عودة الحياة إلى أسواق حلب... والمعارضة تشغّل الخدمات


العربي الجديد:طفت مشكلة نقص المياه وأزمة الخبز بمدينة حلب على سطح معاناة السكان، في حين ساد الأمن والهدوء وعادت مراكز ومستودعات توزيع المنتجات للمحال عملها وحركة الأسواق إلى طبيعتها تباعاً، وسط آمال بتحسن المعيشة، لا يعكرها سوى عودة قوات نظام بشار الأسد للقصف عبر الطائرات انتقاماً لهزيمتهم وانسحابهم من حلب وريفها الغربي قبل أيام.

وتحاول حكومة الإنقاذ في المعارضة السوريّة، سد الفراغ الحاصل بالقطاعات الاقتصادية والخدمية بمدينة حلب، بعد تحريرها، خلال عملية "ردع العدوان" قبل خمسة أيام وخروج المدينة وريفها الغربي، عن سيطرة قوات نظام بشار الأسد والمليشيات الإيرانية.

وتؤكد مصادر لـ"العربي الجديد" أن "إدارة العمليات" خاطبت الموظفين والعاملين في القطاعات الخدمية بمدينة حلب، بالعودة إلى أعمالهم طالبة المعونة من المتخصصين بجميع القطاعات في تشغيل المنشآت الإنتاجية والخدمية، خاصة بقطاعات الكهرباء والماء.

واقع الأسواق والمعيشة في حلب
ميدانياً وحول واقع الأسواق والمعيشة، يكشف المواطن محمد سويد من حي الكلاسة في حلب لـ"العربي الجديد" أن السلع والمنتجات اليومية متوفرة كما السابق بل بأسعار أقل نتيجة زيادة العرض.
ويتابع: بعد إغلاق المحال ليومين ووجود المنتجات بالمخازن تم العودة للعمل والتوزيع، ما زاد من العرض، خاصة بعد رفد مدينة حلب بالسلع والمنتجات الاستهلاكية من ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب، مؤكداً وفرة الخبز الذي يأتي جله من إدلب، قبل بدء تشغيل بعض الأفران، أول من أمس الاثنين.
ويضيف سويد خلال اتصال هاتفي أن الأيام السابقة شهدت إغلاقات في محال الجملة التي تزود متاجر التجزئة بالمنتجات في مناطق الفرقان وباب جنين على سبيل المثال، ولكن عاودت معظم المحال عملها وتوزيع المنتجات، خاصة في شارع "جسر السنديانة" بمنطقة الكلاسة.
في المقابل، قالت المتقاعدة السورية أمل العلي من حي بستان القصر بحلب، إن "معظم المحال والمطاعم عاودت العمل والمبيع، ولكن لم تزل المخاوف تلف بعض أحياء حلب، خاصة بعد عودة طيران نظام الأسد قصف بعض أحياء حلب بما فيها أحياء السليمانية والعزيزية ذات الأغلبية المسيحية بعد قصف مشفى الجامعة ومدرجها".
وتلفت المتقاعدة السورية خلال اتصال مع "العربي الجديد" إلى أن "القوة الشرائية للسكان ضعيفة جداً ويكتفي معظم السكان بالضروري اليوم، مؤكدة ما قيل عن المخاوف وتخزين بعض المنتجات، أيام الخميس والجمعة الماضيين، ولكن لم يؤثر على الوفرة لأنها كانت بكميات محدودة بسبب عدم توفر سيولة لدى الشعب."
وحول أسعار سعر الصرف تضيف السيدة السورية أن السعر الرسمي "على الشاشة" 15 ألف و200 ليرة للدولار، ولكن السعر بالسوق تعدى 17 ألف ليرة سورية للدولار الواحد. وربما تتراجع أسعار الليرة السورية، بواقع ما يقال عن بدء استخدام الليرة التركية كما إدلب بالتعاملات اليومية، وقبول التعامل بالليرة السورية مؤقتاً".

نقص المياه والخبز
من جهته، يقول العامل السابق بمنشأة غزل بمنطقة الليرمون الصناعية، عبد المنعم راجي، إن مسألة الخبز أفضل من ذي قبل، إذ يتم توزيع كميات مجاناً "ربطة واحدة لكل شخص يقف في الطابور" وهذا بعد أن جالت سيارات مغلقة، يومي الجمعة والسبت، بالأحياء وتنادي "من يحتاج خبز؟"، ولكن بعض المنتجات الغذائية نفدت أو قلّ طرحها بالأسواق "أرز، سكر، زيت قهوة" في حين أن أسعار الخضر والفواكه تراجع عن السعر السابق، قبل تحرير المدينة.
ولكن، يضيف راجي الذي يسكن في منطقة صلاح الدين بحلب، لـ"العربي الجديد" أن مشكلة المياه هي أكثر ما يعانيه سكان المدينة، فالمياه قليلة ومقطوعة عن الصنابير منذ يوم الجمعة، كما أن المياه في المحال قليلة جداً.
ويكشف راجي أن الذين غادروا المدينة يومي الخميس والجمعة "معظمهم من أصحاب الأموال والأعمال" لذا ترى كثيراً من المحال وحتى الشركات الإنتاجية مغلقة "كانوا مؤيدين للنظام" لكن معظم مراكز توزيع الجملة عادت للتوزيع وبدأت السلع والاحتياجات اليومية تتوفر بالأسواق.
وحول تسليم المناطق المحررة لإدارات مدنية، تكشف مصادر من حكومة الإنقاذ لـ"العربي الجديد" أنه بدأت منذ أمس الثلاثاء عمليات بحث تسليم المدن والأحياء و"المصالح الخدمية والاقتصادية" لإدارات مدنية، بالاعتماد على أبناء المناطق وبعض العاملين السابقين في المواقع والمؤسسات.
وأشارت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن التواصل مستمر بين حكومة الإنقاذ والفعاليات بحلب، لتشغيل المنشآت "بسرعة" وأن تؤكد للجميع صون حقوقهم وحرياتهم وحفظ ممتلكاتهم من أي تعد، وتم رفع لافتات في الشوارع باسم رئيس حكومة الإنقاذ والوزراء لتأكيد الحريات وصون الحقوق.
ويقول وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المعارضة "تابعة للائتلاف"، عبد الحكيم المصري، إنه لم يتم البت بعد بمسائل الإدارة وتبعية المؤسسات، بعض المناطق حررها الجيش الوطني وبعضها حررتها فصائل الهيئة مضيفاً: "اجتمعنا أمس وبحثنا الموضوع".
وأكد وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المعارضة خلال اتصال مع "العربي الجديد" أن الأمر سابق لأوانه بواقع استمرار التحرير والعمليات القتالية "وإن طلب إلينا أية مهام فنحن جاهزون".
وتعتبر مدينة حلب، عاصمة سورية الاقتصادية وأكثر المدن إنتاجاً وتصديراً، ما يعني، أنها قد تتحول إلى رافد للمنتجات والسلع الصناعية والزراعية، إلى باقي المناطق المحررة، وتعيد "مجد الصادرات السورية" بعد تشغيل المنشآت أو عودة رجال الأعمال والمستثمرين، ولكن بشرط تحقيق الأمن ووقف قصف طيران الأسد للمنطقة، بحسب محللي الاقتصاد.
الاعتماد على الكفاءات
يرى المحلل الاقتصادي عبد الناصر الجاسم أن الوضع الاقتصادي والخدمي بمحافظة حلب كلها، وليس بالمدينة فقط، مرتبط بما ستؤول إليه الأمور والتفاهمات السياسية، معتقداً أن هناك مؤهلات وطاقات بشرية وخبرات قادرة على "قيادة الدفة" بالاعتماد على الكفاءات بالمحافظة والتنسيق مع الإدارة المدنية وكوادرها، فيما لو لم يحدث أي تبدل أو طارئ.
ولكن، يستدرك الجاسم المنحدر من ريف حلب، إن استمر نظام الأسد في القصف، كما رأينا أمس وأول من أمس، فلا شك سيؤثر ذلك على تشغيل المنشآت والخدمات، الأمر الذي يرهق إدارة العمليات التي تحاول سد احتياجات مدينة حلب من الريف الغربي ومحافظة إدلب وربما يتم سد الاحتياجات من ولاية غازي عنتاب التركية القريبة من حلب بعد فتح الطريق.
ويضيف الجاسم لـ"العربي الجديد" أن أعداداً كبيرة من سكان حلب المقدرين بنحو 4.8 ملايين سوري غادروا بالتزامن مع تحريرها يوم الجمعة الماضي، باتجاه مناطق سيطرة النظام، إن لمدينتي حماة وحمص وسط سورية، أو إلى العاصمة دمشق، الأمر الذي يخفف من الاستهلاك والضغط على طلب الخدمات "نوعاً ما"، مشيراً إلى "عودة العمل التجاري بأحياء صلاح الدين والفرقان والأعظمية، وحتى المناطق التي تعرضت لقصف أمس لتلبي احتياجات السكان خلال الأعياد، ومعظم سكان أحياء العزيزية والسليمانية من الإخوة المسيحيين الذين يحتفلون اليوم الأربعاء بعيد البربارة ويتحضرون لأعياد الميلاد ورأس السنة."

تهاوي الليرة السورية
انعكس نزوح أعداد كبيرة، من محافظة حلب، باتجاه العاصمة دمشق، بشكل خاص، على سعر صرف الليرة التي هوت إلى نحو 17 ألف ليرة في السوق السوداء مقابل الدولار في حين لم يزد صرف الدولار عن 15 ألف ليرة الأسبوع الماضي.
ولم يعترف النظام، خلال النشرة اليومية، إلا بالتراجع إلى نحو 300 ليرة، من 14700 ليرة مقابل الدولار الخميس الفائت، إلى 15 ألف ليرة أمس.
ويرى مختصون أن المخاوف والعامل النفسي الذي لفّ المكتنزين والمدخرين، هو السبب الأهم بتراجع سعر الصرف، فضبابية المشهد العام بسورية زاد من الهروب إلى العملات الأجنبية، ما زاد الطلب على الدولار.
في حين رأى آخرون أن بدء التعامل بالليرة التركية والدولار، في المناطق المحررة، زاد من طرح الليرة السورية في أسواق العاصمة ومناطق سيطرة النظام، ما أثر سلباً على الطلب فتراجع سعر الصرف.
ولكن، يتفق الاقتصاديون بسورية أن سعر الصرف مثبت سياسياً، وبقرار إقليمي ودولي يتناسب مع حرص الدول على عدم سقوط نظام الأسد، لأن عوامل قوة النقد واستقراره، مفقودة بسورية التي تعيش حرباً واستنزافاً للموارد منذ عام 2011، كالاحتياطي النقدي الذي تبدد، بعد أن بلغ 18 مليار دولار مطلع الثورة وشبه تلاشي عائدات السياحة، اللذين يضافان إلى عجز الميزان التجاري وزيادة المستوردات بعد تهديم البنى والهياكل الإنتاجية بسورية.
ولم يبتعد الذهب عن تداعيات الأحداث على الأرض، باعتباره ملاذاً آمناً للهروب من الليرة المتهاوية، فسجل المعدن الأصفر أعلى سعر في سورية أمس، حين بلغ سعر غرام الذهب عيار 18 قيراطاً نحو مليون و7 آلاف ليرة، وقفز سعر الغرام عيار 21 قيراطاً "الأكثر تداولاً بسورية" إلى مليون و174 ألف ليرة وسجلت أونصة الذهب الثلاثاء بدمشق، 2647.84 دولاراً.

غلاء في دمشق
وأثر تدفق النازحين من حلب إلى العاصمة السورية على زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية وإيجار المنازل، بحسب مصادر من دمشق. ما دفع التجار بحسب مصادر إعلامية أمس "لاستغلال الأزمة الراهنة في محافظة حلب"، ولجأ بعضهم إلى رفع الأسعار بشكل كبير، فيما احتكر آخرون سلعاً أساسية مثل الزيت والأرز. وفي هذا السياق، أطلقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحكومة بشار الأسد تحذيرات للمحتكرين وأكدت ملاحقة المخالفين وقمع حالات الاحتكار لضمان استقرار الأسواق ومنع الاستغلال. وزاد سعر ليتر الزيت ألف ليرة أو أكثر في بعض الحالات، في حين سجل سعر كيلو الأرز المصري 13500 ليرة، والأرز بسمتي 30 ألف ليرة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1205 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع