طهران وواشنطن: تلاقي مصالح أم مقدمات تحالف

       

العرب/واشنطن- يغرق الشرق الأوسط حاليا في مستنقع من الصراعات، التي تهدد، بشكل فردي، تركيبة ووحدة دول بأكملها، على غرار سوريا والعراق واليمن، بينما تهدد بشكل جماعي انهيار نظام الدولة بأكمله في الشرق الأوسط. وهذا الوضع، لا يشكّل خطرا وجوديا على دول المنطقة فقط، بل أيضا له تأثير مباشر على مصالح واشنطن، وفق تحليل استراتيجي أعدّته مجموعة من الخبراء والسياسيين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.

ويشير التقرير حول الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط إلى حاجة واشنطن إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع انهيار نظام الدولة في المنطقة ومواجهة النفوذ المتزايد للمتطرفين السنّة والشيعة على حد سواء. ونظرا إلى الدور الحيوي الذي يجب أن تلعبه الشراكة مع الدول والشعوب العربية السنّية في إطار هذا الجهد.

وأعدّ التقرير مجموعة من الخبراء من الجمهوريين والديمقراطيين من بينهم إثنان من مستشاري الأمن القومي السابقين، صمويل بيرغر وستيفن هادلي والسفير الأميركي السابق في العراق وتركيا جيمس جيفري ومسؤول سابق في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ومبعوث للسلام في الشرق الأوسط دينيس روس والمدير التنفيذي لمعهد واشنطن روبرت ساتلوف.

ويرصد تحليل معهد واشنطن، المعني بدراسة شؤون الشرق الأوسط وتقديم المشورة والتحليلات الاستراتيجية لصنّاع القرار الأميركي، نوعين من التهديدات الخارجية الرئيسية لنظام الدولة في الشرق الأوسط، وبالتالي للمصالح الأميركية.

ويتجسد التهديد الأول في تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، لا سيما مع تواتر عمليّاته الإرهابية التي خرجت من نطاق الجغرافية التقليدية للتنظيمات الجهادية، لتصبح عابرة للقارات.


والتهديد الثاني تمثّله إيران. ويشير الخبراء في هذا السياق، إلى أن تهديد طهران للمصالح الأميركية ليس أقل خطورة من تهديد تنظيم داعش. فإيران تستخدم الميليشيات العميلة لها لتقويض الدول وحرمانها من السلطة على جميع أنحاء أراضيها، وهي عملية سبق وأن أثارت المشاكل والفوضى بالفعل في أربع عواصم عربية هي: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

ومما يفاقم تهديد داعش وطهران هو طرحهما قضايا عميقة تتعلق بالحوكمة، بدءا من القيادة السياسية وصولا إلى الإدارة الاقتصادية، ومن عدم المساواة الاجتماعية وصولا إلى التنمية التعليمية. ويمكن لهذه القضايا أن تهدّد حتى الدول الأكثر تجانسا في المنطقة، مثل مصر. وبالتالي، يرى الخبراء الأميركيون أن قيام استراتيجية شاملة تعالج التهديدات الخارجية سوف يعطي الولايات المتحدة نفوذا أكبر للتركيز بشكل فعّال على هذه المشاكل الداخلية.

عدو عدوي ليس صديقي

تعتمد الاستراتيجية الأميركية على إلحاق النكسات بتنظيم داعش، وفي الوقت نفسه بناء تحالف واسع من الشركاء في دعم الجهود المرتكزة على الدول العربية لإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية. وقد شكل سقوط مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار العراقية، تأكيدا على ضخامة هذا التحدي والحاجة الملحّة لمعالجته.

وينظر البعض إلى مثل هذا التحالف بأنه يوفر إمكانية لجمع الإيرانيين والسعوديين في عدائهم المشترك تجاه «داعش». وعلى الرغم من وجهة النظر التقليدية التي تقول إن “عدو عدوي هو صديقي”، إلا أن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى السعوديين والعرب السنّة عندما يتعلق الأمر بالإيرانيين. فهم يرون صراعهم ضد إيران من منظار وجودي.
وكلما بدا أن الإيرانيين ينوون تطويق المملكة العربية السعودية، وضع السعوديون أنفسهم في مواجهة طهران، وهو نفس الأمر بالنسبة إلى غيرهم من الدول العربية، لدرجة أن السعودية ومصر وغيرهما قد وافقت الآن على تعبئة قوة عربية ليس لمحاربة إسرائيل بل لمواجهة الميليشيات المدعومة من إيران، وربما لقوات جهادية أيضا.

ولئن نجحت السعودية، منذ عقود، في أن تكون قوة إقليمية ذات نفوذ وتأثير على الوضع العربي والإسلامي والدولي عموما، لاتزال إيران تبحث عن ثغرات لتنفذ منها وتحقق بدورها نفوذا مماثلا. وتحقيق هذا الهدف يعني تهديد مصالح الولايات المتحدة، التي يتعيّن عليها وفق خبراء معهد واشنطن أن تحكم على الإيرانيين على أساس سلوكهم.

فمن المؤكد أن إيران ستحارب لمنع هيمنة تنظيم داعش في سوريا والعراق، وهي الساحة التي تتقارب فيها أهداف واشنطن وطهران حيث يمكن أن تكون عملياتهما متوازية في بعض الأحيان. لكن رغم وجود نقاط تقارب تكتيكية، فإن الرؤية الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة تختلف في أساسها عن المصالح الأميركية.
واليوم، لا تزال أكثر العناصر نفوذا في إيران تنظر إلى الولايات المتحدة كعدوة لها. وهذه ببساطة، ليست بسبب عقلية تآمرية حول العزم الأميركي على تخريب إيران، ولكن أيضا لأن هذه العناصر تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها العائق الرئيسي لسيطرتها على المنطقة. فحتى إذا ما سعت الولايات المتحدة لطمأنتها حول أهدافها، من المستبعد أن تصدق ذلك ما لم تكن واشنطن مستعدة للرضوخ فيما يتعلق بهيمنة إيران الإقليمية.

إن العامل المشترك لاهتمام إيران بإضعاف مؤسسات الدولة التابعة لخصومها السنّة واعتقاد أصدقاء الولايات المتحدة التقليديين بأنهم عالقون في صراع وجودي مع إيران، يجب أن يدفع واشنطن إلى التوقف والتفكير في الشراكة مع الإيرانيين والميليشيات الشيعية في الحرب ضد تنظيم داعش.

وفي نهاية المطاف، يؤكد خبراء معهد واشنطن أنه إذا كانت الولايات المتحدة تأمل حشد السكان العرب السنّة في العراق وسوريا في مواجهة «داعش»، لا يمكن أن يُنظر إلى إيران على أنها حليف مفترض.

فمن شأن ذلك أن يجهض أي محاولة سنيّة جادة لنزع شرعية تنظيم الدولة الإسلامية، وأن يضع الدول السنية في موقف دفاعي، والأسوأ من ذلك كله، أن يزيد من احتمال تقديم داعش لنفسه على أنه الحامي الحقيقي الوحيد للسنّة.

تغيير الموقف من سوريا

تدير طهران شبكة من الموالين لها حيث تدعم حزب الله في لبنان والنظام في سوريا والحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق. وتحت مظلة التضامن الشيعي، تقدم إيران مساعدات وتمويلات للمشاريع الصناعية والمدارس الدينية والمساجد. لذلك، فإن التوصل إلى اتفاق نووي معها سيعزز قلق الدول العربية من التهديد الإيراني، وسيتطلب من الولايات المتحدة أن تراقب ردود أفعالها والعمل على طمأنتها.

وسيحتاج ذلك أن يشمل دحر إيران في جميع أنحاء المنطقة. ومن المفارقة، أنه إذا رأت القيادة الإيرانية أن الولايات المتحدة سترفع الثمن الذي تدفعه إيران نتيجة سلوكياتها العدوانية حتى حينما تبقى خيارات أخرى مفتوحة، فإن هذا الأمر قد يجعل التعاون مع إيران بشأن قضايا محددة أكثر احتمالا وربما، مع مرور الوقت، سيغيّر حتى من الحسابات السياسية الإيرانية.

وفي هذا الإطار من الضروري جدا إجراء تغيير على السياسة الأميركية تجاه سوريا، حيث أدركت إدارة أوباما أنه لا يمكن لتنظيم الدولة الإسلامية أن يتخذ من سوريا ملاذا آمنا إذا تمكنت الولايات المتحدة، في الوقت المناسب، من إلحاق الهزيمة به في العراق.


وبغية استعادة مصداقية الولايات المتحدة وليصبح من الممكن بناء معارضة أكثر تماسكا من شأنها أن تغيّر ميزان القوى على أرض المعركة، يجب أن يكون هناك ملاذ آمن من نوع مختلف داخل سوريا، من شأنه أن يجعل من الممكن إيواء اللاجئين داخل البلاد والسماح لمعارضة ذات مصداقية وشرعية بأن تصبح أكثر أهمية.

ويكمن الهدف النهائي في جعل التوصل إلى تسوية سياسية ممكنا في إظهار أنه لا يمكن للأسد الفوز في هذا الصراع. ومن المؤكد أن مؤيدي الأسد، وخاصة إيران، سوف يكرهون ذلك وقد يختارون القيام بالرد على أي تسوية. لكنّ الإيرانيين بحاجة إلى أن يروا أن الولايات المتحدة مستعدة للتحدي وأن التكاليف بالنسبة إليهم ستصبح باهظة أكثر فأكثر في حال عدم التوصل إلى تسوية.

ومع تلاشي الحدود، وفي ظل بروز شبكة متداخلة من التحالفات العابرة والجماعات عبر الوطنية -السنية والشيعية على حد سواء- التي تعمل خارج قيود سلطة الدولة، يخضع نظام الدولة في الشرق الأوسط لضغوط شديدة.

أما بالنسبة إلى قيام استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على نظام الدولة، فإن ذلك يتطلب رؤية طويلة الأمد لدعم حلفاء الولايات المتحدة في دحر تنظيم داعش ومواجهة الإيرانيين. وسوف لن تحدد واشنطن مستقبل المنطقة، إلا أنها تتمتع بمصلحة متميزة في منع انهيار نظام الدولة القائم فيها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1141 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع