أين الفنون العربية؟!

                                     

في صغري، كنتُ أهوى قراءة نتاج الأديبة البريطانية الذائعة الصيت «أجاثا كريستي» من ضمن قراءاتي. وقد قرأتُ مؤخراً أن مسرحيتها «مصيدة الفئران» التي تتألف من 128 صفحة فقط، تُعتبر أطول مسرحية في العالم يتم تقديمها على خشبة المسرح لمدة ستين عاماً دون انقطاع. وبهذه المناسبة قام عدد من النجوم البريطانيين بتقديم عرض احتفائي من أجلها بالعاصمة لندن.

مسرحية «مصيدة الفئران» صدرت عام 1952م ومنذ بداية عرضها على خشبة المسرح البريطاني، ظلّت محتفظة بالرقم القياسي في تواصل مرّات عرضها، على الرغم من ظهور مسرحيات بعدها لاقت إقبالاً جماهيرياً طاغياً مثل مسرحيتي «ماماميّا» و«شيكاغو». وقد تمَّ إزاحة الستار عن نصب تذكاري للكاتبة «كريستي»، وحضر الحفل حفيدها الذي منحته جدته قبل وفاتها حقوق نشر هذه المسرحية في عيد ميلاده التاسع مما جعله بفضل إيراداتها من الأثرياء.

جميل الاحتفاء برموز أدبية سامقة على شاكلة «كريستي»، هذه السيدة العبقرية، التي لم يزل أدبها البوليسي المشوّق يعيش في وجدان الكثير من الأجيال العاشقة له. وقد تُرجمت قصصها ومسرحياتها لأكثر من 103 لغات في العالم، إضافة إلى أنها ظلّت على مدى نصف قرن متربعة على عرش الروايات البوليسية دون أن يقدر أحد على منافستها في هذا الجانب الأدبي تحديداً.

لا أريد أن يجرفني قلمي متحدثاً عن مناقب هذه السيدة، فهي غنية عن التعريف، ولكنني أجدني أتحسّر على انحسار دور المسرح العربي اليوم مقارنة بالأمس! أقول المسرح العربي لأنه كان في أوائل ومنتصف القرن الماضي بمصر إبان عصور التنوير، يقف على خشبته فنانون من مختلف الجنسيات العربية.

وعودة إلى المسرح العربي، أتساءل لماذا لم يعد لدينا مسرح جاد مع رحيل عمالقة المسرح من أمثال نجيب الريحاني وعادل خيري ويوسف وهبي وماري منيب وشويكار وفؤاد المهندس وغيرهم من الذين أفنوا حياتهم على خشبته وقدّموا أعمالاً رائعة لم تزل خالدة لحد اليوم؟!

عندما أزور القاهرة، تمرُّ عيناي وأنا راكبة في السيارة على لوحات الإعلانات المعلقة والخاصة بالمسرحيات المعروضة، التي تملأ الشوارع الرئيسية، متسائلة بحيرة عن سبب هذا الانقلاب المؤسف في عالم الفن المسرحي والغنائي! من وراء انتشار هذا النوع المسرحي الهابط؟! أنا لستُ ضد الاستعراضات الراقصة فالمسرح البريطاني يغصُّ بالاستعراضات الراقصة المبهرة بجانب المواقف «الكوميدية» الباعثة على الضحك، ولكنني ضد الافتعال المتعمّد والسطحية والافتقاد إلى نصوص قوية، مما يؤكد بأن هناك استهانة بعقلية المشاهد العربي، كأن لا همّ لديه سوى فغر فاه وإطلاق ضحكاته البلهاء!

يُقال بأن الفنون من مسرح وسينما وغناء ورقص، هي الوجه الحقيقي للمجتمعات المتحضرة، وهذا صحيح إلى حد كبير. وكلما انحدرت الفنون، دل ذلك على تخلّف المجتمعات. ويكفي بأن بعد رحيل عمالقة الفن لم يعش لنا عمل مسرحي أو غنائي أكثر من شهور قليلة، حيث يُثار عند خروجه ضجة ثم تخبو مثل زوبعة في فنجان! بعكس أغاني العظماء من أمثال أم كلثوم ووردة وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ، التي لم تزل تعيش بيننا لحد اليوم ويُرددها بحب الشباب الصاعد.

الفنون لا يمكن أن ترتقي وتسمو داخل مجتمعاتنا، إذا ظلت تنتشر فيها آفات العنصرية المقيتة بأنواعها وتُحاط بطوق من التحجّر الفكري! ويوم أن ترتقي أذواق مجتمعاتنا وتستنير عقول أفرادها سيُصبح لدينا فنون رائعة ننافس بها ما تفرزه المجتمعات الغربية. الفنون العظيمة والأعمال الراقية لم تُخلق من عدم، بل بدأت بغرس نبتة صغيرة في تربة خصبة فترعرعت ونشرت ظلالها على كل من استرخي تحتها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

936 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع