كيف تمكن حزب الله من خداع الأمة؟؟

                                       

                      د. محمد عياش الكبيسي
http://twitter.com/maiash10

أدركت الأمة اليوم أنها كانت مخدوعة بحسن نصر الله وحزبه طيلة السنين أو العقود الماضية،

وقد كانت خطبة الجمعة الماضية للشيخ يوسف القرضاوي صريحة وواضحة في أنه لم يكن يعلم حقيقة حزب الله، وأنه قد أخطأ حينما خالف علماء السعودية في فتاواهم التي حرّمت الوقوف مع حزب الله إبان حربه مع الكيان الصهيوني في 2006، يذكر أن الشيخ كان قد اعترف قبل هذا بخطئه في تبنيه لمشروع التقريب بين السنّة والشيعة، ووصف المشروع بأنه لم يكن إلا مخادعة إيرانية، وأن الإيرانيين غير جادين في أي نوع أو شكل من أشكال التقريب، وبقدر ما تعبّر هذه الاعترافات عن شجاعة أدبية وأمانة علمية ودينية، فإنها في الجانب الآخر تعبّر عن استعداد الأمة وتقبلها للانخداع، وهذا ما ينبغي الوقوف عنده طويلا.
إن اعترافات الشيخ على أهميتها كونها تصدر من أبرز علماء الأمّة الداعين للوسطية والاعتدال إلا أنها لا تشكل إلا جزءا من حالة الوعي العام والمتصاعد في الأمة، والذي تجاوز حالة الاستنكار والتنديد بجرائم إيران وحزب الله في سوريا والعراق إلى البحث العميق في الهوية والثقافة والتاريخ، وأصبح الخلاف مع الشيعة أو الحركة الصفوية محورا مركزيا للكثير من المؤتمرات والندوات والنشاطات الثقافية التي تشهدها الأمة من مشرقها إلى مغربها، وهذا يعني أننا بالفعل قد دخلنا في مرحلة جديدة ربما سيكون لها من الآثار والتداعيات أكثر بكثير مما نتصور.
إن أخطر ما واجهته الأمة في العقود الماضية هو ظهور طبقة من العلماء والمثقفين قد مارسوا دور التضليل والخداع وربما الخيانة العلمية، وقد أسس هؤلاء لثقافة عامة تتلخص في أن الخلاف بين السنّة والشيعة هو مثل الخلاف بين الشافعية والحنفية بمعنى أنه خلاف في الفروع الفقهية وليس في الأصول الاعتقادية، وهذا ما ينكره الشيعة أنفسهم، فصار هؤلاء أكثر استخداما للتقية من الشيعة، فمصادر الشيعة ومراجعهم ومواقعهم الرسمية كلها طافحة بالخلافات الاعتقادية، ومنها ما يصرّح بتكفير السنّة وكل من لا يؤمن بالوصية أو الإمامة الخاصة والتي هي عندهم أعلى منزلة من النبوة وهذا ما أكده الخميني في كتابه (الحكومة الإسلامية)، ناهيك عن خلافاتهم المعروفة حول مسألة (تحريف القرآن) والتي يراها فريق منهم حقيقة ثابتة بينما يراها الآخرون خطأ لا يخرج صاحبه من الملة وبهذا حكموا على المحدث النوري الطبرسي صاحب كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب)، أما السنّة النبوية فأنا لا أعلم شيعيا واحدا يثق بالبخاري ومسلم أو ببقية المصادر الحديثية المعروفة عندنا، وهذا لوحده يكفي لانشقاق عريض يصعب معه التقريب بأي وجه من الوجوه.
هناك أيضا مشكلة خطيرة أسهمت في حالة الاستعداد الذاتي للانخداع، وهي اضطراب الذاكرة التاريخية للأمة، وهذا يعني أن الأمة قد أهملت خبراتها المتراكمة عبر العصور، فخلاف الأمة مع الشيعة ليس وليد اللحظة، فقد تمكن الشيعة من حكم مصر وشمال إفريقيا عبر دولتهم العبيدية الفاطمية والتي أنهاها صلاح الدين الأيوبي، وكانت بغداد قد سقطت أكثر من مرة بأيديهم على يد البويهيين ثم الصفويين، وكان من أخطرها سقوطها بيد هولاكو بخيانة المرجع الطوسي والوزير العلقمي ثم سقوطها بيد الأميركيين بمساعدة إيران وأحزابها الشيعية العراقية، وكان من ذلك أيضا استيلاء القرامطة على مكة وذبحهم للحجيج وسرقتهم للحجر الأسود، وهذه حوادث ومواقف لا حصر لها، ولكن الذي ينبغي التنبه له أن هذا السلوك الشيعي عبر التاريخ مبرر في الثقافة الشيعية المعاصرة، بل هناك إشادة وتأصيل ديني وفلسفي كما فعل الخميني مع نصير الدين الطوسي؛ حيث وصف تحالفه مع هولاكو أنه (خدمات جليلة للإسلام) كما برر الدكتور شريعتي عداء الشيعة للحج والكعبة بقوله: «لماذا يعظّم الشيعي كربلاء رغم استهانته بالحج.. إن العدو هو عامل اتخاذ الموقف الصحيح والاتجاه الصحيح.. لقد صارت الكعبة وصار الطواف بالكعبة قاعدة دعاية عظمى لجهاز الخلافة.. إذاً وقد سقط الحج كشعار في يد العدو ما العمل؟ الاتجاه معلوم ومعروف، الطواف بقبر الحسين هو إذاً الطواف حول الكعبة الحقيقية» التشيع مسؤولية ص84/86.
إن هذا التبرير الديني والفلسفي لتلك المواقف الغادرة معناه الاستعداد لتكرار هذه المواقف وهذا ما حصل ويحصل بالفعل، لكن دعاة التقريب الأعمى قد أغفلوا هذه الحقائق عن قصد وعمد فأفقدوا الأمة القدرة على التنبؤ بالسلوكيات المتوقعة للطرف الآخر، ولهذا صدمت الأمة هذه الصدمة الكبيرة وفوجئت فعلا بموقف حسن نصر الله، مع أن المُسَلّمات الثقافية والتاريخية لا يمكن أن تقود إلا إلى هذا الموقف.
إذا تجاوزنا الدوافع الشخصية والخضوع لسياسة شراء الذمم والتي يمارسها المال الإيراني بشكل واسع مع الكثير من المثقفين والسياسيين والإعلاميين، وهذا ما يشيع اليوم في العراق ولبنان وكثير من البلدان العربية والإسلامية، فإن هناك مبررات سياسية لهذا التضليل تلبس لبوس المصالح العامة، ومن ذلك:
أولا: الحرص على توحيد العالم الإسلامي في مواجهة المشروع الصهيوني الأميركي، وهذا المبرر سقط بشكل سريع في العراق وأفغانستان، حيث وقفت إيران مع الأميركيين بشكل صريح ومعلن ومستمر، وهذا ما يتناسب مع السلوك التاريخي الذي أكده علي شريعتي في كتابه (التشيع العلوي والتشيع الصفوي) بما أسماه الحلف الصفوي الصليبي لمحاصرة الإمبراطورية الإسلامية العثمانية!!
أما موضوع فلسطين فلا شك أنه اللافتة المناسبة لتمرير الكثير من المشاريع، وإضفاء الشرعية المطلوبة، ولذلك نرى كل الأنظمة والأحزاب والتيارات المتناقضة تتنافس في تبني القضية الفلسطينية بصورة أو بأخرى، وهذه لعبة باتت مكشوفة للجميع، لكن حزب الله قد استثمرها بشكل كبير، ولو كان صادقا لما تحالف مع الأميركان لإجهاض المقاومة العراقية، وهذا ما لا يستطيع حسن نصر الله إنكاره، بل هو عنده جزء من الواجب الديني والبيعة التي التزم بها تجاه الولي الفقيه.
ثانيا: الحرص على الوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين مكونات البلد الواحد، وهذه لا شك حاجة ملحة خاصة في البلدان التي تشهد انقساما طائفيا حادا كما هو الحال في العراق ولبنان، وهذا الذي يدفع علماء السنّة للقول بخلاف ما يعتقدون ظنا منهم أن هذه هي السياسة، والحقيقة أن هذا الخطاب التمييعي أمام مشروع استئصالي جارف خطاب لا يمت إلى الدين ولا إلى السياسة بصلة، فالتعايش السلمي إنما يتحقق باعتراف كل طرف بهوية الآخر وخصوصيته الثقافية والمجتمعية وحقوقه الطبيعية التي تضمن القدر المقبول من التوازن في بناء الدولة ومؤسساتها.
إن الفصل بين الحقيقة المعرفية والخطاب السياسي بات ضرورة ملحّة، ومن الغريب أن تنعكس القضية فنجد من العلماء من يعيب على السياسيين خطابهم الدبلوماسي التقريبي في الوقت الذي يجيز فيه لنفسه أن يتبنى التضليل العقدي والديني! فلو أخذنا مثلا مقولة «لا فرق بين السنّة والشيعة» إذا أطلقها السياسي أو المسؤول في حكومة فهي مبررة لأنها تُحمل على معنى الحقوق المدنية والقانونية وهي من العدل الذي يجب أن توفره الحكومات لكل المواطنين بلا تمييز ولا استثناء، أما حينما يقولها المفتي والعالم والمثقف فإنها تحمل دلالات خطيرة، خاصة ونحن نواجه مدّا طائفيا يسعى لتغيير هويتنا وعقيدتنا، إضافة إلى كونها تدليسا وخيانة علمية.
لقد أسهمت هذه الفتاوى التقريبية أو التضليلية في فتح كل المنافذ أمام المشروع الصفوي وفقدت العقيدة الإسلامية الصحيحة دورها في الدعوة والتصحيح وخسرت الكثير من مواقعها، بينما لم يتمكن دعاة التقريب من إقناع الإيرانيين بفتح مسجد واحد للسنّة في طهران، والمشكلة تتكرر اليوم في العراق بشكل متسارع ينذر بتغيير شامل في التركيبة السكانية خاصة في بغداد، ما يمهد لإلحاق العراق بالإمبراطورية الفارسية وعزله تماما عن عمقه العربي والإسلامي

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

851 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع