لَطيف عَبد سالم
مِنْ ذاكرةِ شَهْر رمضان المبارك
تستقبلُ البلدان الإسلامية الشهر الفضيل فِي كُلِّ عامٍ بمظاهرِ الحفاوة التي تحولت إلى عاداتٍ وتقاليد، وشكلت مع تقادم الأيام موروثات مهمة لشعوبها وعلامات فارقة ومميزة لكثير مِنْ تلك البلدان في مشارقِ الأرض ومغاربها، عَلَى الرغمِ مِنْ أنَّ طقوسها تتشابه فِي الكثيرِ مِن الأحيان، وتختلف فِي أحيانٍ أخرى، فمع حلولِ شَهْر القرآن، تبدأ استعدادات المسلمين لاستقبالِ ضيف الرحمة بطقوسٍ إيمانية، فِي مقدمتها المناجاة وفضائل التقرب إلى الباري عز وجل، وركون أهل الخير وبعض الأغنياء إلى إقامةِ الموائد الرمضانية لإطعام الفقراء، بالإضافةِ إلى ما اعتادت عليه المجتمعات الإسلامية مِنْ مظاهرٍ شتى منذ مئات السنين كالحرص عَلَى رؤيةِ الهلال وإعداد إمساكية رمضان، وإدامة مدفع الإفطار الموجود في بعض الدول الإسلامية؛ لأجلِ ضمان استخدامه فِي الإعلان عَنْ موعد الإفطار، فضلاً عَنْ قيامِ بعض الأفراد بأداءِ مهمة إيقاظ الصائمين فِي السحور طواعية؛ لأجل تناول الطعام والشراب قبل الإمساك. كذلك يجري إبراز " الفوانيس " بكثرةٍ فِي شهرِ رمضان المبارك، تعبيراً عَنْ استخدامِ الأسلاف الفوانيس الَّتِي كانت تستعمل الشمع فِيما مضى كأداة للإضاءة.
توارثت بعض البلدان الإسلامية جملة مِن التقاليدِ الَّتِي تعاد فصولها فِي كُلِّ عامٍ، حيث تشهد شوارع مصر ومحالها حركة نشيطة منذ الأسبوع الأخير مِنْ شهر شعبان؛ لأجلِ تزيينها بالأعلامِ والبيارق الورقية، ولعلَّ مِنْ بَيْنَ المظاهر الجميلة الَّتِي تؤطر فضاءات المدن المصرية فِي تلك الموسم هو تعليق الأعلام والفوانيس بحبالٍ يجري ربطها مَا بَيْنَ المنازل المتقابلة فِي الأزقة. ومِنْ جميلِ الحكايات المصرية فِي الشهرِ الفضيل ما يتمثل بخروجِ الأطفال إلى الشوارعِ والأزقة فِي ليلةِ رؤية هلال شهر رمضان - سواء مع أقرانهم من الأطفال أو إلى جانب أفراد عائلتهم - مرتدين أحلى ما عندهم مِنْ ثياب، وهم يحملون الإعلام والفوانيس الرمضانية، ويرددون الأناشيد والأهازيج الخاصة بهذا الشهر الكريم في فرحةٍ جماعية عارمة.
إلى جانبِ ادخار الأسر السودانية المحاصيل الزراعية والبقوليات والتمر منذ وقت مبكر استعداداً لقدومِ الشهر الفضيل الذي ينتظرونه بفيض من الشوق والاستعداد، فلعلَّ مَا يلفت النظر فِي العاداتِ المتبعة بالسودان فِي شهرِ رمضان، هو انتشار ظاهرة إفطار الناس فِي المساجدِ أو فِي الساحات التي تتوسط الأحياء السكنية أو على أرصفة الشوارع؛ لأجلِ الشروع فِي دعوةِ المارة البعيدين عَنْ منازلهم أو الأفراد الذين يعيشون حالة العزوبية وربما لا يمتلكون الوقت اللازم لإعدادِ الأطعمة بالطريقةِ التي يرغبونها؛ لذا يتجمع الناس هناك عَلَى شكلِ حلقات قبل الغروب مِنْ أجلِ دعوة المارة لتناول الإفطار معهم.
المثيرُ للاهتمامِ أَنَّ العراق يُعَدّ البلد الوحيد الَّذِي أخضع التقاليد الرمضانية لضوابط " الحداثة " أو " ما بعد الحداثة "، حيث يطلق البعض العنان لأسلحتهم الخفيفة أو المتوسطة فِي النزاعاتِ العشائرية لأتفه الأسباب أو الرمي فِي الهواءِ الطلق بشكلٍ عشوائي استقبالاً لعيد الفطر المبارك أو في حالِ فوز أحد الغريمين " ريال مدريد أو برشلونة " بفعلِ سبات الرياضة العراقية وإحالة أغلب أنشطتها علَى التقاعد !!.
فِي أمَانِ الله.
1714 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع