اكدت انتفاضة الجنوب وفي طليعتها #البصرة أن أحزاب الإسلام الشيعي قد خسرت مكانتها عند الشعب

       

صحيفة العرب:تبدو أحزاب الإسلام الشيعي في العراق هذه الأيام في عمق أزمتها في الصراع على قيادة الحكم رغم ما أصاب هذا البلد من كوارث، يقتضي ممن يمتلكون الحد الأدنى من قيم السياسة والتقاليد الأخلاقية أن يتركوا المناصب ويعتذروا لهذا الشعب عما اقترفوه بحقه من مصائب، ولمن يعتقدون أنفسهم قادة لحزب عقائدي مناضل وفق مقاساتهم أن يدعوا كوادرهم ويحدثوا مراجعة حقيقية لخيانتهم لأمانة شعاراتهم.

لكن كل ذلك لا يحصل عند هذه الأحزاب وكتلها، والسبب هو الانغماس في شهوات جمع المال الحرام؛ مال اليتامى والمساكين إلى درجة الجنون في خروج واضح على الدين والمذهب.

فأي مراقب يتوقع أن تصبح مدينة البصرة التي كانت تزهو بنخيلها وتمرها الذي يتغنى به الجميع مستوردة للتمر الإيراني الذي يغزو أسواقها، وأن ينعدم الأمن في بغداد عاصمة الرشيد التي ينكر عليها ذلك أحد زعماء الكتل الشيعية في البرلمان، ويحيل وزير خارجية العراق هذا التاريخ إلى سرجون الأكدي إلى عام 2300 قبل الميلاد حيث لم يكن هناك وجود لبغداد.

انعدام الأمن في ظل الأحزاب الإسلامية وصل إلى درجة تنفيذ عمليات القتل المنظم لنساء عراقيات ناشطات أو عاملات في مجالات الفن، بشكل أخذ يرعب المواطنين. هدف الأحزاب هو التمسك بالسلطة وحزب الدعوة المسؤول عن كل هذا الخراب ما زال يتقدم الصفوف في تنفيذ مناورات الإمساك بمنصب رئيس الوزراء، رغم ما جلبته السلطة من كوارث على سمعة هذا الحزب بين جمهوره وذلك بعرض أسماء ممن هم في صفوفه الثانية بعد الإخفاق في المراكز الأولى والتخلي عن حيدر العبادي، والذي كان يفترض أن يعتز به لأنه حقق له وللعراقيين مكسب طرد داعش بدماء الشباب، حتى لو كانت هذه النتيجة قد تمت من قبل القوات الأميركية التي دعمت الحشد الشعبي في معارك الموصل، والولايات المتحدة التي يرفعون اليوم سلاح معاداتها لأنها تعاقب طهران هي التي جاءت بمعلميهم وأدخلتهم القصر الجمهوري ببغداد، ولكن يبدو أن قصة حرب داعش استخدمت من قبل حزب الدعوة وغيره من الأحزاب لأغراض سياسية وطائفية وليست ذات اعتبار في المرحلة الحالية.

هذه الأحزاب لا تعنيها كرامات العراقيين، بقدر قلقها على مواقعها في السلطة ودرجة قرب كل منها من خزائن الثروة والمال. طغيان هذه الأحزاب الذي وصل درجة هزت جميع المنظمات الإنسانية في العالم، لم يستمر دون صيحة مدوية من هذا الشعب الذي لم يتحمل في كل تاريخه مثل هذه الإهانة، فحصلت الصدمة من عقر دار تلك الأحزاب الشيعية (البصرة والناصرية والعمارة والحلة وكربلاء) بعد ما كانت صيحات الاستغاثة قد صدرت من حناجر أبناء المحافظات الغربية (الأنبار وصلاح الدين والموصل وديالى وحزام بغداد)، ولم تكن ذات دوافع طائفية مثلما تجنّوا عليها، وإنما بسبب ما أصاب أهلها من حرمان في الحقوق.

أكدت انتفاضة الجنوب وفي طليعتها البصرة أن أحزاب الإسلام الشيعي قد خسرت مكانتها عند الشعب ولم يعد هناك مبرر لاستمرارها، فهل يحتاج أي حزب أو تكتل سياسي أكثر من أربع عشرة سنة للتجربة بعدما حصل بأهل العراق. ولكن حتى لو فكرّ بعض قادة تلك الأحزاب في تعديل مسيرتهم فإن طهران تعجبها هذه المسيرة لأنها تبقي حالة الفوضى الأمنية والخراب الاقتصادي، ويبقى العراق مشتتا ضعيفا بلا قيادة سياسية ذات إرادة مستقلة وهذا هو المطلوب.

خلال هذه الأيام التي تتم فيها طبخة الرؤساء الثلاثة يواصل الجنرال الإيراني قاسم سليماني مهماته من المنطقة الخضراء ببغداد، لا لتأدية وظيفته كمستشار عند الحكومة العراقية في حرب داعش التي انتهت، وإنما في مهمة يبدو أنه متقدم فيها على غريمه الأميركي بريت ماكغوري الذي حاول بناء حكومة بعيدة الولاء لطهران.

مهمة سليماني شاقة ومعقدة تتطلب عدم إزعاج الأطراف الشيعية بقسوة لأنهم في الواجهة وبحاجة إلى إنقاذ ماء الوجه، ولهذا تجد تصريحاتهم متناقضة وتحسب في البورصة اليومية في ما يتعلق بالمناورة في تعدد أسماء رؤساء الوزارة والبرلمان والرئاسة في مظاهر هي أقرب إلى بازار سوق النخاسة، منها إلى تقاليد العمل الديمقراطي في بيع وشراء الأصوات في فترة الانتخابات، وقد كشف للإعلام بعض خاسريها الكثير من المعلومات الفضائحية، أو ما يحصل حاليا في مرحلة تقاسم المناصب البرلمانية والحكومية.

وقد أعلنت إحدى النائبات فضيحة تصوير أوراق اقتراع انتخاب رئيس البرلمان الذي فاز بمنصبه قبل عدة أيام وطريقة تمريرها عبر الموبايل إلى عضو برلماني نافذ، ما يدلل على طغيان الأساليب غير المشروعة وغير الأخلاقية، فهل يستحق مثل هؤلاء النواب ثقة الشعب؟ بل إن هؤلاء أنصاف السياسيين أو ما يسميهم العراقيون سياسيي الصدفة مغتبطون بهذه الطريقة ونتائجها، وستتم في حالتي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وفق ما تمليه خطة قاسم سليماني، فإذا لم ينجح في الخطة ألف أي التوافق، فسينتقل إلى الخطة باء مثلما حصل في حالة رئيس مجلس النواب.

ولكن اللعبة مع الأكراد أعقد من حالة السنة الضائعين الضعفاء الباحثين عن المناصب ولا يمتلكون قضية مثلما هم الأكراد الذين لم يتفقوا على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية لتطل عدوى الخلافات برأسها من الجبل، فمسعود البارزاني لم يكن يفكر في استلاب منصب رئاسة الجمهورية من الراحل جلال الطالباني طالما كان هو متمتعا برئاسة إقليم كردستان وله شأنه في صناعة الحاكم ببغداد. ففي عام 2014 تم تمرير اسم فؤاد معصوم بانتخاب داخلي أمام منافسه بنفس الحزب، برهم صالح، باعتبار أن فؤاد معصوم كان من المقربين للطالباني الذي كان ما زال على قيد الحياة، ورافقه في مراحل ما قبل عام 2003، ولكن بعد خسارة مشروع الاستقلال بعد استفتاء 25 سبتمبر 2017 وخلع كركوك من قبضة البيشمركة في 16 أكتوبر من نفس العام، دخلت معادلات جديدة في الساحة الكردية تعطي أهمية لبغداد في تيسير شؤون الأكراد على معادلة الدستور الذي كان أم المكاسب لتقاسم الحكم بين الشيعة والأكراد.

انقسام الحزبين الكرديين الرئيسيين حول مرشح رئيس الجمهورية يحمل دلالات سلبية على الوضع الكردي، وظهور تناقضات النزعات الشخصية بصورة شبيهة للحالة الشيعية ببغداد، ما دفع مسعود البارزاني إلى إعلان أن اختيار مرشح رئيس الجمهورية يتم داخل جلسة البرلمان العراقي. ورغم مكانة برهم صالح ونسجه لعلاقات خاصة مع السياسيين في بغداد وعلاقاته الدولية، إلا أن اختلال علاقة الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود مع قيادات الأحزاب الشيعية وقسم من زعامات السنة سيؤدي إلى عدم استقرار العملية السياسية والحكومة المقبلة.

وإلى جانب موضوع انتخاب رئيس الجمهورية يوم الثالث من أكتوبر تبدو مسألة انتخاب رئيس الوزراء تحمل الكثير من التعقيد في قصتي التوافق أو الكتلة الأكبر التي يدعي كلا الائتلافين الشيعيين تمثيلها، فهل سيتم بلعها بعد موافقة قاسم سليماني على أحد الأسماء المتداولة من غير حزب الدعوة مثل عادل عبدالمهدي. وأي من الأسماء لن يكون خارج لعبة الأحزاب الشيعية في العودة إلى تقاسم المناصب وفق المحاصصة المخففة لإيهام الجمهور العراقي بأنهم غادروها في مسيرة الحفاظ على الفاسدين.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

501 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع