أول القافزين من المركب الإيراني
ارتخاء قبضة إيران على كل من لبنان وسوريا يخرج إلى العلن المواقف المضادة لسياسات طهران في العراق من داخل العائلة السياسية الشيعية المعروفة إجمالا بتوافقها مع تلك السياسات، مع وجود استثناءات كان أصحابها يلجأون إلى المواربة والتكتّم لتجنّب ضغوط حلفاء إيران المحليين ومضايقاتهم، ويبدو أن بوادر الضعف الإيراني باتت تشجعهم على المجاهرة بحقيقة مواقفهم.
العرب/بغداد- شجّعت حالة الضعف التي بدت عليها إيران من خلال عجزها عن إنقاذ اثنين من أبرز حلفائها في المنطقة، هما نظام آل الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان، قوى سياسية شيعية عراقية على قطع تكتّمها على خلافاتها مع طهران وعدم توافقها مع سياساتها تجاه البلد وجواره الإقليمي، وباتت تجاهر بمواقف مضادة لتلك السياسات وتدعو بغداد إلى انتهاج نهج سيادي مستقل عن دائرة التأثيرات الإيرانية في التعاطي مع يجري في المنطقة من متغيرات لاسيما على الساحة السورية.
وقطع رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي خطوة علنية باتجاه الخروج عن خطّ السياسة الإيرانية ومخالفة موقف طهران مما حدث في سوريا وذلك بإطلاقه مبادرة تصبّ محصّلتها النهائية في دعم الحكومة الجديدة التي حلت محلّ نظام بشار الأسد ومساعدتها على الاستقرار في السلطة وتأمين المرحلة الانتقالية بهدوء وأمان.
ويعتبر العبادي الذي قاد الحكومة العراقية في مرحلة حرجة امتدت بين سنتي 2014 و2018 ودارت خلالها الحرب الدامية ضد تنظيم داعش، أحد أقطاب العائلة السياسية الشيعية العراقية إذ أنّه متحدّر سياسيا عن حزب الدعوة الإسلامية ذي الصلات المتينة بطهران طائفيا وأيديولوجيّا.
لكنّ ذلك لم يمنع نشوب خلافات بينه وبين أقطاب أخرى من العائلة ذاتها ما جعله عرضة لغضب قادة كبار في الأحزاب والفصائل الشيعية المسلحة والمدعومة من إيران.
وكان العبادي يأمل في استثمار قيادته الموفّقة للحرب ضدّ داعش وتحقيق النصر العسكري عليه في تجديد ولايته على رأس الحكومة لكن فتور الموقف الإيراني منه حال دون ذلك حيث وقع الاختيار على حليف أكثر موثوقية لطهران هو عادل عبدالمهدي الذي تسلّم المنصب لكنّه لم يعمّر فيه طويلا حيث عجّلت انتفاضة أكتوبر الشعبية لسنة 2019 بسقوط حكومته.
وواجه العبادي خلال سنوات رئاسته للحكومة العراقية تهما من قبل حلفاء إيران المحليين بمعاداة ميليشيات الحشد الشعبي من خلال اعتراضه على مشاركتها في الحرب ضد داعش داخل بعض المناطق السنية، وتحفظه لاحقا على إدماج تلك الميليشيات ضمن القوات النظامية وميله إلى حلّها بعد انتهاء مهمتها الأصلية في قتال التنظيم المتشدّد.
لكنّ المأخذ الرئيسي لإيران على العبادي كان يتمثّل في ما اعتبرته طهران آنذاك تجاوبه الضمني مع العقوبات الأميركية المفروضة عليها وتجنّبه المجاهرة بموقف رسمي حكومي برفض الالتزام بها وتطبيقها.
ويشارك ائتلاف النصر الذي شكّله العبادي ليكون وعاءه السياسي المستقلّ عن حزب الدعوة وعن ائتلاف دولة القانون بقيادرة رئيس الحزب نفسه نوري المالكي، في الإطار التنسيقي وهو بمثابة تحالف للقوى الشيعية المشكّلة للحكومة العراقية الحالية بقيادة محمد شياع السوداني.
وفقد الإطار الكثير من وحدته الداخلية بسبب عدم التجانس بين القوى المشكلة له والتي انقسمت بين معسكر مضاد للسوداني ويعمل على إسقاطه قبل استكمال ولايته ويعتبر المالكي من أبرز رموزه، وآخر مساند لرئيس الوزراء وداعم لتجديد ولايته على رأس الحكومة إثر الانتخابات البرلمانية القادمة ومن أبرز أعضائه حيدر العبادي.
وعكس الموقف من الحدث السوري ذلك الانقسام حيث مالت حكومة السوداني إلى صياغة موقف معتدل من التغيير الذي آلت السلطة بموجبه إلى أحمد الشرع زعيم هيئة تحرير الشام، معتبرة ذلك شأنا داخليا سوريا ينبغي القبول به والتعامل معه بما يخدم الاستقرار في سوريا ويسهّل عبورها المرحلة الانتقالية، في حين لا تزال أحزاب وفصائل شيعية عراقية تلتزم تبني الموقف الإيراني الذي يعتبر الهيئة تنظيما إرهابيا.
ومثلت مبادرة العبادي خطوة عملية في اتّجاه تأييد موقف حكومة السوداني وتجسيده في تعاملها مع الوضع المستجدّ في سوريا.
وأطلق ائتلاف النصر على مبادرته تسمية “مبادرة الرافدين” وحدّد هدفها بدعم سوريا في المجالات الإنسانية والسياسية ومساندة شعبها في ظل الأوضاع الراهنة.
وقال الائتلاف في بيان إن المبادرة تشمل شقين رئيسيين أوّلهما إنساني لتقديم الدعم الإغاثي لسوريا، وثانيهما سياسي لدعم التحوّل الديمقراطي في البلاد.
وأوضح أن المبادرة الإنسانية تشمل “مبادرة الرافدين الإغاثية” التي تتضمّن إرسال شحنات من المواد الأساسية إلى الشعب السوري بما في ذلك شحنات من وقود التدفئة وشحنات من الأدوية وشحنات من المواد الغذائية الأساسية.
أمّا الشقّ السياسي في المبادرة فيستهدف بحسب البيان ذاته وضع إطار سياسي واقتصادي يدعم التحوّل الديمقراطي السلمي في سوريا ويعزز وحدة واستقرار الدولة السورية، مبينا أن “مبادرة الرافدين السياسية” ترمي إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة عبر التعاون مع دول الجوار العراقي، إضافة إلى مصر والإمارات.
واعتبر البيان أن العراق بموقعه وأهميته يجب أن يتخذ مبادرة إيجابية للتفاعل مع الأحداث الإقليمية، مشيرا إلى أن “اللامبالاة تشكل موقفا سلبيا قد تملؤه قوى أخرى،” ومؤكّدا أن المبادرة تأتي ضمن التزامات العراق تجاه دول المنطقة، ووفقا لقيمه الإنسانية والتعاون المشترك.
كما أبرز البيان دور المبادرات الإيجابية في بناء السلام وتعزيز التفاهم بين الشعوب وقطع الطريق أمام الأجندات المغرضة، فضلا عن إسهامها في تعزيز مكانة العراق الإقليمية والدولية كمركز فاعل لتحقيق الاستقرار والسلام.
وبدا لافتا في بيان ائتلاف العبادي عدم إشارته بالإسم إلى إيران ضمن دول الجوار السوري التي دعا إلى مشاركتها في مسار إقرار الاستقرار في سوريا، الأمر الذي يكشف دون مواربة عن الموقف السلبي لرئيس الوزراء العراقي الأسبق من طهران وعدم احتسابها ضمن القوى التي يمكن أن تشكّل عامل استقرار في المنطقة.
820 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع