حكايات ذاكرة صوريه للدكتور حسين الأعظمي/ الحلقة الرابعة الباب الثاني - الفصل الثالث

 

الاخوة والأخوات كتاب وقراء مجلة الگاردينيا المحترمين
تحية وتقدير

أن رئاسة تحرير مجلة الگاردينيا كان لزاما عليها أن تفي بوعدها الذي نوهنا عنه سابقا بنشر حلقات متعدده عن كتاب حكاية ذاكرة صوريه للدكتور حسين الأعظمي ،والذي كان لذاكرة الزمان والمكان دورا مهما في إعداد الكتاب ،وقد أستعان ليس بالتدوين المسبق إنما معتمدا على الصور التي أحتفظ بها منذ سنين ،وساعدته عائلته على أعادة الذكريات ،رغم قطار الزمن الذي غادر ولايعود ،لكن الذاكره مخزونة في ذهن المؤلف زميلكم الدكتور والفنان قارئ المقام العراقي الأصيل الدكتور حسين الأعظمي ،واليوم بأسمكم جميعا نقدم الحلقة (الرابعة - الباب الثاني - الفصل الثالث) ،وفقنا الله وإياكم لما فيه خيرا ....
جلال چرمگا
رئيس التحرير

  

           حكاية هذه الصورة

          مع محمد سعيد الصكار

 

تعرَّفتُ شخصياً بالاديب الشاعر والخطاط التشكيلي الكبير محمد سعيد الصكار (1) ، وصديقه الحميم السيد اسماعيل الجاسم ، في سهرة من سهرات اخي وصديقي الجديد ايضا د. كاظم عبد الامير الحمداني وفي بيته الكريم بمدينة فونتين بلو بفرنسا .. حيث لم تمضي الا اياما قليلة كنت قد تعرَّفت على الدكتور الحمداني في حفلتنا الاولى بباريس ومسرح معهد العالم العربي يوم وصولنا اليها في 13/1/1995 ، ومن هذه الايام وهذه الذكرى الجميلة التي عشت فيها مع زملائي الموسيقيين في باريس بدأت علاقتنا تتطور رويدا رويدا حتى امست علاقة نعتز بها جميعا .. وفي نفس المناسبة تعرفت على اصدقاء اعزاء اخرين منهم اخي المهندس سالم ناجي والفنان المسرحي محمد سيف (2) ..
 


وخلال هذه السنين التي تجاوزت التسعة عشر سنة من العلاقة الطيبة مع الفنان والاديب محمد سعيد الصكار ، التقينا فيها كثيرا ، سواء في باريس التي ازورها دوما ، او في عمّان التي اقيم فيها حاليا منذ زمن قارب العشر سنوات .. وفيها يكون صديقنا المشترك السيد اسماعيل الجاسم ابو حيدر ، جامعنا وجامع كل اصدقائنا الاخرين ، وعلى الاخص في سهراته الجميلة ببيته الكريم بعمان ..
في سفرتي الى باريس عام 1995 التي نحن في صددها في هذه الحلقة من حكاية هذه الصورة ، دعاني المرحوم محمد سعيد الصكار الى بيته الكريم مع فرقتي الموسيقية وبعض الاصدقاء ، وسهرنا سهرة جميلة لاتنسى ، وخلالها اخذني ليريني مكتبه الجميل حقا ، الذي يمارس فيه رسومه وخطوطه وكتابة اشعاره ، بعد ان علم بانني اهوى الخط العربي وافهمه قواعديا ، اذ كنت قد حدثته عن استاذي في الخط العربي السيد مقداد شاكر الشيخلي الذي ختمت على يديه كراسة الخطاط العظيم هاشم البغدادي وانا لم ابلغ سن الرشد بعد ..!

على كل حال ، اعجبت بالمكتب بصورة كبيرة ، في تنظيمه ومحتوياته الرائعة .. وهنا التمست منه وعلى راحته من الوقت ان يخط لي اسمي لوضعه على الباب الخارجية حيث سانزل في بيتي الجديد حال عودتي من باريس الى ارض الوطن .. وبعد ايام قليلة وصلتني منه بعض الاوراق التي خطها لي حسب طلبي نوع الخط ، وهو من الخط الديواني وخط النسخ مع توقيعه عليها وتاريخ خطها لذكرى هذه الايام وهذه العلاقة الاخوية والصداقة الجميلة ..

 

وعندما عدت الى بغداد ونزلت في بيتي الجديد الذي كنت قد بنيته منتصف التسعينات من القرن الماضي ، اعطيت لاخي الغالي قصي جاسم حسين الطائي الذي يملك معملا للاختام وما شابه ذلك ، احدى الاوراق المخطوط عليها اسمي بالخط الديواني بانامل الفنان الكبير محمد سعيد الصكار طالبا منه عدم حذف اسمه وتوقيعه وتاريخ الخط ، وقد انجزها صديقي العزيز قصي على احسن ما يرام ووضعتها على الباب الرئيسي لبيتي في الاعظمية قرب نهر دجلة الخالد ..

  

كذلك اهداني المرحوم محمد الصكار اكثر من لوحة من لوحاته التشكيلية الجميلة في الخط العربي ، وهذه احداها المتضمنة الاية 125 من سورة النحل (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) ..

كذلك اعجبني موقف المرحوم محمد الصكار ، عندما سهرنا في بيته ، طلب مني قبل ان نغادر بيته الى الفندق الذي نحن فيه عند نهاية السهرة ، او اوصل مبلغا من المال قدره ثلاثة الاف دولار او اكثر من ذلك لا اتذكر جيدا الان قيمة المبلغ بالضبط .. الى اهله او اخيه او احد اقاربه ، لا اتذكر ايضا ، وكانت دهشتي من ثقته السريعة بي ونحن حديثي العلاقة ، خاصة ونحن في ظروف الحصار وكل شيء محتمل ومن اي شخص ..! حسب تصور الناس على الاقل ..! وفي سري فرحت بمبادرته وثقته ، وربما من هنا بدأت علاقتنا الحقيقية ، وطبيعي انني اوصلت المبلغ الى مكانه في بغداد ..

       
   الصورة رقم 3 / الرسام والخطاط مقداد شاكر الشيخلي

على كل حال ، أواخر عام 1994 وصلتني دعوة فنية من معهد العالم العربي لإقامة بعض الحفلات ضمن موسمهم الثقافي ونشاطاتهم الشتوية .. والحديث عن كيفية وصولنا الى باريس في ظل ظروف الحصار الذي فرض على بلدنا العراق ظلماً وعدواناً ، طويل ومتعب وأكاد أن أسميه (تراجيدية دخولنا الى باريس ..!) الامر الذي أوصل القضية الى تدخل رئيس الوزراء الفرنسي مباشرة ليحسم الموضوع ..!
 

وفي كل هذا الخضم من المتاعب وحالات القلق والاضطراب من قضية وصولنا الى باريس بالموعد المحدد ، كان اخونا وصديقنا الاعلامي الشهير سعد المسعودي موجودا وفارسا في حصولنا في نهاية الامر بحصولنا على الفيزة .. حيث كنت قد اخبرته بانني وفرقتي الموسيقية عائدون من عمان الى ارض الوطن لعدم جدوى بقائنا ، لان الفرنسيين كما يبدو لا يرغبون في اعطائنا الفيزة رغم ان دعوتنا من مؤسسة معهد العالم العربي ، وهي مؤسسة عالمية ترعاها فرنسا والوطن العربي .. الا ان الحاح اخي سعد المسعودي بالبقاء في عمان وقتا قليلا اخر ، اثمر في النهاية على حصولنا على الفيزة ، على الرغم من امتلاك معظمنا على اكثر من فيزة فرنسية سابقة .. واكرر مرة اخرى بان تفاصيل مثل هذه الحالات موجودة في كتب اخرى تخص الموضوع مباشرة ..
وصلنا باريس ظهر يوم 13/1/1995 .. وسط جو قارص البرودة ، واستقبلنا جمع من العراقيين ومن معهد العالم العربي يتقدمهم صديقنا الغالي سعد المسعودي .. الذي أوكلت له من قبل المعهد ، مهمة مرافقتنا طيلة الشهر الذي مكثنا فيه بباريس .. علماً أن منهاج حفلاتنا يبدأ من هذا اليوم 13/1 ..!
       

لم نكن أنا وزملائي الموسيقيين قد أغمضت لنا عيناً طيلة اليومين الاخيرين قبل وصولنا الى باريس ..! وقد كنا في غاية التعب والاجهاد والشد العصبي .. وحفلتنا الاولى لا بد أن تقام مساء اليوم 13/1 .. ورغم محاولتي الاعتذار عن حفلة اليوم عندما حاولت أن أجس النبض ، حيث قلت ذلك لأخي سعد المسعودي .. حين أجابني بشكل قاطع ، بان ذلك لا يمكن أن يحدث في اوربا ..!
   

المهم في الامر أننا أقمنا حفلة اليوم ، وحفلة اليوم الثاني 14/1 .. والله يشهد أنها كانتا من أفضل حفلاتي خارج العراق ، وكأنني وزملائي كنا في تحدٍ ومواجهة للظروف التي مررنا بها قبل دخولنا باريس ..
بعد حفلة اليوم الاول ، تناولنا عشاءنا في أحد مطاعم شارع الشانزليزيه الفخمة ، بدعوة من رجل كريم وقور ، هو السيد أمير الحلي الثري العراقي الذي تشرَّفنا بمعرفته هذه الليلة ..! وسوف اتحدث عن هذا الرجل في حلقة اخرى ان شاء الله .. وممن كان معنا في هذا العشاء بعض العراقيين الذين يعرفهم أخي سعد المسعودي .. ومن هذه الليلة تكونت لنا صداقات جديدة طيبة مع بعض من هؤلاء الاخوة العراقيين .. وكان أبرزهم أخي وصديقي الشجاع د. كاظم عبد الامير الحمداني ..

 

إنني أشعر بالضيق وأنا أختصر الكثير جداً من كثافة تفاصيل الايام التي قضيناها في باريس .. لأن لأصدقائنا حقوق علينا في ذكر مواقفهم النبيلة ، بل الخيالية ، وهذه هي الشجاعة الحقيقية للانسان ، والانسان العراقي بالذات ..! إنه شهر من الاحلام ، شهر من المحبة والود والتآلف والكرم والاخوة بين العراقيين بكل فئآتهم الفكرية والعقائدية والسياسية .. نحمد الله العلي القدير الذي جعلنا سبباً ، أو جزء من الاسباب في جمع الكثير من إخوتنا العراقيين في أمكنة واحدة وزمن واحد .. ولقاء الاحبة بكل ما تستطيع أن تحتويه هذه المفردة من معاني ..
تكاثرت علينا دعوات الغداء والعشاء من كل حدب وصوب ، ولعل دعوات أخي د.كاظم الحمداني قد تصدرت هذه الدعوات في بيته الجميل جداً بمدينة فونتين بلو على ضواحي باريس .. هذه المدينة الصغيرة الجميلة التي كان نابليون بونابرت يحكم العالم من خلالها  ، حيث قصره الشامخ الكبير لا يزال جميلاً في وسطها ..!
 
             

والجدير بالذكر .. أن أخي د.كاظم ، لم يكتفي بدعواته للسهر في فلـَّـته البالغة الجمال ، وإنما ألح علينا بالاقامة معه في فلـَّـته بعد إنتهاء منهاج حفلاتنا ومدة إستضافتنا من قبل معهد العالم العربي ، ليس الامر لوحدي وإنما أنا وزملائي الموسيقيين ، إقامة كاملة ..! وهكذا تعرَّفنا على الكثير من إخوتنا العراقيين وكان من أبرزهم الفنان والشاعر الكبير محمد سعيد الصكار .. وكذلك اخي وصديقي الكبير اسماعيل الجاسم ..
   
وصورة الحلقة ، الصورة رقم 1 ، تبيــِّن بوضوح مدى التآلف والتقارب الذي حصل لنا في باريس مطلع عام 1995 .. وهي في احدى سهراتنا في بيت أخي الكريم د.كاظم الحمداني ..
والصورة رقم  2 ، تجمعنا ببيتي بعمان ، في سهرة يوم 3/5/2006 من اليمين اسماعيل الجاسم ويقظان الجادرجي وحسين الاعظمي والمرحوم محمد سعيد الصكار والفنان التشكيلي ماجد خضر الجبوري ..
اما الصورة رقم 10 ، فهي تجمعنا في بيت اخينا وصديقنا المشترك السيد اسماعيل الجاسم الرابع من اليمين في بيته الكريم بعمان ليلة 1/5/2006 ، حيث يجلس المرحوم محمد الصكار والفنان المغترب في السويد طالب غالي وانا جالس بجانبه ..
وبالنسبة الى الفنان الموسيقي طالب غالي ، فقد تعرفت عليه من خلال بعض زياراته الى الاردن الشقيق وفي سهرات صديقنا السيد اسماعيل الجاسم ، وقد بدا لي الفنان طالب غالي ، انسانا ودودا وفنانا حقيقيا ، بطبع هادئ وطيبة واضحة ، وقد سررت بهذه المعرفة متمنيا له التوفيق على الدوام ..  
ومنذ هذه الايام لم أنقطع ولم ينقطع الاخوة الاصدقاء عن التواصل والاتصال ، ونحمد الله كثيراً على هذه العلاقة الاخوية ..  
    

وبعد حياة حافلة بالنضال والابداع والفن والادب ، قضاها في البصرة وبغداد ، ثم مقيما بعدئذ في فرنسا لاكثر من ستة وثلاثين عاما ، اعلن في باريس يوم 23/ مارس 2014 عن وفاة فناننا الكبير وصديقنا الغالي محمد سعيد الصكار عن عمر ناهز الثمانين عاما ، اسكنه الله فسيح جناته وانا لله وانا اليه راجعون ..

وللحلقات صلة
حسين الاعظمي
عمــَّان
19/1/2008

الهوامش
1 - محمد سعيد الصكار : ودع الفنان والشاعر العراقي محمد سعيد الصكار الحياة في مغتربه الفرنسي أمس 23/3/2014 عن عمر ناهز الثمانين عاما بعد أسبوع من الاحتفاء به من قبل معهد العالم العربي بباريس .. وهو الذي اعلن قبل اكثر من ربع قرن مشروعه المستقبلي “ الأبجدية العربية المركزة” وقد أثار يومها ضجة في الأوساط العلمية والفنية والطباعية باعتبارها كسر لقيود الحرف . لذا فالحديث عن الشاعر والفنان محمد سعيد الصكار حديث عن تجربة ممتدة ومتسعة ، فقد وجد الصكار ضالته الفكرية في أن تأخذ الأبجدية العربية أشكالا مختلفة وكثيرة في الخط وفي الطباعة مما يستوجب تطويرها واختصار الزمن والكلفة في عصر المعلوماتية.
4 – محمد سيف : ممثل مسرحي عراقي ، غادر العراق مطلع الثمانينات من القرن الماضي ، متزوج من السيدة رغد ابنة شاعر العرب الكبير عبد الرزاق عبد الواحد ، نال شهادة الدكتوراه في الفن المسرحي


هدية الحلقة

للراغبين الأطلاع على الحلقةالسابقة:

http://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/23242-2016-04-19-22-27-46.html

  

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

508 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع