الشيخ محمود غريب في ذمة الله

                

       الشيخ محمود غريب عاشق العراق في ذمة الله
 
                         كتب: صديق الكاردينيا الدائم
 
                                                       
ياأيتها النفس المطمئنة أرجعي الى ربك راضيةً مرضية، فآدخلي في عبادي وآدخلي جنتي
صدق الله العظيم

بمزيد من الحزن والأسى نعت الأخبار إلينا وفاة الأستاذ الداعية والمربي الشيخ محمود غريب الذي وافته المنية أثر مرض عضال..عرفته بغداد وسائر مدن العراق واعظا ومربيا وخطيبا ومرشدا، سنوات السبعينات من القرن الماضي، حيث كان خطيبا وإماما بجامع آل بنية في الكرخ بين عامي 1974 و 1981 وكانت دروسه المتميزة تستقطب الآلاف من الرجال والنساء كبارا وصغارا، كانت أمنيته قبل أن يموت في صلالة بسلطنة عمان أن يدفن في بغداد التي أحبها وعشقها، عرفته مساجد العراق من البصرة إلى زاخو خطيبا وواعظا،  بارعاً وداعيةً واعياً ومربياً فريداً، عاش محباً للعراق وفياً لأهله دائم الدعاء للعراق وللعراقيين حتى بعد أن (أخرج) عنوة من العراق، بالقصة المعروفة، وكان يجيد الدعابة ومن دعاباته أنه كان يدعو ((اللهم إن العراق مريض بالكرم أسألك أن لا تشافيه منه)).. ولئن رحل عنا الشيخ الجليل محمود غريب فإن آثاره الطيبة خالدة لا تمحى، منهج دعوي طيب، وكتب قيمة خطها بقلمه، وترك لنا آثاراً طيبة في جيل كامل تربى على يديه في حب القرآن، وآلاف المحاضرات المسجلة ومكتبة صوتية ثمينة من الدروس المتنوعة في التفسير والسيرة النبوية يتداولها العراقيون من سبعينات القرن الماضي حتى اليوم.
أسير بحب بغداد وأهلها:
كان شيئا يبعث على السرور والإنشراح أن تقوم قناة فضائية عراقية بإستذكار فضائل الشيخ المجاهد محمود غريب على أهل بغداد وأهل العراق، من خلال نشاطه الدعوي الإسلامي الذي أدى إلى هداية وإرشاد المئات بل الآلاف من العراقيين نساء ورجالا، من خلال دروسه ومواعظه التي كان يلقيها في سبعينات القرن الماضي في جامع آل بنيّة بالكرخ، حتى صار الجامع مقصداً للافراد والعوائل من جميع أنحاء بغداد بل ومن جميع أنحاء العراق لما وهبه الله لهذا الشيخ الجليل من قدرة رائعة على الوعظ والإرشاد والإفتاء والنصيحة..
محنة الشيخ في تهمة باطلة:
ربما كان هناك من جيل الشباب من لا يتذكر قصة محنة الشيخ محمود غريب الذي أطلقت عليه تسمية (أسير بغداد) ليس لما لاقاه من عنت التعذيب على أيدي الأجهزة الأمنية آنذاك، بل لأنه أسير بحب بغداد وأهل بغداد، وأهل العراق رغم كل مالاقاه من عنت وعذاب الأجهزة التي أغضبتها وأقلقتها هذه الحشود الهائلة من الشباب والصغار والرجال والنساء التي تفد إلى جامع إبن بنية لتستمع الى الشيخ الجليل محمود غريب، وتأثر به الآلاف من العراقيين ممن كانوا آنذاك بأعمار صغيرة وتعلموا دروس القرآن وحفظ القرآن على يدي هذا الداعية المجاهد. وكانت باصات تنطلق من وإلى المسجد لإيصال المئات من الأطفال من مختلف أنحاء بغداد وعلى نفقة ميسورين أخيار ومجانا من أجل حضور دروس تحفيظ القرآن..
كان الشيخ غريب أول من  فتح باب تعليم القرآن للصغار وللنساء في المساجد، بعد أن لم تكن من قبل، ويعتبر هو صاحب أعظم حملة ايمانية في العراق منذ سبعينات القرن الماضي ,وكان ذلك في جامع آل  بنيه في منطقة العلاوي، ولكن للاسف هناك من أغاضهم تجمع الشباب في حلقات القرآن لدى الشيخ في جامع بنية، وأتهموه بالتواطؤ مع إيران وأنه ينتمي لحزب الدعوة وهي تهمة سخيفة ومضحكة، وهم يعلمون أنه أبعد ما يكون عن إيران وطائفيتها. حتى قاموا بأمر دُبِّر بليل من جهاز الامن.. واستطاع الشيخ رحمه الله الخروج من العراق عن طريق الموصل ثم الى الخارج...

ماذا يقول الشيخ في أهل العراق؟
يقول الشيخ في إبتداء حديثه: ((الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، ثم اما بعد ، سلام على أهل العراق في رخاءه ومحنته، وعلى كل تلميذ من تلاميذالقرآن يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يبعث حياً، اعرف ان في كل بلد أوفياء يُزينون شعوبهم، اما أن يخلق الله شعباً كاملاً على خلق الوفاء.. شعباً كاملا.. مليئاً بالكرم .. فهذا ما يخضع لقانون الندرة في الاخلاق)).
من هو الشيخ محمود غريب ؟
 الشيخ الجليل محمود محمد غريب، مواليد 12-11-1940، زوج لامرأة رحلت الى ربها وآثرت جواره الكريم في 28-3-2001 وقد اكرمه الله منها بمصطفى وتيسير- والحمد لله.
المسيرة العلمية للشيخ محمود غريب:
كان في صغره صانعا للمفاتيح متفرغاً لهذا العمل 17 سنة، درس خلال هذه المدة بالازهر الشريف حتى أتم الدراسات العليا وهو يعمل  صانعا للمفاتيح. وقد جعله ذلك يتحمّل الجمع بين مشقة العمل في الصنعة والدراسة وحبه للدعوة الى الله.
وكان يؤمن أن الدعوة لا بد أن تكون على علم  ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)).
لأن الله سبحانه امرنا ان نأمر بالمعروف ولم يبين لنا ما هو المعروف وان نعمل الخير (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

 بدأ الشيخ غريب حياته العلمية واتجاهه الخطابي البارع وكان الاول في دورته في الخطابة على مصر ومن أبرز اساتذته كان كل من الشيوخ: عبد العال احمد عبد العال، والامام محمد ابوزهرة، والامام محمدالغزالي، والشيخ محمد عبد الله مصطفى ناجي والشيخ منصور عويس - رضي الله عنهم اجمعين- ويرى الشيخ أنه لم يستطع ان يعطي تلاميذه ما اعطاه له اساتذته.  
بدأت حياة الشيخ في الدعوة في 17-3-1957 وكان طالبا بالثانية اعدادي بمعهد الزقازيق الديني. وحصل بفضل الله على اولوية الازهر الشريف للخطابة في 24-4-1966 على مستوى المعاهدالازهرية والبحوث الاسلامية وعلى شباب 73 دولة اسلامية يدرسون في مصر.
   
أما عن أبرز العلماء الذين تأثر بهم الشيخ غريب في الخطابة وفي الدعوة في مصر والعراق فقال:  أبرزالعلماء الذين تأثرت بهم في الخطابة الشيخ خلف السيد وكيل الازهر الشريف كان يسمحلي ان اشاركه الندوات وانا صانع مفاتيح وطالب بالقسم الاعدادي. ثم الاستاذالامام محمد الغزالي الذي رشحني للعمل في العراق واصر في اختياري لهذا العمل الكبير -رضي الله عنه- وقصة هذا الامر بينه وبين الرجل الكريم الحاج عبد الوهاب محمود جاسم البنية حفظه الله.

حكاية الشيخ محمود غريب في بغداد:

وحين سئل الشيخ غريب عن شعوره بعد أن تم عقد عمله في بغداد وهو لم يرها من قبل، وهل كان يراوده شيء للعمل الدعوي في بغداد؟ قال الشيخ محمود غريب:

يعلم الله اني رأيت العراق وجامع بنية - كما هو- في المنام وقال لي لماذا تخاف؟ انت هنا ستخدم 12 الف مسلم فسألته: هل يوجد في العراق مطاعم ((فول مدمس وفلافل)) قال لي: يوجد ((كبّة ((عرضت الرؤيا على احد شيوخي فقال: فول وفلافل و12 الف مسلم سافر يا محمود، فهي رحلة واسعة في الدعوة ضيقة في الدنيا، ولكن اقسم بالله انها كانت دنيا ودين- والحمد لله- . دخلت بغداد في 24-4-1974 وفتحنا جامع البنية 29-5-1974 وفي هذاالشهر كلفني استاذي الدكتور محمد السيد ندا استاذي بالدراسات العليا بكلية اصول الدين وكان يخطب الجمعة بالشيخ عبد القادر الجيلاني كلفني بخطبة الجمعة بالشيخ الجيلاني رضي الله عنه. كان لي درس يومي الاثنين والخميس درس الاثنين كان تفسيراً موضعياً للقرآن الكريم لان القرآن يجمع كل الطوائف في العراق، ودرس الخميس للنساء، سلام على تلميذات القران لقد بدأ بخمس من الاخوات ويوم خرجت كان جامع بنية وحده يسع الف امرأة.
يقول الشيخ الراحل: (ويحسن هنا ان اؤكد ضرورة وجود النساء في المسجد فمن يربي اولادنا على العمل الاسلامي الحركي اذا لم تربيّه أُمّه المؤمنة الفاهمة لدينها. إن احدى تلميذات القران حدثتني هذا الاسبوع عن فخرها باستشهاد ولدها في بطولات الفلوجة واعتقال اخيها وابنتها الكبيرة، سلام على تلميذات القران، وسلام على اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما فهي ام المجاهدات الصابرات. ).


الحاج رشيد الهجو: يرحمه الله
وعن من يتذكر من الرجال في تلك الفترة ؟ يقول الشيخ أشهد بالله ان رجلا واحد مثل رشيد عبد الرزاق الهجو يزن في حياتي كل رجال الدنيا، والله اعلم بما قدم لي يوم ان خطط لهروبي ولكن الله رزقني ان اعتصم به، واستغني بالله، واعيش امدح ذكرى هذا الرجل العظيم سبعاً من السنوات الخضر بينكم زرعتها وأبو الغيث ينهمر.  وبقية من الرجال لا يتكرر مثلهم في دنيا الناس، ورحم الله اخي احمد مهدي الحلي الذي جند نفسه في خدمتي.  والشاب الشيخ محمود علي الفلاحي الذي كان خلف كل نجاح لي في الدعوة، جاءني في الايام الاولى من وجودي ببغداد وقال لي: ((هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا)) قلت له: ((انك لن تستطيع معي صبرا)) قال: ((ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك امرا)) وكان كما وعد.  حفظ الله تلاميذ القرآن الدكتور فؤاد خليل العاني الذي سمعني في اخر درس القيته في 23-11-1981 عن قوله تعالى ((ان المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم انهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا.... )) ووقفت على قوله تعالى ((كانوا قليلا)) فوقف الطالب فؤاد في انفعال شديد: من اين اتيت بهذا الوقف العظيم؟ فقلت له من كتاب ((زاد المسير في علم التفسير)).
وفي العراق من فضل الله استطاع الشباب الجاد ان يحافظ على اكثر من الف شريط عندما وضعوها في صندوق كبير ووضعوها في حديقة في بيت احدالرجال حتى مضت المحنة وعادت كلمة الله الى الشعب الوفي شعب العراق العظيم.

لماذا فزعت أجهزة أمن النظام من محمود غريب؟

يقول جوابا على سؤال: كيف تعاملت معك الدولة آنذاك خاصة مع قوة انتشار الدعوة وكثرة مرتادي دروسك في جامع بن بنية؟
بعد افتتاح جامع بنية باسبوعين فزعت احدى الصحف ونشرت مقالا تحذر من جامع البنية وتجمّع الشباب فيه فخدمتني هذه الجريدة اعلاميا خدمة كبيرة. لقد كانت دورات تحفيظ القرآن الكريم في جامع البنية في العطلة الصيفية ؟ فقد كانت دارا آمنة للشباب المسلم الذي يريد خدمة القران، كانوا يخلعون ملابسهم ونغسل مدرسة التربية الاسلامية في المنصور ولو أردنا عمالا للنظافة لجاءنا الكثير، ولكن الشباب الجامعي يريد خدمة الاسلام. انها فرحة العمل الاسلامي وحماس الشباب لخدمة الاسلام الذين يملكون طاقات لا غنى للامة عنها

وعن كرم أهل القرى والأرياف يتحدث الشيخ محمود غريب:

كرم اهل القرى او مبالغتهم في الكرم كانت تجذب الجموع للعمل الاسلامي في القرى والعلماء يقولون: يسقط الطير عندما ينثر الحب،وكان لنا في كل قرية بيت أهله يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة ممااوتوا.

سلسلة كتب ياولدي!

يقول الراحل ((الحمد لله وصلت سلسلة يا ولدي لعدد من الرسائل اسأل الله ان ينفع به،هذه عقيدتك يا ولدي، هذا نبيك يا ولدي، كتاب الله يا ولدي، شريعة الله ياولدي. وسلسلة التفسير الموضوعي صدر منها: سور الواقعة ومنهجها في العقائد، حتى لا نخطى فهم القران، سلم اخلاق النبوة، تعدد الزوجات، الطلاق تحسبونه هيّنا وهوعند الله عظيم... وكتب اخرى تنتظر النور. )).


وعن شعوره بعد سقوط النظام الذي آذاه في بغداد يقول:


اقول دائما أمريكا تعرف من تصطاد وماذا تفعل بصيدها، ان العراق رأس النعامة، ان النعامة تصل الى ستين كيلو من اللحم، ورأسها نصف كيلو، ولكن رأسها يتبصر العدوعلى بُعد طويل، فتحذّر الحيوانات، فهي انذار مبكر. فجاء الثعلب واشترى رأس النعامة من الكلاب. أخذ رأس النعامة وترك لهم الجسد الكبير ينعمون به فاصبحت الغابة بدون (جهاز انذار)!!.، لقد خسر العرب والمسلمون بسقوط العراق وغزوه..


آخر كلمة  من الشيخ الراحل لأهل العراق:


سلامي على اهل العراق وسلامي على تلاميذ القرآن، ونحن على العهد نرعى الوداد.

وختاما:
نسأل الله سبحانه أن يغفر للشيخ الجليل الراحل ويرحمه يكتبه عنده في الصالحين وأن يلهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان..

  

إذاعة وتلفزيون‏



الطرب الأصيل

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

814 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع