أرشد العمري عاش سنوات في فلسطين من أجل مهمة إعمار المسجد الأقصى خلال الحكم العثماني.
أرشد العمري من مواليد عام 1888، مهندس مخضرم وأحد أبرز الساسة العراقيين في العهد الملكي، أسندت إليه العديد من المناصب المرموقة، من أبرزها أمانة العاصمة بغداد ورئاسة الحكومة العراقية لفترتين منفصلتين، ونجح في تنفيذ العديد من المشاريع المهمة، توفي عام 1978.
وتشير المصادر إلى أن من أهم المشاريع التي نفذها العمري قبل دخوله الوسط السياسي هو إعمار المسجد الأقصى في القدس، والذي أنجز خلال عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، إذ اضطر العمري للعيش عدة سنوات في فلسطين لإكمال ذلك المشروع.
المولد والنشأة
ولد أرشد بن أحمد بن زيور بن محمود بن منيب العمري عام 1888 في ولاية الموصل التي كان والده محافظها آنذاك، وهو ينتمي إلى الأسرة العمرية المعروفة في المدينة الحدباء.
تعد عائلة العمري من العائلات العريقة ولها مكانتها الاجتماعية في العراق عامة والموصل خاصة، فمنها خرج أعيان وعلماء وخطباء وغيرهم.
الدراسة
أكمل أرشد العمري دراسته الأولية في الموصل، ونظرا لأنه من عائلة ثرية سافر إلى مدينة إسطنبول خلال حكم الدولة العثمانية، ليكمل دراسته الثانوية والجامعية التي تخصص فيها بمجال الهندسة عام 1908.
وعيّن بوظائف هندسية عديدة في تركيا، وشارك عام 1917 بافتتاح سوق تقسيم وساحته الشهيرة في إسطنبول.
عودته للعراق
بعد عودته إلى الموصل عام 1919 انتخب العمري نائبا في أول برلمان عراقي، وبعد 3 سنوات عمل مهندسا في بلدية الموصل، وأسهم في مشروع إيصال الماء لمدينة الموصل، كما ساهم في عهده لأول مرة بإنارة شوارع الموصل بالمصابيح الكهربائية بدلا من القناديل النفطية، وعمل على مد الشوارع وإنشاء الحدائق والمتنزهات.
وبعد ترقيته إلى وظيفة رئيس المهندسين عام 1925 جرى تعيين العمري في منصب المدير العام للبرق والبريد بعدها بسنة، وعمل حينها على تدريب موظفين عرب ليحلوا محل الكوادر البريطانية.
أرشد العمري (وسط) كان من عائلة ثرية الأمر الذي ساعده على الدراسة في إسطنبول والعمل فيها.
أمانة العاصمة
تولى العمري أمانة عاصمة بغداد للمرة الأولى من عام 1931 إلى 1933، وعمل على تطوير مرافق العاصمة، لكن مما يؤخذ عليه قلة الاهتمام بالمواقع والشواخص الأثرية، إذ هدم باب بغداد القديمة وحولها إلى منطقة الباب الشرقي، وهدم بعض المنازل التراثية القديمة في الكاظمية وشارع الرشيد، كما هدم جزءا من ساحة جدار جامع مرجان، وواجه سيلا من الانتقادات حتى خرجت احتجاجات مناهضة له.
وعندما أصبح أمينا للعاصمة للمرة الثانية من عام 1936 إلى 1944 عرف عن العمري نشاطه الإداري الكبير في توسيع بغداد وتطويرها، حيث شيد عدة مبان، منها قاعة الملك فيصل الأول، وأشرف على تشييد القصر الأبيض كدار للضيافة، كذلك شيد قاعة أمانة العاصمة ودار الأوبرا، وكان يراقب العمل بنفسه ويتجول بسيارته ليلا ونهارا.
الهلال الأحمر
وعمل أرشد العمري على تأسيس جمعية الهلال الأحمر العراقي عام 1932 عندما كان يتولى منصب أمانة العاصمة، ودعا 150 شخصا من أبرز رجالات المملكة العراقية آنذاك من وجهاء وأشراف ومفكرين وغيرهم وطرح عليهم فكرة تأسيس الجمعية أسوة بالبلدان المتحضرة الأخرى.
ولاقت فكرة العمري ترحيب النخب العراقية، فتقرر انتخاب 16 عضوا لوضع مسودة للنظام الأساسي لجمعية الهلال الأحمر العراقي، وجرى اختياره لرئاسة الجمعية.
حكومتا العمري
وبعد النجاح الإداري الكبير الذي حققه خلال مسيرته العملية من خلال المناصب التنفيذية التي أسندت إليه جرى تكليف العمري برئاسة الوزراء في الأول من يونيو/حزيران 1946 بعد استقالة وزارة توفيق السويدي.
وشهدت وزارته الأولى ما تعرف بحادثة "كاورباغي" التي وقعت في 12 يوليو/تموز 1946 عندما قام عناصر الشرطة بفتح النيران باتجاه عدد من عمال شركة نفط كركوك المضربين عن العمل للمطالبة بحقوقهم، والذين كانوا متجمعين في حديقة كاورباغي في كركوك، وأسفرت الحادثة عن سقوط ضحايا من العمال.
باب بغداد القديم الذي حول إلى منطقة الباب الشرقي)
أرشد العمري هدم باب بغداد وحولها إلى منطقة الباب الشرقي الأمر الذي عرّضه لانتقادات كثيرة (مواقع التواصل الاجتماعي)
وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه استقالت وزارة العمري، أي بعد أشهر قليلة من تكليفها.
وبعد سنوات تقلد خلالها العديد من المناصب تم تشكيل الحكومة الثانية للعمري في 29 أبريل/نيسان 1954 واستمرت في أعمالها إلى 17 يونيو/حزيران، ثم بقيت حكومة تصريف أعمال حتى تم تشكيل حكومة نوري السعيد في الثالث من سبتمبر/أيلول 1954.
اشتهر العمري بنشاطه الكبير وذكائه المتقد الذي أسعفه في مواقف كثيرة، لكنه لاقى التذمر الشعبي من أسلوب إدارته الصلب ولجوئه إلى القمع في معالجة بعض القضايا.
مناصب وإنجازات
شغل العمري منصب وزير خارجية العراق عام 1944 رغم عدم إلمامه التام بالشؤون الدولية، وبعدها أسندت إليه وكالة وزارة التموين، وشهد الوضع في وزارته انتعاشا واستقرارا نسبيا بالأسعار وتوفيرا للمواد الغذائية المستوردة.
كما تولى العمري منصب نائب رئيس مجلس الإعمار، وأشرف على مشاريع إستراتيجية مهمة مثل سدود دربندخان ودوكان وسد بخمة، وكذلك معامل الإسمنت في حمام العليل وسرجنار في السليمانية وإنشاء الطرق الرئيسية بين بغداد وكركوك وطريق بغداد العمارة المؤدي إلى البصرة، وكذلك الطريق الرئيسي بين بغداد والموصل، كما أشرف على تأسيس وبناء المصايف العراقية.
وأعطى العمري الضوء الأخضر للشروع في إنجاز سد الكوت، وتم افتتاح خط أنابيب النفط من كركوك إلى البحر المتوسط، واتفق مع السعودية على تأهيل طريق الحج البري القديم، كما ساهم في إصلاح المواصلات والزراعة والصحة ومكافحة الأمية، وحرص على معالجة النزاعات القبلية، وله دور في توزيع الأراضي الأميرية على الفلاحين وإصلاح الجهاز الإداري.
وشغل العمري منصب وزير الدفاع عام 1948، وأرسل الجيش العراقي للدفاع عن فلسطين إلى جانب الجيوش العربية الأخرى.
الوفاة
بعد عقود متواصلة من العمل الدؤوب قرر العمري اعتزال الحياة السياسية عام 1968 حتى وافته المنية عام 1978 عن عمر ناهز 90 عاما، وذلك في منزله بمنطقة الجادرية في بغداد، ودفن في مقبرة العمري بمدينة الموصل.
المصدر : الجزيرة + وكالات
416 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع