مهند النابلسي
ادمان دور الضحية بأفلام تتحدث عن العنف والجنس والسادية والجاسوسية!
بالفيلم المغربي الوثائقي "رقصة الخارجين عن القانون"(2012) نرى هند المغربية تستمتع بكونها ضحية تعرضت للاغتصاب وفقدت الأمل بالحصول على هوية رسمية...أبدع المخرج المغربي محمد العابودي بالخوض بتفاصيل الواقع المغربي المتخلف، وانغمس بتصوير مشاهد ناطقة للفولوكلور المغربي اللافت، وطرح بجرأة "غير مسبوقة" مشكلة الحصول على الهوية الرسمية للام وأولادها، كما ابدعت الشخصية الرئيسية باظهار التناقضات الحياتية المتمثلة بالضعف والشجاعة والكفاح لاستعادة حقوقها العادية بالعيش والمساواة والامومة.
ويتحدث الفيلم الدنمركي "الجندية الصغيرة"(من اخراج أنيت اولسن وانتاج العام 2008) عن احداث غريبة يصعب علينا تصديقها، حيث يوظف الأب "تاجر النساء العجوز" ابنته الجندية السابقة كسائقة وحارسة لصديقته النيجيرية العاهرة، وحيث تضطر لذلك بدافع حاجتها للمال، وحيث تصدق بسذاجة روايات العاهرة المحترفة، وتلجأ بآخر الشريط بسرقة اموال طائلة من خزنة أبيها لكي تعطيها للنيجيرية وترتب لها سفرها بالطائرة لوطنها لكي تربي ابنتها ذات الأعوام الثمانية، وبلقطات مواجهة عنيفة وغريبة بين الأب وابنته يفاجئها الأب بفشل جهودها الطيبة، ويؤكد لها بأن النيجيرية ستهبط بروما لكي تفتح بدورها بيت دعارة جديد تستخدم فيه بنات بلدها بنفس الطريقة ...يطلعنا الفيلم على ممارسات غريبة يسود فيها العنف والشذوذ، كما نلمس تعاطفا وتفهما بين النيجيرية والجندية القوية.
أما الفيلم الاسباني "ملكي أنا"(2001) من اخراج خافيير بالاجير، فهو فيلم مفبرك بامتياز ولا يمكن التأكد من واقعية أحداثه التي ينطبق عليها وصف فرويد للعلاقة "السادومازوجشية" بين الضحية والجلاد، حيث تقوم الزوجة انجيلا بآخر الشريط بتعذيب زوجها زوجها جواكين انتقاما من ممارساته المتكررة للعنف الجسدي "القهري" بحقها، والتي تنم عن شخصية سايكوباتية معقدة، حيث تيأس من امكانية مقاضاته قانونيا، فتستدرجه بذكاء لتقيده وتعذبه بسادية غير متوقعة، ثم تتعقد الامور مع تدخل صديقنها المطلعة حتى يصاب اخيرا بطلق ناري يؤدي لشلله، ونراها بأخرمشهد وقد أنهت زيارته مع ابنتيهما الصغيرتين، وقد بدت فرحة ومنتشية فيما بدا هو حزينا وبائسا وعاجزا.
أما الفيلم الايطالي "يوم رائع" (2008) وهو من اخراج التركي المقيم بايطاليا فيرزان اوزبتك، فيتحدث عن قصتين متداخلتين:
اشكالية العلاقة المعقدة بين سيناتور سياسي طموح وابنه المراهق المتمرد، والقصة الثانية تتحدث عن هجر ايما لزوجها انطونيو ضابط الشرطة العنيف المعقد، ونرى تداعيات ملاحقته المستمرة لزوجته ومحاولته اليائسة لاسترجاعها بلا طائل، حيث تصر على رفضه بالرغم من محبته الرومانسية الطاغية لها وعدم تقبله لفكرة طلاقهما، وينتهي الفيلم بشكل مأساوي حيث يقدم على استدراج الابنة المراهقة والصبي الصغير، ثم يقوم بقتل الصبي وينتحر.
كما يبدو وكأن المخرجة الهولندية كارين غوجيرس صاحبة الفيلم التركي الوثائقي باهار2013، وكأنها اصبغت على الفيلم بعدا "شاعريا-ساذجا"، وحاولت تخليد الفتاة المقتولة "باهار" وكأنها اسطورة، فاستطردت بتداعيات مقتلها العنيف بواسطة زوجها التركي المقيم بهولندا، وبعد مضي تسع سنوات على زواجهما، حيث أقدم على طعنها ثماني مرات وبأماكن متفرقة من جسدها...وبالرغم من كل التكرار والثرثرة التي يحفل بها هذا الفيلم الممل، فنحن كمشاهدين لا نعرف السبب الحقيقي للجريمة، وكذلك لم نطلع على صورة فوتوغرافية واحدة للجاني، ولا نعرف أين هو، وهل تمت مقاضاته ام لا، وكل ما يحاول الفيلم ابلاغه أن الزوجة الضحية باهار قد ارتكبت غلطة واحدة، تمثلت بحبها لهذا الفتى التركي المقيم بهولندا، الذي لاحقها باصرار لكي يتزوجها، كذلك نعلم بمنتصف الشريط أن حادث القتل المريع هذا قد ادى لانفصال الأبوين العجوزين بعدان استبد بهما الشعور بالذنب ، بالرغم من كونهما يعيشان معا بنفس المنزل، ثم ندرك من السياق ان الأب كان يرفض باصرار فكرة زواجها من هذا الشاب، فيما رضخت الام بعد الحاح اسرة الزوج وملاحقتها أثناء زيارتها لتركيا.
وأخيرا سأتعرض باسهاب للفيلم الروائي الألماني الأخير بهذه التظاهرة السينمائية السنوية الهامة التي تقيمهاالهيئة الملكية للأفلام بدعم من السفارات الغربية التي تقدم هذه الأفلام المختارة وتمول انتاجها، ويبدوأن كاتبة القصة ومخرج فيلم "الغرب" (ويستن2013) كريستيان شوشو وكأنهما مهووسان بالتعري، حيث يستهل الفيلم بمشاهد تعرية البطلة الجميلة أثناء نزوحها من برلين الشرقية بأواخر السبعينات، وذلك بغرض اذلالها لاغير...كما تتم تعريتها مرتين من قبل المركز الطبي بالملجأ الغربي المؤقت بغرض التأكد من خلوها من الأمراض، ثم تتعرى مرة رابعة لممارسة "جنس مجاني جامح" في غرفة اوتيل مجاور مع ضابط التحقيق الغربي الأسود بعد ان يتبادلا الاعجاب، ثم يستطرد المخرج المهووس بالجزء الأسفل من الجسم، فنلاحظ أن عملاء "الستازي" الشرقيين يتبعون شخصا مشبوها بالملجأ، ثم يشبعونه ضربا ويتبولون بغزارة فوق رأسه...وهكذا فهو يتحفنا كذلك بأحد المشاهد بصوت تأوهات جنسية صارخة ومتتابعة لامراة تستمتع بالمضاجعة الجنسية!
ثم نلاحظ أن امل "نيللي ستيف" بحياة جديدة ببرلين الغربية يضيع امام ملاحقات واستجوابات رجال الأمن الغربيين،
ويتصاعد الأمر عندما نطلع على تفاصيل معاناتها بالملجأ الغربي البائس، الذي يحشد فيه اللاجئين بلا امل ولا تأهيل، حيث نشهد حالة انتحار بالقفز من طابق علوي لاحدى اللاجئات المسنات، كما أن البطلة لا تفلح بايجاد وظيفة ملائمة لتخصصها كدكتورة متخصصة بابحاث بالكيمياء سوى بالقبول بوظيفة "مساعدة مختبرات"، حيث يخبرها مكتب التوظيف بالفرق التكنولوجي الشاسع ما بين ابحاث الغرب المتقدم والشرق المتخلف...ويصل الفيلم لذروته عندما نعلم ان صديقها الروسي "ويسلي" ووالد ابنها "أليكساي"، والذي قتل ظاهريا بحادث سيارة بموسكو، ربما ما زال هاربا وحيا ويعمل كعميل مزدوج، وانه تمت فبركة حادث وفاته بقصد من قبل عملاء الستازي، ليتمكن من العيش متخفيا بالغرب، كما نفهم سبب ملاحقة عملاء الغرب المستمر لها لرصد امكانية اتصاله بها...وبالحق ابدعت الممثلة الألمانية جورديس تريبيل بتقمص دور نيللي ستيف، وان كانت علاقتها "الدلعة-السعيدة" مع ابنها الصغير أليكساي لا توحي بوجود معاناة ومصاعب بحياتها، كما ان تقلباتها المزاجية بدت غريبة أحيانا سواء مع الجار الألماني بالملجأ الذي كان يهتم بابنها ويحرسه، او مع الضابط الغربي الأسود الجذاب، ولم تفلح تماما باظهار الاحباط والبؤس وفقدان الأمل، كما انها شقت طريقها أخيرا وتم منحها الجنسية ووجدت عملا ملائما.
يبدو بالخلاصة وكأن المرأة قد تعودت على دور الضحية المسكينة، وتحاول اقناعنا بانها بريئة ومحبة وصادقة، وليست مسؤولة ابدا عن تصرفات الرجل المخادعة والمراوغة والمستغلة وحتى السادية، كما نستطيع أن نعقد مقارنة عامة بين وضع المرأة بالغرب ووضعها البائس بدول العالم المتخلف، الغارقة بحالات مستفحلة من الجهل والخرافة والفقر والعوز، وهذا ما عجز المهرجان ربما عن اظهاره حيث أن معظم الأفلام تسلط الضؤ على وضع المرأة الخاص بالغرب، وربما يعزى ذلك لضعف التمويل أساسا ولطريقة انتقاء الأفلام الموجهة اساسا لجمهور عربي!
مهند النابلسي
1020 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع