زينب حفني
قامت الحكومة الإسبانية مؤخراً، بإجازة قانون يسمح لليهود ذوي الأصول الإسبانية (السفارديم)، الذين أُرغم أجدادهم على الخروج من إسبانيا بنهاية القرن الرابع عشر، حق العودة إليها ومنحهم جنسيتها.
وقد كتبت حول هذا الخبر العديد من الصحف الغربية بصفحاتها الرئيسيّة، متسائلة عن سبب تغاضي إسبانيا عن المسلمين الذين يعودون لأصول إسبانيّة، ولماذا لم يشملهم هذا القرار المجحف بحقهم؟!
من المعروف أن الملك فرديناد والملكة إيزابيلا، كانا قد خيّرا المسلمين المتبقين، بين اعتناق المسيحيّة أو الرحيل عن الأرض الإسبانيّة، فذهبت الأغلبيّة وبقيت الأقليّة. وقد بعث أحفاد المسلمين الذين كان يُطلق عليهم «موريسكوس» رسالة إلى ملك إسبانيا «خوان كارلوس»، يُطالبونه بأن يتم تطبيق نفس القانون عليهم، والسماح لهم بالعودة لأرض أجدادهم.
هذا القرار الذي يُظهر ازدواجية المعايير، يدل كذلك على إيصاد أبواب التسامح، ورفض فكرة التعايش المشترك، وعدم تقبّل الحوار بين الثقافات والأديان! وكان يجب على إسبانيا كما قدّمت اعتذاراً ضمنياً لليهود عن الأضرار التي لحقت بأجدادهم، أن تُقدّم اعتذاراً مماثلاً للمسلمين الذين لاقى أجدادهم الأمرّين، بعد سقوط حكم الطوائف ببلاد الأندلس!
لا أحب لطم الخدود، لأنني أؤمن بأن الحاضر المخجل يجب أن نُغيّره بسواعدنا، وأن ما ولّى قد ذهب إلى غير رجعة! وأندهش في سرّي من الذين يتحسرون على ضياع أرض الأندلس كأنها فلسطين أخرى اغتصبت منّا! وأستغرب من أن يصل الحال بالبعض إلى القول بنبرة واثقة.. راجعون يا أندلسنا راجعون!
الرواية الرائعة «سقوط غرناطة» للأديبة المصرية «رضوى عاشور»، والتي كما تقول أخذت في كتابتها عدّة سنوات، لكثرة المراجع التاريخيّة التي عادت إليها، تُبيّن فصولها المؤلمة كيف تمَّ التنكيل بالمسلمين بعد أن ضعفت شوكتهم، وكيف تمّ التعامل بوحشيّة معهم إلى الحد الذي تغطّت فيه الأرض بدمائهم.
لو كانت جدران إسبانيا تتكلّم، لصرخت بصوت عالٍ.. نعم كان المسلمون هنا. والجاهل من يُنكر فضل الحضارة الإسلاميّة عندما كانت منارة المعرفة، على الحضارة الغربيّة وقت أن كانت غارقة مجتمعاتها في عصور الظلام! صحيح كل حضارات العالم تداخلت في بعضها، وحضارات الأمم هي عصارة الإنسانيّة جمعاء، كما يرى الأديب نجيب محفوظ، إلا أنني أستاء من الذين يُنكرون دورها المشع، بالقول بأن المسلمين كانوا مستسلمين لشهواتهم، وغارقين في اللهو وحب السلطة! كون هذه الأمور حدثت بعد أن اختلفوا، وانصرفوا عن العلم، وأصبح الصراع على كرسي الحكم همّهم الأوحد!
هناك من الكتّاب الغربيين من أنصف المسلمين في تطرقه لتلك الحقبة التاريخيّة المهمة، وفي رواية «المخطوط القرمزي» للأديب والشاعر الإسباني المعروف «أنطونيو غالا»، تحدّث بموضوعية شديدة عن مأساة آخر ملوك بني الأحمر السلطان أبي عبد الله الصغير. وقد اعتبره النقّاد الرواية، من أجمل الأعمال الأدبيّة في الأدب الإسباني المعاصر، وحصل الشاعر على أهم جائزة أدبية بإسبانيا عن روايته هذه، كما تمّت ترجمتها للعربيّة.
المسلمون مهما كانت لهم سلبيات، لا يمكن إغفال حكمهم لأرض الأندلس ثمانية قرون! وفي هذا يقول بشجاعة الشاعر غالا «إن الإسلام هو نحن، ولا يُمكن أن نسير في اتجاه معاكس لما هو بداخلنا، فإسبانيا بدون إسلام لا يُمكن فهمها، كما لا يُمكن فهم لغتها، لأنّ اللغة الإسبانيّة هي عملياً لغتان، أي لغة مزدوجة اللسان، فهي لاتينيّة وعربية أيضاً».
سكتت شهرزاد عن الكلام المباح، وصاح الديك متمنياً قدوم فجر جديد! تُرى متى سيستعيد المسلمون مكانتهم، التي أضاعها حكّام مستبدون، وصنّاع قرار فاسدون، ودعاة متطرفون؟! الخلاصة المرّة أن شعوبنا العربية هي من تدفع دوماً فاتورة الأخطاء الفادحة!
1746 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع