اضطهاد العلماء والمفكرين :9- ابو العلاء المعري(ت1058 )

                                       

                    الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

ولد المفكر والشاعر ابو العلاء المعري في بلدة معرة-النعمان بسوريا في عام 970 ، وتوفي  في عام 1058 في بلدته ايضا . كان عمره خمس سنوات عندما  اصيب بالجدري ، فزالت قدرة عيناه على الرؤيا الا من بصيص ضوء ليرى ما امامه  بصعوبة بالغة ، لكن ذلك لم يستمر طويلا،فلما صار شابا ،انطفأ ذلك البصيص واصيب بالعمى تماما .

وبدلا ان من ان يسمى كما كان متوقعا: احمد بن عبدالله بن سليمان التنوخي، فقد دعي ابو العلاء (اي العالي الفهم ) لشدة ذكائه وسرعة تعلمه اللغة والشعر والادب على يدي ابيه . ثم ارسله اباه الى حلب لمتابعة دروسه في الادب والدين وكان معلمه  النحوي محمد بن عبدالله بن اسد .
كانت اولى رحلاته ان سافر الى مدينة طرابلس في لبنان التي كانت تضم مكتبات عامرة ، ثم زار  اللاذقية ، وهناك مال الى احد الاديرة المسيحية التي تضم عادة الرهبان المتبتلين والذين يعيشون عيشة نسك وكفاف ، بالاضافة الى مكتبة ثقافية ، وصار  صديقا لاحد الرهبان المثقفين ، وكان يتناقش معه عن اللاهوت المسيحي وما وراء  الطبيعة، وكان في نقاشه تبرز شكوكا فلسفية لم يجد لها جواب لازمته الى نهاية حياته على الرغم من انه كان مؤمنا بالله ايمانا قويا . تاثر بحياة الرهبان فلم يتزوج واشتهر ببيته الشعري القائل :
هذا  جناه ابي علي   وما جنيت على احد
وهكذا اطلع ابو العلاء على الديانتين المسيحية واليهودية ،بالاضافة الى تفاسير الدين الاسلامي . وانشد في صدى تعليقه على الديانات الثلاث حائرا :
لنا جمعة،والسبت يدعى لآمة   اطافت بموسى،والنصارى لها احد
ما جلب الخير الي   صاحب عقل وكسد
آشد خطب،يتقي   فراق روح لجسد

 وقرر ان يسافر الى بغداد مدينة العلم والثقافة في المشرق آنذاك وذلك في عام 398 ه، وذلك طلبا لمزيد من العلم، والتعرف على مكانة مدينة السلام وهناك التقى علماؤها ومثقفيها ، ولكنه لم يجد ردا على تساؤلاته الفكرية والفلسفية . بل يبدوا انه اصطدم بفكر الفقهاء ،على الرغم من حضوره معظم مجالس علماء بغداد، وخاصة مجمع سابور بن اردشير، حيث غنت لهم (قينة)، كما حضر مجلس عبد السلام البصري اللذي كان يعقد كل يوم جمعة . ومن اسباب خروجه من بغداد عدا ما ذكرنا :ان فقهاء من حلب تعرضوا له نظرآ لكثرة تساؤلاته، بالاضافة الى موت امه التي كانت اعز الناس بالنسبة اليه ، ولذلك زادت عليه الام الوحدة  واشتدت عليه مرارة عيشه وكثرت احزانه حتى جزع عليها ، ولزم بيته لفترة طويلة لايخرج منه ، وسمى نفسه : رهين المحبسين ويعني البيت والعمى ، اما في اعماقه فيضيف له محبسا آخرا عندما يقول :
اراني في ثلاثة في سجوني:  فلا تسأل عن الخبر النبيث   لفقدي ناظري، ولزوم بيتي ، وكون النفس في الجسم الخبيث .
وهكذامكث في بيته حوالي خمسين سنة حتى وفاته . ويستدل من بيت شعره السابق انه قد تاثر اما بالديانة المانوية او بالافكار الغنوصية .
ألف ابو العلاء اثناء قعوده الطويل في  البيت كثيرا من الاشعار والقصائد الطوال بالاضافة الى بعض الكتب الفلسفية، ثبت فيها آراءه الجدلية والفلسفية ، ولم ترق لرجال الدين آنذاك ،فاتهموه بالزندقة احيانا، ولذلك فان معظم كتبه الفكرية اهملت او احرقت ولم يبق منها الا  (رسالة الغفران) من كتبه . لكن معظم شعره بقي، وكان من الشعر الحكمي والفلسفي العالي ،الممزوج بالمرارة ،لذلك  دعي بالشاعر المتشائم . اذ كان ابو العلاء واسع الثقافة حسن المناقشة والمنطق ، ولكن فقدانه بصره ،جعله متشائما. تدل كتاباته على انه عرف واحترم الديانات الرئيسية الثلاث، يالاضافة  الى جوانب من ثقافات اخرى فارسية ويونانية . تاثر بعيش الرهبان المبني على التقشف ،وكان متقشفا و لاياكل اللحم ايضا مثل بعض الرهبان .
ان اجمل اشعاره نظمها في ديوانه (سقط الزند) الذي يضم ثلاثة الاف بيت من الشعر الرائع الذي يتميز بالجرأة الادبية والنقد الاجتماعي والسياسي ،قلما نجد مثله في تلك الايام . وهو الشاعر العربي الوحيد الذي اعرفه،ممن كان يتجنب( المديح) الذي يعتبره عاطفة مصطنعة ،ونجده كذلك قد نأى بنفسه عن( الفخر) فاعتبره تعويضا عن نقص ،مما يدل على تحليله العميق لطبيعة الشعراء في زمانه .اشهرقصائده (اللامية) التي يقول فيها ما يتحسسه ممن ينتقدوه :
الا في سبيل المجد ما انا فاعل       عفاف واقدام وحزم ونائل
تعد ذنوبي عند قوم كثيرة           ولا ذنب لي الا العلى والفضائل
 وفي داليته يعود الى تشائمه منشدا :
تعب كلها الحياة ،فما اعجب الا من راغب في ازدياد
وعاد الى نقده الاجتماعي وفلسفته منشدا :
ارى الملوك لاتحوطهم رعية       فعلام تؤخذ جزية ومكوس؟
يسوسون الامور بغير عقل     وينقد امرهم  فيقال ساسة
فأف من  الحياة واف مني      ومن زمن رياسته خساسة
ثم يتابع نقده للحاكمين (ما اشبه اليوم بالبارحة! ) قائلا :
مل المقام ، فكم اعاشر امة     امرت بغير صلاحها امرائها
ظلموا الرعية واستماروا كيدها  فعدوا مصالحها وهم أجرائها
وهنا يظهر فكره المضطرب،حيث ينشد :
نمسي ونضحي في ظلالنا     وما على الغبراء الا سفيه
فيسأل الواحد ، أنقاذنا      من عالم السوء الذي نحن فيه
كان ابو العلاء المعري شاعرا عربيا بارعا ومفكرا ذو اراء انتقادية لعصره ودولته ووضع الناس الاجتماعي، وكان حر التفكير ، تجرأ فانتقد بعض الاوضاع السياسية والدينية ،معتمدا على النقاش المنطقي ،ونادى بمناقشة التراث الديني عقليا ومنطقيا. فكرهه رجال الدين واتهموه بانكاره للبعث والنشور، واحيانا بالزندقة .
يعد ابو العلاء المعري مثل لوكريتس في الدين، وفولتير في الشعر والادب، ومثل يوحنا فم الذهب الذي انتقد حكامه وادى به الى المنفى والموت، بينما فرضت على شاعرنا الرائع عزلة رهيبة و زاد من تشائمه وقنوطه، اهماله من قبل الوسط الثقافي .
اعظم من كتب عنه هو شبيهه في الفكر النير، الاديب الكبير طه حسين الذي انتهى كما انتهى ابو العلاء المعري، مغضوبا عليه و مضطهدا لآراءه التنويرية

اهم المصادر
1- ويكبيديا
2- WWW.Humanistic. Org
3-www.yabeyrouth .


أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1145 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع