نبراس الذاكرة
ان اول من فكر في تأسيس ملجأ ببغداد يأوي الايتام المقدمين هو عبد الحميد صالح بابان احد موظفي الطابو في بغداد وقد افضى بفكرته هذه الى بعض من اصدقائه فاستحسنواها وابدوا استعدادهم كمؤازرته في اخراج المشروع الى حيز العمل وساهموا مساهمة كبيرة على وضع النظام الاساسي لما اسموه الجمعية الخيرية الاسلامية...
وهم كل من عبد الله العبايجيوعبد القادر التكرلي والنائب توفيق المختار الذي تولى منصب مدير ناحية لعدة جهات من مناطق العراق منها عنك وعانه والشطرة وتلعفر وانتخب نائباً عن بغداد سنة 1950 وجدد انتخابه في المجالس المتعاقبة حتى سنة 1958 وهؤلاء الثلاثة بابان والتكرلي والمختار تقدموا بطلب رسمي الى وزارة الداخلية لتأسيس الجمعية المذكورة وكان ذلك في 31/ آب/ 1921 وبعد ثلاثة اشهر من تقديم الطلب اجابت الوزارة بكتاب جاء فيه ان البلدية اخذت على عاتقها اسعاف الفقراء لذلك فالوزارة تنسب ان تكون اعمال هذه الجمعية مشتركة مع اعمال البلدية الخيرية وتحت اشرافها فلما وصلهم كتاب وزارة الداخلية تألموا واسقط ما في ايديهم من عمل نبيل فلم ييأسوا فاقترح عبد الله العبايجي على زملائه ان يستعينوا بالسياسي المخضرم سليمان فيضي لعلهم يجدون مخرجاً فأجمعوا على زيارته في بيته وعند اللقاء معه طلبوا مساعدته في تحقيق هذا المشروع فلبى طلبهم حيث اتصل بالمسؤولين والمحامين حيث اقنعهم بالانتماء الى الجمعية وبالتبرع لصندوقها براتب شهري ضئيل فلبوا معجبين بالفكرة ودفعوا ما تقتضيه الحاجة يذكر سليمان فيضي في مذكراته فيقول شجعني هذا النجاح على توسيع الحركة فنشرت بيانا في الصحف ومنشوراً يدوياً وزعت منه الآلاف من النسخ في سائر انحاء العراق وما هي الا ايام قلائل حتى انهالت التبرعات من كل حدب وصوب وجاء بريد الالوية (المحافظات) بمئات الرسائل يطلب اصحابها الانتماء الى الجمعية ويقدمون اشتراكاتهم الشهرية الى صندوقها كما عاضدت الصحف المحلية الجمعية بنشر بياناتها وقوائم التبرعات لها ومن تلك الصحف صحيفة لسان العرب لصاحبها ابراهيم حلمي العمر وصحيفة الاستقلال لصاحبها عبد الغفور البدري وصحيفة العراق لرزوق غنام كما تقدمت الطوائف غير المسلحة لموازرة الجمعية الخيرية الاسلامية فوجه مطران اساقفة السريان في بغداد وحاخام اليهود ووجهوا نداءات الى طوائفهم يحضونهم على المساهمة في المشروع يذكر سليمان فيضي فيقول دعاني جلالة الملك فيصل الاول لمقابلته فاستفسر عن الجمعية ومدى النجاح الذي بلغته ووجه اللوم لاغفالي اطلاع جلالته على امر الجمعية في بداية تأسيسها وابدى جلالته رغبته الاكيدة في تبنيها ووضعها تحت رعايته وتبرع بالف ربية اعانه لتأسيسها واصدر امرأً بانشاء مدرسة ايتام للذكور ومثلها للاناث كما امر براتب شهري قدره اربعمائة روبية تبرعاً لصندوقها واصدر امرأً الى موظفي البلاط للمساهمة فيها وامر كذلك بالايعاز الى جميع الوزراء ليحثوا موظفيهم على مساعداتها بنسب معينة من رواتبهم وقد اقتدى بالوزارة والموظفين سائقوا السيارات في الوزارات حتى الفراشين كانوا يجودون باكثر مما تتحمله رواتبهم.
بعد جمع الاموال ثم استئجار دار واسعة في جانب الكرخ زودت بالاسرة والفرش ورحلات الصفوف وغيرها وتم ادخال عدد كبير من اليتامى ثم كسوتهم والاعتناء بهم ولما تم الحصول على الاجازة ضاق الميتم بطلابه فانضم الى الهيئة الادارية السابقة للجمعية بعض الشخصيات المعروفة انذاك منهم عبد اللطيف المدلل والشيخ احمد الظاهر وقاسم العلوي وعبد الرزاق منير وفي ذات يوم زارت هذه اللجنة وبرئاسة سليمان فيضي سماحة حجة الاسلام الشيخ مهدي الخالصي في مدينة الكاظمية ومعهم عشرة من طلاب الميتم فسر لما رأه من نظافتهم ونظامهم وحسن ادبهم فشكر الجمعية على جهودها ووعدهم على حث الناس على مساعداتهم ورحب بان يصبح نجله الشيخ محمد الخالصي عضو في هيئة ادارة الجمعية عينت الجمعية يوم 6/1/1922 موعداً لافتتاح الميتم غصت ساحة الدار وشرفتها بالمدعويين يتقدمهم فهمي المدرس رئيس الديوان الملكي مندوباً عن الملك فيصل الاول والسيد محمود النقيب بالنيابة عن والده رئيس الوزراء انذاك وافتتحت الحفلة بتلاوة من القرآن الكريم من قبل قاسم البزركان الطالب بمدرسة التفيض ثم تعاقب الخطباء والشعراء في القاء خطبهم وانشاء قصائدهم منهم الشيخ محمد مهدي البصير وعطا أمين والشاعر معروف الرصافي وعبد الرحمن البنا وتوفيق المختار وسليمان فيضي وبعد ذلك تقدمت ابنة سليمان فيضي الى منصة الخطابة فتبرعت بسوارين من الذهب نزعتها من يديها قائلة اعطوها للايتام فاقترح الحاضرون وتم وضع السوارين بالمزايدة وفتحت المزايدة بعشر روبيات واختتمت بمبلغ 4550 روبية وقد اشترك فيها مندوب الملك فيصل الاول الاستاذ فهمي المدرس فضم على مبلغ السوارين الف روبية نيابة عن الملك وقبل انتهاء الحفلة جرت انتخابات الهيئة الادارية ففاز سليمان فيضي والحاج محمد جعفر ابو التمن والشيخ احمد الظاهر والحاج نجم المدرس وعبد الرزاق منير والشيخ محمد الخالصي انتخب رئيس فخري وفي صباح اليوم التالي تناولت الصحف البغدادية هذا الحفل الكبير وما علم به افراد الشعب تهافتوا للعطاء بسخاء حتى دخلت طفلة دون العاشرة من عمرها الى مكتب الجمعية وقدمت روبية قائلة انها جمعتها من يوميتها كما ساهمت المراة العراقية في المشروع باوفر نصيب فالاشتراكات ترد من السيدات بانتظام وكن يرسلن الملابس والبطانيات ولم يتوان الاطباء عن القيام بخدمة الجمعية فورد كتاب موقع من قبل الدكتور صائب شوكت والدكتور فائق جلال والدكتور هاشم الوتري والدكتور اسماعيل الصفار والدكتور سامي شوكت يبدون رغبتهم في الانتساب الى الجمعية مع تقديم الراتب المخصص لها من قبلهم واستعدادهم لمعالجة الايتام وكذا الفقراء والذهاب الى منازلهم من الذين بيدهم وثيقة من رئاسة الجمعية مجانا كما تم تهيئة صيدلية جمعت فيها الادوية اللازمة ونظراً للتوسعات التي طرأت على المؤسسة فقد انتقلت الى بناء كبير محاط بحديقة واسعة في محطة الجعيفر وعينت عبد اللطيف العلوي مديراً للميتم وبامر من الملك فيصل الاول كما عينت وزارة المعارف المعلمين اللازمين كما ان ادارة الجمعية رغبة منها في توجيه الايتام توجيهاً صناعياً عمليا ادخلت درس النجارة في مناهج المدرسة واستخدمت لهذا الغرض عدداً من النجارين وكانت مصنوعات الجمعية تباع باسعار زهيدة ولما كان الكثير من طلاب المعهد غير مختونين فقد تبرع اطباء الجمعية بختانهم مجانا وفي ليلة الختان حضرت جماهير غفيرة من اهل الكرخ تتقدمهم الاعلام وفرقة الموسيقى والطبول وطافوا بهم الشوارع وهم ينشدون الاهازيج والهوسات مما ادخل السرور الى قلوب اليتامى بعد استقالة سليمان فيضي تم تعيين ناجي السويدي رئيساً لها واثناء تواجد سليمان فيضي بالبصرة لم يألوا جهداً في مساعدة الجمعية فكان يجمع لها التمور والاشتراكات من البصرة والمحافظات الجنوبية حتى من الكويت كما استطاع مرة الحصول على تبرع من الشيخ خزعل امير المحمرة بمبلغ الف روبية ان هذا العمل العظيم الذي قام به اولئك المؤسسون لتلك الجمعية الخيرية خلد ذكراً طيباً في تاريخ الاعمال الخيرية لهذا البلد العزيز.
خالد خلف داخل
834 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع