د. تارا إبراهيم – باريس
تشهد مدن كوردستان اليوم وبالأخص أربيل تغييرات ديموغرافية كبيرة وزيادة في النمو السكاني فضلا عن التغيير المناخي وذلك بإرتفاع درجات الحرارة عاما تلو الآخر، ناهيك عن التمدن الذي بات أمرا مقلقا كون مفهوم القرية أصبح قابلا للإضمحلال، فعلامات التحضر والأستهلاكية التي أصبح يتميز بهما المجتمع الكوردي قد تكون لها عواقبها إن لم يؤخذ بنظر الإعتبار كيفية التعامل معهما بشكل منطقي ومنظم، أما عن تلوث البيئة فحدث ولاحرج ، فإزدياد عدد السيارات يعد واحدا من أهم عوامل التغيير المناخي في المنطقة بسبب الإنبعاثات الغازية التي تنفثها.
من هنا يأتي مفهوم "المدن الذكية" أو smart cities التي أصبحت محط إهتمام الباحثين في مجال العلوم والتكنولوجيا كي تحل جميع المشاكل المذكورة أعلاه، فيمكن إعتبار المدينة "ذكية" اعتمادا على المعايير التالية:
إقتصاد ذكي، تنقل ذكي، بيئة ذكية، ساكنون أذكياء، أسلوب حياة ذكي، وإدارة أو حكومة ذكية.
هذه المعايير الستة يمكن وبسهولة ربطها مع النظريات الإقليمية والكلاسيكية والحديثة للتنمية والتطور الحضري، وهي تستند بالتالي على نظريات التنافس الإقليمية، والاقتصاد ووسائط النقل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والموارد الطبيعية ورأس المال البشري والاجتماعي، ونوعية الحياة ومشاركة المواطنين في الحياة الديمقراطية في المدينة.
فالمدينة الذكية هي المدينة التي تعرف كيف تجذب الشركات لتوظيف اليد العاملة المؤهلة وكيفية الاحتفاظ بها، ومن مفهوم آخر فالمدينة الذكية هي المدينة التي التي تستخدم تقنيات حديثة وتوظيفها لخدمة المواطن، وهي المدينة التي تخلق فرص عمل لمواطنيها وتضع في متناول أيديهم وسائط نقل ذات جودة عالية لضمان التنقل السهل ناهيك عن ضمان السكن الجيد والرعاية الطبية الجيدة والحصول على تعليم جيد.
أما من منطلق تكنولوجي، فمن أهم الشبكات اللاسلكية التي تساعد على خلق المدن الذكية هي شبكات الاستشعار التي تتكون من أجهزة صغيرة ذات حجم صغير يمكن توزيعها في جميع أنحاء المدينة كي تستشعر الكثير من البيانات ومن ثم إرسالها في وقت حقيقي الى المواطن والسلطات المعنية. فمثلا تستطيع هذه الأجهزة مراقبة نسبة التلوث في المدينة وإرسال إنذار لدى تجاوز التلوث الحد الأقصى المسموح به، كي تستطيع السلطات المعنية ألإيعاز الى الناس بعدم إستخدام السيارات في التنقل. وهنالك الكثير من ألأمثلة ألامثلة التي يمكن ذكرها كقياس نسبة الأزدحام في طريق ما وإرسال المعلومات الى السائقين كي يعمدوا إلى إتخاذ طريق آخر ..الخ من الأمثلة التي تقود الى تقليل إستخدام الطاقة والإستخدام ألأمثل للوقت.
مفهموم المدن الذكية ليس مفهوما بعيدا عن كوردستان التي تتمتع الآن بكل ما يؤهلها لتتطبقه، فالمدن الكوردية ذات إمكانيات مادية وبنى تحتية وإنفتاح تكنولوجي هائل تستطيع من خلاله تحسين كل خدماتها بشكل ذكي. نستطيع الإ شارة الى أن قسما من معايير المدن الذكية مطبق حاليا ولكنه يحتاج الى مزيد من التطوير. مقترحات بسيطة يمكن أن تأخذ بها حكومة الأقليم كنشرشبكات الإستشعار أو التحسس في الأقليم لجمع المعلومات المفيدة للمواطنين والحكومة، هذه الأجهزة رخيصة الثمن جدا ويمكن شراء الآلاف منها لكن فائدتها عظيمة ومن خلالها يكتسب الناس معلومات كثيرة عن مدينتهم كي يتفاعلوا مع كل ما تأخذه الحكومة من قرارات بشكل إيجابي.
أما من ناحية ألإقتصاد في الطاقة، فيمكن أن تقتني حكومة ألإقليم لوحات الطاقة الشمسية التي من شأنها أن توفرالمزيد من الطاقة كون نسبة الأيام المشمسة في الأقليم أكثر بكثير من الأيام الممطرة أو الغائمة، هذه اللوحات باهظة الثمن ولكن ما أن يتم تنصيبها مرة واحدة على أسطح كل المنازل، حتى تعود بالربح على الجميع ولسنوات عديدة .فضلا عن ذلك فتشجيع الزراعة وغرس الاشجارفي جميع الأنحاء له أثر كبير على البيئة في تقليل أثر ألإنبعاثات الغازية من وسائط النقل .
المدن الذكية تعتبر أيضا نوعا من المدن التي تسمى مدنا رقمية digital cities أو المدن التي تستخدم التكنولوجيا الحديثة في إدارة أعمال ألمواطنين وإدارة المدينة ، وفيها تدخل التكنولوجيا جميع مجالات الحياة. فإلى أي مدن تستطيع كوردستان أن تجعل مدنها مدنا رقمية ؟ على الرغم من إمكانياتها الهائلة، هل تستطيع أن تصبح مدينة ذكية ؟ هل بإمكانها أن تنحى هذا المنحى كي تسمو بخدماتها أكثر وأكثر ؟
الگاردينيا: نرحب بالدكتورة/ تارا إبراهيم في حدائقنا ...
810 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع