أشهر معامل بغداد للخياطة تتحول إلى مخازن للبضائع

    

وكالات:بحثنا عن حسين "أبو الملابس" كما هو معروف بهذا الاسم في شارع النهر أخذ منا الوقت الطويل، لأنه صاحب أقدم معامل الخياطة في هذا الشارع الذي كان قبل سنوات يُعد احد اهم واكبر الاسواق في بغداد والعراق لبيع الملابس الجاهزة التي تصنع بأيدٍ عراقية وكان المكان يمتلىء بمعامل الخياطة التي كانت منتوجاتها تباع بالمكان نفسه,

و كما يقول حسين بعد ان وجدناه وقد حوَّل مكان معمله الى محل لبيع الملابس المستوردة" تدهورت هذه المهنة منذ بداية التسعينات بسبب الإهمال الذي عاناه هذا القطاع من ضعف في الدعم وسوء في الانتاج بالنسبة لمعامل النسيج التي كانت تمدنا بالاقمشة وبروز ظاهرة الفساد الاداري والرشا التي أسس لها رجال النظام السابق وارتفاع الضرائب والرسوم والتكاليف الاخرى التي تلحق بهذه المهنة .

آثـار الحروب يضيف أبو الملابس أن زج الشباب والأيدي العاملة في الحروب أفرغت تلك المعامل الكثيرة من خبراتها ودخل الى هذه المهنة طارؤون بسبب ذلك الفراغ ، وأوضح حسين" على الرغم من ذلك كنا ندور العجلة واستطعنا ان نبقي على الإنتاج برغم المعوقات ولكن الكارثة الكبرى حدثت بعد 2003 بعد التدهور الأمني وفتح الحدود امام البضائع الاجنبية ودخول المستورد الرخيص غير الخاضع للرقابة!
ولحق بركب حسين الكثير من اصحاب معامل الخياطة التي كانت تعج بالعمال وبأصوات المكائن الساهرة مع عمالها الى الصباح بسبب طلبيات العمل التي لا تتوقف .

الهجرة الى الخارج

اليوم قد أغلق محمد هادي معمله الذي كان فيه اربعون عاملا و العشرات من مكائن الخياطة حيث يقول "لم نكن نملك الوقت للأكل وكنا نعمل كأسرة واحدة مع العمال وكان لديهم حرص كبير على المعمل وعلى انتاجنا لاننا في مركب واحد وكان انتاجنا نراه ونحن مسرورون يُباع في السوق ونشاهد الناس تشتريه وتلبسه, وبعد دخولنا في دوامة المستورد هرب العمال الى اعمال اخرى والى البحث عن اللجوء في الدول الاوروبية بسبب توقف العمل واضطر الكثير الى تغيير المهنة بسبب ان لديهم عوائل يعيلونها وبعضهم من لا يزال يأتي الى المكان القديم الذي كان فيه المعمل متباكياً على الأطلال"!
ويضيف محمد أني ايضا قمت ببيع المكائن لتراكم الديون وحولت المكان الى مخزن لبيع الملابس التي كانت السبب في قطع رزقي ورزق العشرات من عمالي ولكن هذا هو ما مطلوب في السوق، فالزبائن تريد الملابس الصينية والتركية ونحن ركنا على الرف مع سنوات عملنا الطويلة.

  

غياب الدعم لمنتوجنا
ويوضح محمد: على الحكومة ان توفر الدعم للصناعات الوطنية لان المواطن العراقي اصبح مستهلكاً بعد ان كان مصنعاً يعتمد بالدرجة الاولى على الصناعات المحلية في السنوات الماضية نظراً لما كان يعيشه من حصار اقتصادي دفعه الى سياسة الاكتفاء الذاتي بالنسبة للملابس مع اعتماده على نسبة ضئيلة من الالبسة المستوردة التي كانت تباع باسعار غالية جدا , واضاف: الى اهمية ان تكون هناك موازنة في دخول البضائع الاجنبية ودعم الصناعة الوطنية حتى نخلق روح المنافسة وليس أن يبقى المواطن العراقي يعتمد على المستورد فقط كما حاصل الآن او ان يبقى يلبس من المحلي فقط كما في السابق.

الكهرباء أحـد الأسباب
وفي معمل آخر أُغلق لأسباب قال عنها مؤيد لطيف صاحب المعمل "كيف اعمل في ظل بضاعة مستوردة قادمة من دولة بعيدة كالصين مثلا وتتحمل تكاليف نقل وشحن ووسطاء وتباع بأسعار ارخص بكثير مما انتجه بمعملي وأنا أتكبـد معوقات العمل من سوء الكهرباء وتكاليف وقود المولدات وتصليحها والمواد الاولية تكلفنا كثيرا في النقل هذا بالاضافة الى ارتفاع الاسعار بشكل عام والعامل يريد رفع أجوره حتى اصبحت اجورهم قريبة من رواتب موظفي الدولة ,ويضاف اليها ما تعرضنا له من توقف بالعمل لمرات عـدة بسبب أعمال العنف، فبالطبع اُغلق المعمل لهذه الاسباب ,وأكد مؤيد أنه لا يمكن مقارنة ما دخل من بضائع الى العراق مع انتاجنا المحلي الأكثر جودة والذي يبقى لفترة اكبر ووضع لمساته اكثر العمال خبرة .

الهروب إلى مهن أخرى
سعد أحد العاملين السابقين في معامل الخياطة توقف مستمعاً الى الحديث فقال " ان مهنة الخياطة اصبحت لا تسد حاجة من يعمل بها لذلك تركت هذه المهنة التي احببتها، بعد ان غادرتنا تطوعت في صفوف الجيش إذ توقفت مهنة الخياطة بشكل شبه تام بسبب دخول الالبسة المستوردة حيث ان أكثر الخياطين الذين كانوا يعملون في معامل الخياطة لجأوا الى مهن اخرى او عملوا في وظائف حكومية والتي يرون فيها ضماناً لهم اكثر من المهن الحرة بعدما شهدت الاسواق المحلية دخول البضائع المستوردة من دون ضوابط تدعم المنتوج المحلي, وطالب سعد الجهات الحكومية بالتدخل لإنقاذ هذه المهنة وتوفير الدعم اللازم لأصحابها.

  


انتكاسة تحت سطوة المستورد
عامل آخر سابق كان في مجال الخياطة والآن يعمل في بيع العطور وهو علي لفتة يقول" كنت أعمل في الخياطة منذ اكثر من 20عاماً ولكن تعرضت هذه المهنة للانتكاسة ، اذ يضيف " بدأت مهنة الخياطة وخلال السنوات القليلة الماضية تتعرض للكثير من الصعوبات بحيث فقدت روادها يوماً بعد آخر ولجأ العديد من المواطنين الى المستورد، وتابع علي قائلا: اضافة الى هذه الصعوبات هناك صعوبات اخرى اثرت على مهنة الخياطة وهي كثرة البطالة وعدم وجود فرص العمل وهذا الأمر دفع بأغلب المواطنين لاسيما الشباب الى الالبسة الجاهزة التي تمتاز برخص اسعارها.
ويشير علي الى ان تكاليف الانتاج اصبحت هي الاخرى سبباً في تدهور مهنة الخياطة، اذ ان تكاليف انتاج الملابس في معامل الخياطة اصبحت لا توازي اسعار بيع تلك الملابس فبدءاً من شراء الاقمشة ومستلزمات خياطتها واجور العمال ومن ثم عرضها في الاسواق تكون التكاليف عالية جداً بحيث ان ما تحققه من ارباح لا يساوي جهود الخياطين واحياناً تكون هناك خسائر، ودعا (علي) الجهات ذات العلاقة بدعم المنتوج المحلي وانقاذ السلع المحلية من شبح المستورد حسب وصفه.


معامل ما زالت في الخدمة
بعد البحث عن معمل للخياطة ما زال في العمل ولم يغلق ابوابه وجدنا معمل خياطة (ابو حنان) في عمارة الخيام, يحيط به مجموعة على ما يبدو من المعامل ولكنها مغلقة برغم ان هذه المنطقة قد لجأ اليها الكثير من اصحاب المعامل بسبب انها ظلت ولفترة طويلة لا ينقطع عنها التيار الكهربائي وكان صاحب المعمل محمد جاسم في العقد السادس من عمره وعامله الوحيد حسين مؤيد قد قضوا ليلتهما في المكان نفسه لأن لديهما عملا يجب ان يتم إنجازه.
سألنا صاحب المكان" يبدو ان لديكم عملا بخلاف بقية المعامل التي اُغلقت أبوابها؟" فردَّ محمد بالقول: لدينا طلبية ملابس لأحد المؤسسات الحكومية نقوم بخياطتها ,واستأنف كلامه" ولكن من دون فائدة كبيرة وذلك لان مثل هكذا طلبية تخرج على شكل عقد من احد الدوائر الحكومية وتذهب الى احد الاشخاص ومن ثم هذا الشخص يبيعه الى آخر ولآخر حتى تصل الينا وقد قلَّ الأجر الذي نحصل عليه".
واوضح محمد جاسم "انا متأكد ان هذه الطلبية تخرج للشخص الاول الذي يستلمها من الدائرة المسؤولة عن اعطاء العقود لخياطة هذه الملابس لا تقل عن 25 دولاراً للقطعة الواحد ولكن بعد ان تباع من شخص لآخر تصل لنا بـ3500 دينار فقط ,اي يعطونا مقابل القطعة الواحدة التي ننجزها 3500 دينار .

  


(الكَرسته والعمل)
مضيفاً : أن مثل هكذا طلبيات نسميها نحن (بالكرسته والعمل) اي نحن نستلم القماش فقط والباقي نحن نقوم به فنقوم بخياطة القميص ونضع البطانة والإسفنج وهذا يكلف على الاقل 10 آلاف دينار ولكن نحن مرغمين على قبول العمل لان ليس هناك غيره لانه اذا رفضناه فمعناه اننا لن نعمل ابداً.
واشار محمد الى ان هذه الطلبية وهي 7 آلاف قطعة يحددونا بوقت فيجب ان ينتهي العمل بها وتكون جاهزة خلال 3 اشهر لذلك نقوم بتوزيع العمل على اصحابنا من المعامل الاخرى ونتصل بالعمال البقية الذين يعملون اعمالا أخرى او منهم من يجلس بالبيت وينتظر ان نتصل به ,ونخبرهم بأن لدينا طلبية عمل حتى نستطيع ان ننهي العمل في الوقت المحدد .


نقابة النسيج والجلود
محمد يقول: ان هذا العمل جيد ولكن لو قامت الدولة بأعطائنا العقد بشكل مباشر او عن طريق النقابة (نقابة النسيج والجلود) يكون الوضع افضل من ان تعطى هذه العقود الى اشخاص غير ذوي الخبرة ولا حتى قريبين من المهنة ولكن بسبب العلاقات الشخصية والقرابة مع المسؤول فيعطي لهم العقد على قاعدة (الأقربون أولى بالمعروف). ومحمد جاسم يعمل في الخياطة منذ اكثر من 35 سنة حيث يتحدث عن ذكريات العمل القديم : في السابق كان العمل كثيرا والأجور مجزية وكنا نأخذ عقودا من الدولة لخياطة الزي الموحد للمدارس وللجامعات وعمل البدلات العسكرية وخياطة ملابس حراس الشرف وملابس الكلية العسكرية وكلية الشرطة وكانت الدولة تدعم معامل الخياطة بالقروض وبتقديم حصة اقمشة حتى اصبحت الحصة كل ستة اشهر ولكن كان عملنا افضل بكثير, ويضيف: في السابق كانت تفرض على البضاعة الاجنبية رسوم كمركية لذلك لا يمكن ان تنافس المنتوج المحلي .


الأحداث في سوريا
ويعزو محمد سبب ضعف العمل واغلاق الكثير من معاملهم يرجع الى الدخول العشوائي للبضائع المستوردة وعدم وجود الكمرك بالاضافة الى توقف معامل النسيج ومما يدفعنا لجلب القماش من دبي وطبعا هذا مكلف. ويأمل أن تلتفت الدولة الى معامل الخياطة وتعطي عقوداً لخياطة ملابس الجيش والشرطة والزي الموحد للمدارس ,وشاركنا في الكلام العامل الوحيد في المكان الذي قال :كنت اعمل في سوريا خلال الفترة السابقة قبل ان اُقرر العودة بسبب الأوضاع الأمنية وكنت اعمل كمصمم ازياء للملابس النسائية ووجدت هناك كيف ان الدولة تهتم بالعامل وتعطيه ضمانات صحية برغم سوء الأحوال في سوريا وتدعم ايضا معامل الخياطة لذلك تصدر ملابسهم الى اوروبا الشرقية والدول العربية المجاورة ,واشار حسين بان الكثير من اصحاب معامل الخياطة قد انهوا عملهم في العراق واخذوا عُمالهم وذهبوا الى سوريا وفتحوا هناك معملا في سوريا يعمل بالطريقة ذاتها وبالعمال أنفسهم ولكن يأتي الى العراق كملابس سورية وهذا بسبب ان المشتري العراقي بدأ يرفض شراء المنتوج المحلي ,وهذا طبعا قبل ان يعود اكثر العراقيين مجددا بسبب الاوضاع الاخيرة في سوريا.

                  


(الليبلات ) من أجل التقليد
واشار حسين الى أن بعض الخياطين بدأوا بجلب (الليبلات) الخاصة بالملابس التي تشير الى ان هذه البضاعة تركية او صينية وهي في الاصل عراقية ولكن اذا عرف المشتري بانها عراقية فأنه لن يأخذها,واكمل كلامه بالقول: هناك معامل في بغداد تنتج مثلا الصدريات الخاصة التي ترتديها الطالبات في المدارس وفساتين وتنورات ولكن معظمها يوضع عليها (ليبل) تركي او صيني,وأكد حسين على ان منتوجنا المحلي افضل بكثير كما ان الاحجام (القوالب) التي تأتي من الصين مثلا هي ليست احجامنا فهي لا تناسبنا.

  


الناس تفضل الأجنبي
فيما تقول احدى النساء المتبضعات وهي ام احمد في شارع النهر بأني افضِّل شراء الملابس المستوردة لاننا بقينا فترة طويلة في العراق محرومين من الملابس المستوردة، وثانيا انا اراها جميلة وفيها موديلات كثيرة بالاضافة الى رخصها ، فمثلا انا لو رغبت بخياطة (جبَّة) مثلا, فيجب ان اشتري القماش وطبعا من يبيعون الاقمشة اصبح وجودهم نادراً وقلـَّت ايضا هذه المهنة والعاملون فيها, فسأشتري القماش بسعر لو فرضنا ارخص نوعية ستكلفني 10 آلاف دينار فقط القماش والخياطة لا تقل عن 30 الف فالمجموع 40 الف دينار بالمقابل ممكن ان اشتري جُبّة بـ30 الف دينار وبشكل سريع ومن دون ان اذهب للخيّاطة وانتظر كثيرا لتأخذ قياسات وتتعذر بالموعد لانقطاع الكهرباء إضافة الى أن ثمنها أغلى ,لذلك اشتري المستورد وبفرق المبلغ اشتري شيء آخر مثل (جنطة).
ويرى تمام عبد اللطيف وهو شاب في العشرينات من عمره أنه يفضل الملابس المستوردة لأنها اجمل واكثر مناسبة لما يرغب به ،كما انه لو اراد ان يذهب لخياطة بنطلون مثلا فإنه سيكلفه على الاقل 30 الف دينار ,ويقول: لماذا اُخيط بهكذا مبلغ ويوجد بنطلون اجمل وارخص بسعر 20 الف دينار وهو تركي المنشأ .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1052 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع