سر إبتزاز الأحزاب الكردية وهل من حل جذري للخلافات؟1/4
ما معنى أن يُلزَم الوفد الكردي المتوجه إلى بغداد للتفاوض مع الحكومة الفيدرالية بتوجيه صارم (حسبما أذاعت فضائية "الحرة – عراق" بتأريخ 25/11/2012) بوجوب تقديم رسالة الأحزاب الكردية التي صاغتها، هذه الأحزاب، في إجتماع مشترك برآسة السيد مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان، إلى رئيس الحكومة الفيدرالية، السيد نوري المالكي، والتي تضمنت شرطاً أقل ما يُقال عنه إنه إبتزازي إستفزازي مفاده: وجوب حل قيادة قوات دجلة قبل الدخول في أية محادثات؟
وما معنى أن يرفض السيد رئيس إقليم كردستان بتأريخ 2/12/2012 المبادرة التي تقدم بها رئيس مجلس النواب السيد أسامة النجيفي إلا بعد حل قيادة قوات دجلة أولاً ، علماً أن السيد رئيس الوزراء قد وافق عليها؟ (حسب فضائية الحرة – عراق).
كما نُقل عن السيد البرزاني أنه قد رفض مقترحاً حمله إليه السفير الأمريكي على ذمة فضائية الحرة – عراق بتأريخ 2/12/2012,
للإجابة، لنتأمل الملاحظات التالية قبل كل شيء:
أولاً: هل هذا موقف فيه أدنى قدر من الإحترام للحكومة الفيدرالية المنتخبة من قبل الشعب؟ وهل فيه أدنى قدر من الإحترام للشعب العراقي الذي إنتخب الحكومة؟ هل الإحترام لا يحظى به إلا المجرم السفاح الذي لم يتوانَ عن إستخدام السلاح الكيميائي رغم أنف العالم وقوانينه ومجلس أمنه!؟ أليس هذا تفسيراً خاطئاً للديمقراطية بكونها الضعف؟
ستجيب الأحزاب الكردية: نحن نعلم الجواب الصحيح؛ ولكن الحياة فرص وحقائق الحياة هي التي تحكم وهي التي أغرتنا على غرف المكاسب ونحن آمنون.
وأنا اقول لها: لقد تغيرت قواعد اللعبة بعد "الثورة" السورية كما سنرى لاحقاً. بإختصار ما عادت أمريكا وذيولها، وهي النظم السعودية والقطرية والتركية، تلعب منفردة في الساحات المحلية والإقليمية والعالمية، وما عاد هناك من يغرف بدون وجه حق وهو آمن. فتنبهوا وأستفيقوا رحمة بشعبنا الكردي قبل العربي والتركماني والكلدو – آشوري والأزيدي والشبكي وقبل فوات الأوان لأن كردستان أقرب جغرافياً إلى روسيا وتركيا وإيران والعراق وسوريا مما هي إلى أمريكا والسعودية وقطر وأن العصر أصبح عصر الشعوب وليس عصر الصواريخ وحسب.
ثانياً: إنهم يعلمون علم اليقين أن تشكيل قيادة عمليات دجلة هي خطوة دستورية حسب المادة (110) منه التي تبيح بالمطلق للقائد العام للقوات المسلحة حق إستحداث أية تشكيلات عسكرية يراها مناسبة لحفظ أمن العراق وذلك حسب ما أفاد به فقهاء القانون وذلك بغض النظر عن وجود المادة (140)، علماً أن تشكيل هذه القيادة لا ينطوي على تشكيل وحدات عسكرية فعلية جديدة بل هو إستحداث قيادة موحدة لثلاث فرق عسكرية موجودة أصلاً في بعقوبة وصلاح الدين وكركوك ويقع مقر القيادة الجديد في ديالى. هذا وهناك قيادات مشابهة لم يعترض عليها أحد كقيادة قوات الفرات الأوسط وقيادة قوات الموصل وبغداد وغيرها.
وإذا كانت لدى الأحزاب الكردية شك في دستورية تشكيل قيادة قوات دجلة فلماذا لا تلجأ إلى المحكمة الإتحادية لقطع الشك باليقين بدل التباكي المتواصل بعدم دستوريتها وبدل توجيه التهديدات والإهانات وإرباك الوضع العراقي؟ وينسحب هذا على السيد رئيس الجمهورية الذي أقحم نفسه، ربما واقعاً تحت تأثير مزايدة قائد الحزب الديمقراطي الكردستاني عليه وعلى حزبه، لا كرئيس للجمهورية أقسم على رعاية الدستور وصيانته بل كحزبي كردي.
يبدو أن مسألة الإلتزام بالدستور تشكل جذراً من جذور الخلافات العويصة بين عموم القوى السياسية. فرغم أن الجميع، بلا إستثناء، يلهج بعشقه لإحترام الدستور، إلا أنهم، في الحقيقة، كلهم كاذبون عدا بعض أطراف التحالف الوطني وبالأخص إئتلاف دولة القانون وزعيمه السيد نوري المالكي(1) الذي لم يترك مجالاً للشك بأنه إعتبر يوم مغادرة القوات الأمريكية العراقَ هو يوم البدء بإحترام الدستور بصرامة أي نبذ خرقه لحساب التوافقات التي إتسم معظمها بالإبتزاز والفرض الأمريكي صالحاً وطالحاً؛ ومنها غض النظر عن جرائم طارق الهاشمي التي برروا، الأمريكيون، السكوت عليها بعدم الرغبة في إثارة المشاكل حسبما أفاد النائب عن إئتلاف دولة القانون السيد سعد المطلبي.
ثالثاً: لماذا يحتج الأكراد على تواجد الجيش الفيدرالي في المناطق المختلف عليها (المتنازع عليها) لطمأنة ورعاية مصالح الأطراف الشعبية المختلفة فيها من عرب وأكراد وتركمان وغيرهم، وجميع الأطراف هم مواطنون عراقيون يخضعون لدستور واحد ومرجعيتهم حكومة فيدرالية واحدة خاضعة للبرلمان الفيدرالي وكلاهما منتخبان ديمقراطياً؟ هل يريد الأكراد التواجد العسكري من طرف واحد في تلك المناطق ومن ثم إبتلاعها مع مرور الأيام بفعل الأمر الواقع متجاوزين المادة (140) من الدستور؟ أليس من حق القائد العام للقوات المسلحة دستورياً تحريك قطعات الجيش العراقي في اية بقعة من بقاع العراق بما فيها كردستان حسب المادة 110 من الدستور؟ بينما يحضر الدستورعلى قوات البيشمركة من التواجد خارج الخط الأزرق الذي حددته الأمم المتحدة لحدود كردستان وأكده مجلس الحكم. كما إن المناطق المتنازع عليها لم يحددها الدستور عدا كركوك فكيف حددها الكرد من أنفسهم علماً أن حدود المحافظات وردت في مشروع قانون تقدم به رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب ولم يبت به المجلس لحد الآن؟
الأنكى من ذلك فإن وفد الأحزاب الكردية إلى بغداد رفض حتى الحضور لإجتماع خُطط له يوم السبت 1/12/2012 لدراسة مقترح تقدم به رئيس الوزراء يقضي بتشكيل قوة حماية من مكونات المناطق المتنازع عليها مع بقاء قوة مشتركة من الجيش الفيدرالي والبيشمركة (رغم عدم دستورية بقاء القوات الأخيرة، والقول لرئيس الوزراء).
رابعاً: لماذا يتمسك الكرد بترتيبات صاغها الأمريكيون للكيد ودق إسفين بين مكونات الشعب العراقي لإفتعال المشاكل واللعب عليها لخدمة مصالحهم الآنية والمستقبلية؟ الأمريكيون إقترحوا (أو بالأدق: فرضوا) عام 2009 تشكيل قوة مشتركة في المناطق المتنازع عليها تتشكل من الجيش العراقي والبيشمركة وممثلين عن المكونات الشعبية المحلية. جاء ذلك بعد تحركات عسكرية كردية في منطقة خانقين كادت أن تؤدي إلى مصادمات مع الجيش العراقي. أكاد أكون واثقاً أنه لو أفلح الأمريكيون في إستحداث جيش عراقي ثالث من الصحوات (الذي رفضه المالكي بشجاعة) لكان مقترحهم ينطوي على جعل القوة المشتركة تضم الجيوش الثلاث ليتجسد تقسيم العراق وليتغلب صوت المنادين ببقاء القوات الأمريكية وعدم إنسحابها من العراق درءاً لما قد ينجم من صراع داخلي مسلح؛ الذي أقلق حتى أطيب الناس من الديمقراطيين خوفاً على مصير العراق.
بصراحة لا أستبعد وجود تنسيق مسبق بين الأمريكيين وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني بهذا الصدد، ولي عودة إلى هذا الموضوع لاحقاً.
خامساً: أعلن السيد مسعود البرزاني يوم 25/11/2012 لمندوب الصحافة العربية حسبما نقلت فضائية الحرة بأن الكرد لا يخافون إمتلاك الجيش العراقي لأسلحة متطورة ولكنهم يخافون من العقلية التي تتحكم بهذه الأسلحة. وبتأريخ 29/11/2012 تحدث الوفد الكردي المفاوض مع مكتب القائد العام للقوات المسلحة عن "رفض الدكتاتورية والعسكرتارية" و "الشوفيينية".
وقبله بأيام صرح مسؤول كردي بأن الأكراد قد يستعينون بأطراف خارجية وتحت "مسوِّغ" الفصل السابع وكرروا التهديد يوم 29/11/2012 إذ تشبثوا بقرار مجلس الأمن رقم 688 الخاص بحماية الأكراد (الفصل السابع كان محبباً للسيدين أياد علاوي وطارق الهاشمي ورفاقهما في إئتلاف العراقية وطالما هددوا به أيضاً!!).
أقول للسيد البرزاني إن هذا مجرد "تصفيط" كلام بلاغي ديماغوجي فارغ لا نصيب له من الصحة يمد فقط أشخاصاً فاشلين مشغولين بتنظيم المؤتمرات الدعائية له بمادة للثرثرة اللاوطنية(2). فإذا كانت للسيد برزاني حساسية خاصة لشم نوري المالكي فللآخرين حساسية خاصة لشمه أيضاً ولم يشعروا بما شعر به حيال نوايا رئيس الوزراء. أضف إلى هذا أن النوايا الشخصية في النظام البرلماني ليست كافية للقيام بعمل وخاصة الحرب، بل هي الآليات الديمقراطية التي تفعل مفعولها. ألم نشهد ما فعلته مجرد شكوك شعبية بعدم مقدرة الحكومة على السيطرة على السوق وضبط الأسعار في مسألة إستبدال البطاقة التموينية بمبالغ مالية شهرية ؟ ألم تتراجع الحكومة وطرحت بديلاً آخر للإختيار بينهما؟ فما بالك إذا أقدمت الحكومة على الحرب؟ ما هذه الإستهانة بالجماهير التي إنتخبت وبكثافة شخصاً يتهمونه والطواقم المساعدة بكونهم ذوي "عقلية مخيفة إذا تحكَّموا بالسلاح"، حسب إتهام السيد البرزاني؟ هناك ضمانات كثيرة جداً أخرى حكومية وبرلمانية ومراجع دينية وشعبية ومنظمات مجتمع مدني؛ إضافة إلى العوامل الخارجية التي تعمل معظمها لصالح قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني أملاً في إضعاف العراق للإنقضاض على نفطه وأرضه الخصبة وموقعه الستراتيجي.
سادساً: أعتقد أن القوى الكردية تشعر بقوة موقفها المستند إلى دعم وتحريض شركات النفط والسعودية وقطر وتركيا وإسرائيل ومرتزقة في الداخل. مع هذا فأعتقد أن الأحزاب الأخرى عدا الديمقراطي الكردستاني واقعة تحت تأثير المزايدة لهذا الحزب الأخير لذا فهي تنجر له صاغرة ولكن لمدى معين، كما أتوقع.
ولكن لماذا كل هذا وكيف ستؤول الأمور؟ ... هذا هو السؤال الأكبر.
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1): وَجّه نواب من إئتلاف العراقية والتحالف الكردستاني نقداً في الآونة الأخيرة (ليس من غير قصد) لرئيس الوزراء السيد نوري المالكي بلجوءه إلى تعيين ما يقرب من ستمائة مسؤول من ذوي الدرجات الخاصة بالوكالةً (حسب مصدر مسؤول بينما إدّعى الطغمويون أنها تبلغ الآلاف)، في الوقت الذي لا يجيز فيه الدستور تعيينات بالوكالة أولاً ، ويُفترض إستحصال موافقة مجلس النواب على شغل هذه المناصب بناءً على ترشيح من مجلس الوزراء، ثانياً.
أتفقُ كل الإتفاق مع التبرير الذي طرحه نواب من إئتلاف دولة القانون لهذا الخرق الدستوري. كان نواب الكتل الأخرى يرفضون الترشيحات التي يقترحها مجلس الوزراء رغم توازنها ومراعاتها للمكونات وذلك لإبتزاز رئيس الوزراء والحصول على ما يزيد عن إستحقاقاتهم. أزاء هذا الإبتزاز القاسي أصبح أمام رئيس الوزراء ثلاث خيارات: 1- الخضوع للإبتزاز وما يتبع ذلك من تركيز مقدرات الدولة بيد طغمويين معادين للديمقراطية، 2- ترك دوائر الدولة بدون رؤساء وهذا تحطيم للدولة يطرب له الطغمويون بل يسعون إليه بالإرهاب أو بالتخريب من داخل العملية السياسية، 3- التمسك بروح الدستور ومقاصده والتمرد على الشكلية لصالح البناء الديمقراطي والحيلولة دون توقف الحياة العامة وإنهيار الدولة وذلك باللجوء إلى التعيين بالوكالة حتى ولو فيه قدر من الخرق الدستوري.
أخذ رئيس الوزراء بالخيار الثالث وهو، بتقديري، الموقف الصائب.
(2): كان على هؤلاء أن يستمعوا إلى السيد أمين فرحان ججو، النائب ورئيس كتلة الأزيديين في البرلمان العراقي، والسيد محمد الشبكي، عضو المكتب السياسي لتجمع الشبك الديمقراطي، وهما يتكلمان عن الجهود اللاديمقراطية التي تقوم بها الأحزاب الكردية لمحاصرتهم وإضطهادهم في الموصل وسهل نينوى وسنجار وغيرها من أجل محاولة إبتلاع أراضي الأزيديين والشبك على حد قولهما. (فضائية "الحرة – عراق" / برنامج "بالعراقي" بتأريخ 29/11/2012.)
(3): للإطلاع على "النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه" و "الطائفية" و "الوطنية" راجع الرابط التالي رجاءً:
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181
1213 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع