العالم/بغداد ـ مصطفى محمد:بخطوات متثاقلة تجر معها أحلاما وأمنية برجوع هادي الذي لم تكتحل نواظرُه برؤية ولده حسن الذي ولد حديثا، تقف أم عباس على بُعد متر ونصف المتر عن المقام، لتناجي ربّها متى الوصال "ولدي لم يعد منذ سنة واكثر؟".
هادي عبد الستار، جندي عراقي، كان قد تطوع للجيش قبيل أحداث الموصل بشهر ونصف تقريبا، في العاشر من حزيران العام 2014. ما زال مفقودا وكثيرين؛ اثر انسحابهم من قاعدة سبايكر العسكرية، وتناوشتهم الشائعات؛ فبعض يقول انهم تم قتلهم جميعا، وآخرون يقولون ان بعضا منهم تم اسرهم لدى عشائر في تكريت (مركز محافظة صلاح الدين)، فيما يقول فريق ثالث انهم تم نقلهم الى سورية، حيث المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش".
وعلى مدى سنة ونصف اعتادت تلك المرأة زيارة مقام الخضر كل يوم خميس، والذي يقع على ضفاف دجلة، قرب جسر الباب المعظم، وسط بغداد، حيث تصنع "صينية" خضر الياس، وتوقد الشموع لتطلقها مع أمواج النهر، آملة ألا تكون شمعة حسن قد انطفأت. تقول انها تتقرب الى الله بزيارته "عسى أن يلطف الباري بولدي"، الذي ما زالت تعتقد انه على قيد الحياة.
ويطوف مواطنون كل يوم حول ذلك المقام، متقربين من خلاله ـ بحسب اعتقادهم ـ الى الله الذي يسألونه تحقيق امنياتهم وقضاء حوائجهم، دائبين على تقديم "النذور"، التي دائما ما تكون هدايا عينية او مادية.
وتشير الروايات الدينية عند الشيعة الى "ان لهذا الامام قوى ربانية تدفعهم الى التمسك به".
كثرة الاقبال على ذلك المكان جعلت أصحاب رؤوس أموال يفكرون في انشاء متنزهات تحوي أماكن ترفيهية وألعابا للأطفال، ما يعني أن المكان صار معلما دينيا وسياحيا، يستقطب عشرات العوائل يوميا.
وتشير الروايات الى أن الخضر هو ايليا بن مالكان بن فالغ بين ساح بن نوح عليهم السلام. والعديد من المتصوفين جعلوا من خلوده عقيدة ايمانية لعدم وجود عصر معين له، الا ان الروايات تقول انه عاصر "كليم الله النبي موسى، ويعد احد الانبياء وعباد الله الصالحين".
وتعكس المحاورة القرآنية التي جرت بين الخضر والنبي موسى "هذا الامتياز الرباني"؛ حيث يعتقد الناس ان لهذا النبي "قوة خارقة يستمدها من الخالق تسمى الكرامات"، بحسب متحدث من الوقف الشيعي.
ويقع مقام الخضر على نهر دجلة، حيث توجد محلة تعرف باسمه حتى الان، ويعد مزارا لأبناء بغداد يتباركون به، الا ان بناء جسر يربط جانب الكرخ بساحة باب المعظم في جانب الرصافة، اسهم باندثار معالمه، ما دفع احدى نسوة المحلة الى تخصيص بقايا غرفة خارجية من منزلها لاستقبال زائريه، واصبح مع الايام هذا المكان اشبه بالمقام؛ الذي تغطي جدرانه الحناء والشموع.
تقول أم عباس في حديث مع "العالم" انها تؤمن بـ"كرامات الخضر، الذي نزوره منذ سنين"، مشيرة الى انها ما ان تطلب منه شيئا حتى يتحقق "بإرداة الله".
عباس الحسيني، عضو في ديوان الوقف الشيعي، قال لـ"العالم" ان "الروايات المتوارثة عن السلف تشير الى علمه (الخضر) بمواطن الغيب، لذا يتجه الناس لزيارته، سعيا لتحقيق أمانيهم".
واضاف ان "وجود المقام بالقرب من نهر دجلة، جعل المنطقة القريبة منه ترفيهية اكثر مما هي دينية، وساعد ذلك على استقرار الوضع الامني في المحلة".
واشار الحسيني الى "تمسك البغداديين بالامام الخضر الى الحد الذي نسجوا حوله حكايات وصلت بغرابتها الى الخرافة او ارتقت فوق ذلك نحو الاسطورة"، مؤكدا ان "المقام ظل معلما تاريخيا مميزا رغم كل محاولات ازالته عند الشروع في بناء جسر الباب المعظم".
بدوره، قال عماد عبد السلام، باحث اجتماعي لـ"العالم"، ان "الوضع الامني غير المستقر وقلة المتنزهات العامة واماكن الترفيه، يدفع البغداديين الى البحث عن أماكن آمنة"، معتبرا ذلك المقام "مكانا دينيا، وترفيهيا بعد انشاء العاب تسلية للأطفال بالقرب منه".
وتابع ان "المعتقدات السائدة عن كرامات الخضر تجتذب الكثير من الناس لممارسة طقوسهم الدينية عند ذلك المكان، من خلال ايقاد الشموع وطلب تحقيق امنياتهم"، منبها الى ان المقام "لا يتبع لأية مؤسسة او وزارة".
743 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع