مؤتمر ليما ومستقبل الأرض

                                     

                       د. منار الشوربجي

لمتفائلون بنتائج مؤتمر المناخ الذي عُقد في ليما، بيرو، يعتبرون أن أهم ما أسفر عنه المؤتمر هو أنه حافظ على جدول أعمال مؤتمرات التغير المناخي من الآن وحتى انعقاد مؤتمر باريس نهاية 2015! فمجرد الاتفاق على الاستمرار في التفاوض صار في حد ذاته أمراً إيجابياً يدعو للتفاؤل، وهو أمر جدير بالملاحظة إذا ما كانت القضية بخطورة التغير المناخي.

فعلى مدار الأربعة عشر يوما الأولى من الشهر الجاري، اجتمعت وفود 196 دولة في مدينة ليما ببيرو لحضور ما صار يعرف «بمؤتمر الأمم المتحدة للدول الأطراف في الاتفاق الإطاري للتغير المناخي».

وقد تفاوضت الوفود حول مسودة الوثيقة التي سترفع فيما بعد لمؤتمر باريس نهاية العام المقبل لإقرارها. ولم يكن مفاجئا أن تتعرض مفاوضات ليما لصعوبات هائلة تمتد معها أعمال المؤتمر ليومين كاملين بعد الموعد المقرر لانتهاء أعمال المؤتمر.

ولم يكن مستغربا أن تهدد دول الجنوب برفض المسودة بالكامل وتأجيل الاتفاق لموعد لاحق. فكلما اقترب عام 2020، ينتظر أن تزداد المفاوضات صعوبة. فالعام 2020 هو العام الذي سيبدأ فيه تنفيذ الاتفاق.

فالتحولات الكارثية في المناخ ستؤثر على دول العالم كله. ولكن هناك دولا بعينها أكثر انكشافا وتعرضا لتلك التغيرات المناخية من غيرها. فدول بعينها، في جزر الكاريبي وجزر المحيطين الهادئ والهندي، معرضة للاختفاء أصلا من على وجه البسيطة. ودول أخرى معرضة للتأثر الحاد بفعل التصحر والفيضانات والعواصف المدمرة.

والخلاف الحاد الجاري في العالم يدور حول حدود مسؤولية الدول المختلفة والتضحيات التي ينبغي أن تقدمها. هل يتم توزيع الالتزامات بالتساوي أم يتم توزيعها وفق ظروف الدول ومسؤوليتها التاريخية عن الوضع الكارثي للمناخ.

فالدول الغنية تريد أن يتم توزيع المسؤولية بالتساوي بينما ترى دول الجنوب أن دول الشمال هي المسؤول الأكبر عن الانبعاثات الحرارية التي تدمر المناخ وهي بالتالي عليها أن تبدأ بتخفيض الانبعاثات الحرارية أولا قبل أن تطالب الدول النامية بالمثل.

ثم انها قد قامت بعمليات التنمية والتصنيع وصارت متقدمة وليس من حقها أن تحرم الدول الأخرى من مسار التنمية فيها ثم أنها نجحت في مراكمة الثروة على نحو صار معه بإمكانها التضحية أولا دون أن تتأثر شعوبها تأثرا فادحا.

ودول الجنوب لا تنكر خطورة التطورات المناخية ولا ترفض المشاركة ولكنها تطالب دول الشمال بمساعدتها على القيام بدورها في تخفيض الانبعاثات الحرارية. وقد كانت المعركة في ليما، كما كانت في مؤتمرات المناخ السابقة، تدور حول تلك القضايا نفسها. فالخلاف الرئيسي الذي كاد يؤدي لانهيار المفاوضات كان بخصوص آليات التأكد من قيام الدول بتنفيذ التزاماتها.

فمسودة الاتفاق الأولى نصت على أن تتقدم كل دولة بخطة تفصيلية بشأن إسهامها الخاص في خفض الانبعاثات الحرارية وهي التي سوف تخضع كلها لتحليل من جانب الأمم المتحدة بشأن مدى تأثيره الإيجابي على المناخ في تقرير يتم نشره في نوفمبر المقبل، أي قبل شهر من انعقاد قمة باريس في ديسمبر 2015.

لكن دول الجنوب رفضت أن يتم وضع آلية للرقابة على خفض الانبعاثات الحرارية وحدها دون أن يصاحب ذلك الالتزام بآلية مماثلة لمراقبة التزام دول الشمال بتقديم التمويل والتكنولوجيا اللازمة لتكييف دول الجنوب مساراتها التنموية مع التزاماتها إزاء قضية المناخ.

الأخطر من هذا كله، هو أن دول الشمال المتقدمة كانت تتفاوض في مؤتمر ليما وكأن هناك متسعاً من الوقت للمناورة والتحايل، رغم أن الجدول الزمني الذي وضعته الأمم المتحدة لمؤتمرات المناخ يعكس وضع الأزمة ويكاد يصرخ مردداً تحذيرات العلماء التي يقول لسان حالها إن الدول المختلفة عليها أن تتصرف في هذه المؤتمرات باعتبارها في حالة طوارئ ينبغي فيها اتخاذ قرارات جريئة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1149 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع