الفوارق الطبقية تتسع في العراق: مسؤولون يزدادون ثراءً وفقراء يتضورون جوعًا

   

       فتى عراقي أمام منزل من صفيح وخلفه بيوت فخمة في بغداد

                 

يئن الفقير العراقي من شدة العوز، بينما ينام الغني متخمَا، فتزداد الهوة الطبقية بين المسؤولين الذين ينعمون بخيرات البلد وثرواته، فيما يتساءل الفقراء عن حصتهم في نفط بلادهم.

إيلاف/ وسيم باسم/بغداد: بين مواكب سيارات مضلّلة تجتاز الطرقات باتت مشهدًا مألوفًا في الشارع العراقي، وبين متسولين يسعون إلى الاقتراب من هذه السيارات عند التقاطعات فرق كبير، يثير قلق المواطنين الذين يرون أن ثروات العراق تنحصر اليوم بيد نخب وساسة تجار ومنتفعين، من دون أن يلمس المواطن عدالة اجتماعية تسهّل له العيش الكريم.

المواطن ابو حيدر يعيش في كوخ صغير في اطراف مدينة الديوانية، ولا يمتلك أي مصدر معيشة سوى جمع القمامة لتأمين لقمة العيش لأطفاله الستة. وهو ينبّه إلى البذخ الكبير على الدعايات الانتخابية، الدال على قدرات مالية كبيرة للكتل والأحزاب، بينما هو يرزح تحت وطئة الجوع.

ولا يرى ابو حيدر، الذي لم يشارك بصوته في الانتخابات، فائدة في الانتخابات بالنسبة له فقط إلا في مخلفاتها من النفايات الورقية والبلاستيكية التي جمعها ليبيعها لمعامل التدوير، فجمع نحو اربعين دولارًا في ثلاثة أسابيع.

دعايات انتخابية لم تهتم بالفقراء

ركزت الآلاف من الدعايات الانتخابية في العراق على تحسين الخدمات ممن ماء وكهرباء، من دون أن تهتم بالفقراء والمحرومين. وبسبب ذلك، يؤكد حسين الرميثي إنه لم يصوت، "لأن لا احدًا ضمّن في برامجه الانتخابية تقديم المعونات للفقراء".

يقول الرميثي: "اعيش على عملي في مزرعة يمتلكها شخص نافذ في الدولة، يمتلك عددًا من القصور والمزارع ونحو ثلاث سيارات حديثة، في حين يبلغ راتبي الشهري جراء عملي في الحراسة والزراعة 300 دولار فقط، وأعيش في غرفة صغيرة بجانب المزرعة مع اطفالي الثلاثة".

يرى الناشط المدني جعفر حسن أن اسباب ذلك تعود إلى أن المرشحين يعرفون جيدًا أن افراد الطبقات المسحوقة لن يشاركوا في الانتخابات، بسبب عدم القناعة او عدم القدرة على الوصول إلى مراكز الاقتراع، لانشغالهم في تأمين قوتهم اليومي.

أحد اولئك سعيد فليح، الذي يعمل في معمل للاسمنت في الحي الصناعي بمدينة الحلة. يقول انه لا يستطيع ترك عمله ليوم واحد، فلو فعل ذلك تضيع عليه فرصة تأمين القوت اليومي لعائلته، وهم يحصل على ما يعادل 10 دولارات يوميًا ويعمل سبع ساعات.

قطط سمان

في الوقت الذي بدأت تظهر في المجتمع العراقي ملامح سيطرة القطط السمان على الاقتصاد، متمثلة في سياسيين رجال أعمال وتجار لهم علاقات خاصة بكبار المسؤولين، تعاني طبقة المسحوقين من ضنك العيش، إذ لا يزيد معدل دخل أفرادها الشهري على مئة دولار.

وبين الطبقتين ظهرت منذ العام 2003 طبقة الموظفين الصغار، التي استطاعت بفضل الرواتب الشهرية أن تحسن حالتها الاقتصادية، لكنها تعيش متخوفة من التضخم وارتفاع الاسعار، الذي بدأت بوادره تلوح.

يقول الموظف احمد كامل، الذي يبلغ راتبه الشهري نحو 600 دولار، إن الموظف اليوم افضل مما كان عليه قبل العام 2003، لكن المشكلة تكمن في ازدياد اعداد العاطلين، ما ينذر باضطرابات اجتماعية، خصوصصا أن معدل التضخم السنوي بلغ 1,3 بالمئة في العام 2013.

يؤكد الباحث الاقتصادي رحيم الاسدي أن الفارق الاقتصادي بين الاغنياء والفقراء اتسع بشكل كبير، وظهرت في كل مدن العراق طبقة اثرياء غنية جدًا، تمتلك الفيلات والاراضي والسيارات الفاخرة. ويتابع: "الاشكالية الاجتماعية تبدو اعمق حين ترى قصرا ضخما بجانبه كوخ صغير أو بيت من الصفيح".

ويشير الاسدي إلى اربعة بيوت ضخمة بنيت في حي المهندسين في بابل لا تتناسب فخامتها مع المحيط الفقير، حيث تنتصب اكواخ وبيوت طينية.

نظام للنخبة

في بغداد، اصبح منظر الفيلات الضخمة المعزولة، التي لا يمكن الدخول لها الا عبر بوابات كبيرة، مألوفا بعدما كان العراقيون لا يرونها الا في الافلام.

وبينما تنتشر في الكثير من الشوارع سيارات رباعية الدفع مضللة وباهظة الثمن يقودها فتيان صغار، فإن منظر العربات الخشبية وهي تحاول اجتياز الطرق امام هذه السيارات الفخمة يوضح الفوارق الاجتماعية الكبيرة.

وترى الناشطة الاجتماعية كوثر الجبوري في ما يحصل أمرصا يفيد النخبة، بما لها من امتيازات تزيد الغني غنًا والفقير فقرًا. وتقول: "في قمة الهرم، تبدأ الامتيازات عبر المنافع الاجتماعية والرواتب الضخمة للوزراء والنواب، فمتوسط دخل النائب العراقي يصل إلى ثلاثين أو أربعين ألف دولار شهريًا، مع رواتب الحماية الشخصية ومصروفات الطعام والايفادات".

ويبلغ إجمالي مخصصات رئيس الجمهورية نحو 55 مليون دينارعراقي شهريًا، أي ما يعادل 50 الف دولار. ولا يفهم الخضري سعيد هاشم كيف صدر العراق نفطًا قيمته سبعة مليارات دولار شهريًا في العام 2003، واليوم أكثر، ولا حصة له من هذه الثروة الضخمة.

يضيف: "أي تفسير لما يحدث غير مقبول، فالعدالة الاجتماعية ضحية السياسيين الذين صاروا اغنياء جراء المنافع والامتيازات التي يتمتعون بها".

ويعتقد الباحث الاقتصادي قنبر المفيدي أن إعادة توزيع ثروة بين المواطنين وإعادة استثمارها في مشاريع سكن وتوظيف، وفرض الضرائب العالية على اصحاب الثروات، والقضاء على فساد النخب السياسية والاقتصادية، كفيلة بتقليل الفوارق الطبقية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1175 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع