجة الاحتجاجات.
ولم توفر جائزة نوبل التي حصل عليها الناشط الحقوقي البيلاروسي، أليس بيالياتسكي، أي حصانة دولية له.
وفي مارس 2023 قضت محكمة على الناشط الذي كان يعد شخصية محورية في الحركة الديمقراطية بالسجن 10 سنوات.
وفي مواجهة هذا القمع، فرض الغرب عقوبات على بيلاروس، وفي المقابل سرع لوكاشنكو تقاربه مع الكرملين والتخلي عن بعض التوازن الذي كان يحافظ عليه في علاقته مع موسكو والغرب.
وفي انعكاس لهذا التقارب، جعل لوكاشنكو المتمسك بالسلطة، الذي حظي بدعم موسكو خلال موجة الاحتجاجات، من بلده أحد حلفاء روسيا النادرين في هجومها على أوكرانيا.
واتخذت القوات الروسية بيلاروس نقطة انطلاق لهجوم أولي على كييف في أوائل عام 2022، لكن لوكاشنكو قاوم ضغوط موسكو لإرسال قوات بيلاروسية للانضمام إلى المعركة.
ونشرت موسكو أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروس، في صيف عام 2023، وهو ما مثل تهديدا لكييف وأعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذين يتشاركون حدودا مع بيلاروس.
وفي ديسمبر 2022، زار بوتين العاصمة البيلاروسية لأول مرة منذ عام 2019، وهناك، أشاد الاثنان بالعلاقات الوثيقة، وأعلن الرئيس الزائر عن اتفاق لتعزيز تعاونهما في "كل الميادين"، لاسيما في قطاع الدفاع.
وفي انتخابات 2025، خرج الرئيس بإعلان انتصاره رغم شبهات التزوير المعتادة.
وعند إدلائه بصوته في انتخابات، الأحد، قال لوكاشنكو بعد 31 عاما في الحكم: "لدينا ديمقراطية قاسية في بيلاروس".
واعترف بأن الأشخاص الذين شاركوا في احتجاجات 2020، مُنعوا منذ ذلك الحين من وظائف معينة. وقال إنهم هم من صنعوا مصيرهم.
وأضاف: "اختار البعض السجن، واختار البعض الآخر المنفى. لم نطرد أحداً من البلاد".
وعلى النقيض من انتخابات عام 2020، عندما سُمح لتيخانوفسكايا بالترشح وأعلنت فوزها، كانت انتخابات، الأحد، مروضة إلى حد كبير، ولم يشارك فيها سوى المرشحين الموالين للرئيس.
لكن في حين يتلذذ بالسخرية من الغرب، وإظهار ولائه لموسكو، أشار لوكاشنكو في الأشهر الأخيرة إلى رغبته في تحسين العلاقات الباردة مع العواصم الغربية من خلال إطلاق سراح سجناء سياسيين.
وأفرج بالفعل عن أكثر من 250 شخصا أدينوا بالنشاط "المتطرف"، وهو مصطلح يستخدم هناك لوصف منتقدي الرئيس.
البعض فسر الرسالة على أنها أنه خطوة لبدء إصلاح العلاقات مع الغرب، ومحاولة لاستعادة شرعيته وحمل الدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة على إعادة سفرائها إلى مينسك.
وفي مؤتمر صحفي في العاصمة، الأحد، نفى لوكاشينكو أنه أطلق سراح السجناء لكسب الود في الخارج، قائلا: "لا أكترث بالغرب".
وكان لافتا أن القرار لم يشمل أبرز معارضيه.
1027 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع