اضطهاد العلماء والمفكرين : أمثلة وعبر

                                                          

                     الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

منذ نشوء الحضارات الاولى السومرية والمصرية وغيرهما ، كان العلماء والفلاسفة، موضع انتقاد واحيانا يلاحقون اذا مافسروا الكون والحياة بابداع جديد يختلف عن تفسيرات مستشاروا الملوك ،وبعضهم كانوا يضطهدون لانهم قالوا الحقيقة .

لكن تعقد الحياة في العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة، وصراع الممالك والنزاع السياسي والا قتصادي، خلق عناصر جديدة ،جعل الناس يطالبون برفع ايدي رجال الدين، عن ادارة الدول والممالك، خاصة منذ القرن السابع عشر عندما حل عصر نشوء حضارة  انسانية جديدة ، اي بداية عصر العلم والعقلانية . ولم يتم ذلك الا بعد الصراع الذي نشب بين الكنيسة والدول الاوربية الذي قام فيه حرب المائة عام بين بريطانيا وفرنسا ،اعقبتها حركة الاصلاح الديني، التي كان من نتائجها فصل الدين عن السياسة او الدولة ، وخاصة بعد القرن السابع عشر ، حينما ”  اعلنت الكنيسة المسيحية بانها تؤمن ان الكون الذي نعيش فيه كون منظم، وان الله هو المنظم الاعظم . وقد اوجد قوانين وانماط يمكننا اكتشافها، وذلك باستعمال عقولنا ، واستنادا الى المنطق الفلسفي او العلمي . هذه حقيقة اساسية يعتمد عليها تفكير الانسان وجهوده في اكتشاف حقائق الحياة والعوالم والنجوم والكواكب التي حولنا وكذلك اصل تكون الكون دون تدخل رجال الدين ،بل انها تبارك العلماء الذين رفعوا من قدر الانسان الذي استطاع الوصول الى حقائق علمية جديدة عن الكون ،وان العلماء والمخترعين والمبدعين ،لهم الحق في التعبير عما يعتمل في ذهنهم وصولا الى الحقيقة .” (1)  وصارت السلطة في غالبية دول العالم تقترب من ممارسة الديمقراطية ،بعد ان صدرت قوانين تنظم حرية الافراد وتساوي بين الرجل والمرأة في حقوقها  وواجباتها ،واقيمت منظمة الامم المتحدة التي الغت نظم الرق وشراء العبيد من افريقيا الذي كان يجري سرا حتى عام 1948 .
 ومنذ القرن السابع عشر او الثامن عشر، نشأت العلوم التجريبية ، وتطورت عقلية الانسان واصبح يمتلك في معظم البلدان حريته التي انقذت الانسانية من كثير من العثرات والحروب العالمية والمجاعات،وسهلت سبل العيش . وبدأت الدول تصوغ لها قوانين وفق اسلوب حياتها ومسيرة شعوبها،تلتزم بها، مع احترام القيم الروحية التي تهدف اليها  الاديان والسعي الى ابرازها في خضم المادية .
وهذا يعني ان المفكرين  العلمانيين، بدأ صراعهم مع رجال الدين منذ زمن بعيد ، بل انهم تحدوا رجال الدين بعد  قيام الحضارة الرافدينية والحضارة اليونانية بقليل ،والدليل هو ان اول من اضطهد كان الشخصية الفكرية التي بدأت بمعرفة الفلسفة التي اساسها المنطق العقلاني : وهو سقراط ،الذي اعدم بأجباره على شرب السم ، وربما اعقبه  احد علماء الفلك البابليين  . وكانت تلك بداية التفكير بتاثير احكام جائرة تصدر عن الملوك اوالحكام او رجال الدين  . وكان آخر المبدعين المضطهدين في المشرق الدكتور حامد عبد الصمد (مصري اكتسب الجنسية الالمانية) ولد في  عام 1972 ، وهو  استاذ جامعي و روائي، انتقد تطبيق التشريع  الديني في العصر الحديث . وفي اوربا، الف اندرو وايت رئيس جامعة كورنيل البريطانية في اواخر القرن19 كتابا ،جمع فيه كل المضطهدين من العلماء والاطباء من قبل رجال الدين في اوربا خاصة بين القرن الثالث عشر والقرن السابع عشر، وسمى كتابه : النزاع القائم بين العلم و الدين  (2) .
ويذكر ان اول امرأة ثارت على معاملة الرجل غير المنصفة  للمرأة، كانت (هايباتيا) Hypatia من مدينة الاسكندرية وذلك في بداية القرن  الخامس . كانت هايباتيا شاعرة وفيلسوفة ،وقد ناقشت في اكاديمية الاسكندرية مكانة المرأة وعدم مساواتها بالرجل، وقالت ان رجال الدين يفسرون الكتب المقدسة لصالح الرجل ، فاعترض عليها رجال الدين ، وأثاروا الناس ضدها ، فقام الرعاع بمهاجمتها وقتلها. ذكر ذلك المؤرخ ترتليان،وقال ان افكارها الفلسفية لن تموت بموتها.(3)
 اما في عصرنا الحاضر هذا فقد اضطهد كثيرون في بعض البلدان العربية، كان اعنفها في العراق خاصة بين 2003-2008 عندما
قتل من  العراقيين اكثر من 150 شخصية من بينهم علماء واساتذة واطباء ومهندسين وضباط كبار ،كما هربت من جراء الفوضى وانعدام الامان شخصيات علمية وادبية اخرى يصعب تقديرها ، وما زال النزيف مستمرا .
 وكذلك الحال في بقية الدول العربية وخاصة مصر ولبنان وسوريا وغيرها . وفي مصر عانت شخصيات من  امثال الدكتور نصر حامد ابو زيد الذي اتهم بالترويج لفكر المعتزلة (ت.2010 )، والشيخ خليل عبد الكريم ،الذي اتهم بالفكر اليساري وسمي بالشيخ الاحمر ،وكان قد  الف كتابا متميزا توقف عن نشره ، وطلب من عائلته وهو مريض ان لاينشر الا بعد وفاته (ت 2002)، ونشر بعد عدة سنوات من وفاته بعنوان: (فترة التكوين في حياة الصادق الامين) . واغتيل الكاتب والسياسي العلماني فرج فودة القبطي الذي طالب بفصل الدين عن الدولة ، عام 1992 ، وقد اطلق سراح القاتل من قبل رئيس الجمهورية محمد مرسي. واضطهد المفكر الفذ سيد القمني ،وكان قد اجبر على تعهده بعدم الكتابة بعد نشره كتابه  الجدلي (الحزب الهاشمي) ، كما اضطهد مرات عدة في القرن الماضي ،عميد الادب في مصر الاستاذ الدكتور طه حسين ، وغيرهم كثيرون ممن اشارت اليهم الموسوعات والمصادر الموثوقة، ومن بينهم حاليا الروائي البريطاني ذو الاصل الهندي سلمان رشدي واخرهم استاذ وكاتب مصري في المانيا هو د. حامد عبد الصمد الذي كتب ثلاثة كتب عن الاسلام المتعصب، والذي شكك بعقل المسلم الذي يعتقد ان المسيحيين واليهود كفار، وان كتابيهما المقدسين محرفين، خاصة بعد العثور على نسخ  تعود الى القرن الاول للميلاد اي قبل الاسلام بخمسة قرون تقريبا،في كهوف قمران في فلسطين قرب مدينة القدس .
ولا بد لنا من ان نأخذ من هؤلاء المضطهدين  امثلة وعبر بعد ان راح ضحيتها كثير من العلماء والفلاسفة من الذين واجهوا الاضطهاد لاختلاف تفكيرهم  عن اولاءك الذي هم في السلطة او ان افكارهم  لاتتوافق مع  بعض رجال الدين المقريبين من السلطة الحاكمة ، من امثال كوبرنيكوس وكاليلو كاليلي و الفارابي ومحي الدين بن عربي ونجيب محفوظ  واوليمبة دي كوكس  واشهرهم حديثا: الروائي الشهير سلمان رشدي .(4)
المصادر
1-شعيب، الاستاذ د. روبير .الاناجيل .موقع زينت . اورك. ار. للفاتيكان .
2- White , Andrew. Warfare of Science with Theology. 1895
3-- Walsh , Sean Noah. Perversion and the Persecution. 2012


1- سقراط، بداية الفلسفة (ق5 ق.م.)

اول المضطهدين الذين نعرفهم من العلماء والمبدعين ،هو سقراط او بالاحرى سوكريتس،الذي عاش حوالي 71 سنة بين (469 -399 ق.م.) .  تعد افكاره بداية لمعرفة الفلسفة وتكوينها وبضمنها  الاخلاق . نشأ في اثينا مركز الحضارة التي قامت في اليونان ، بعد أفول الحضارة البابلية الجديدة في اواخر القرن السادس قبل الميلاد . وقد تسلم اليونانيون تراثا غنيا ، جاءها من الحضارات السومرية والمصرية والبابلية والاشورية والفينيقية ، وأضافوا  اليه علوم الطب والسياسة والفيزياء ومعارف اخرى مثل التاريخ والجغرافية والفلسفة والمنطق وكذلك فن الخطابة والمسرح .
 كان لسقراط تلاميذ مبدعون، ابرزهم افلاطون وارسطو وزينفون واريستوفان :  هؤلاء الذين مهدوا لنا الطريق لنعرف كيف نفكر . وتعلمت منهم الاجيال التالية، كيف تفكر وفق منطق صحيح، حتى عصر النهضة الاوربية في القرن السابع عشر ، حينما جدت فلسفات جديدة .
بدأ سقراط في مدرسته التي افتتحها في أثينا، بشرح مفهوم الاخلاق الى تلاميذه، واليه ينسب اسلوب السخرية السقراطية التي تسعى الى الاقلال من اهمية جوهر اية قضية تعرض على النقاش ،وهذا يتطلب من المقابل دفاعا مستميتا عن قضيته باعتماد المجادلة والتفكير الحر ، وبهذا فتح سقراط طريق الفلسفة والمنطق . ولايزال المنهج السقراطي اساسا للحوار والمناقشة . من المشكلات التي جابهت المؤرخين انه لم يخلف لنا سقراط نتاجا فكريا سوى ما رواه عنه تلاميذه . والده يدعى سوفرينسكوس . تزوج سقراط فتاتا، كانت تصغره كثيرا ، انجبت له ثلاثة ابناء .عمل في بداية حياته  ،في تجارة الحجر المهندم، قبل ان يتعلم ويقرأ كثيرا .ثم خدم سقراط في جيش ولاية اثينا ، وخاض ثلاثة معارك،اشار اليكسبادس كيف انقذ سقراط حياته في احدى المعارك . صار بعد عودته عضوا في مجلس الشيوخ الحاكم في ولاية اثينا. وحينما اثيرت في مجلس الشيوخ، مسالة تلكأ بعض القادة في الجبهة، وضرورة اعدامهم ،ابى ذلك ودافع عنهم . ومنذ ذلك الحين اتهم بالتهاون،وفي اثناء مناقشة الموضوع اثنى على اسبارطة،المنافسة لاثينا، فزاد الامر من حنق اعضاء مجلس الشيوخ واتهموه اتهامات عديدة تصل الى الخيانة منها تخريب عقول الشباب في آرائه ،فسماهم بالحمقى ، كما اتهموه  بأنه لم يعد بؤمن بالالهة الوثنية الاثينية . واحيل الى المحاكمة ،حقدا عليه وللتخلص من افكاره لاباعدامه بقطع راسه،  بل بشربه السم حتى يتخلصوا منه دون ضجة من تلاميذه ومريديه .
ذكر زينون ان سقراط القى دفاعا جريئا امام هيأة المحلفين ، وكان لايهمه ان يحكموا عليه بالموت، مادام هو يشعر بانه بريىء ،وان افكاره تمثل معرفة الحقيقة  ، فحكم عليه بالموت . طلب منه تلاميذه ان يساعدوه للهرب خارج اثينا ،فرفض ذلك واعتبر هروبه يدل على الجبن وعلى التخلي عن اراءه الفلسفية . وفي حوار كتبه تلميذه افلاطون : جاء على لسان سقراط ،” بانه  لايخاف من الموت ،بل انه سيتحرر بعد موته ، فالموت هو شفاء للروح لتحررها من الجسد “ . كما اوضح تلميذه الاخر زينوفون ان اسلوب سقراط كان السبيل لتفتح عقول الاثينيين . هرب تلاميذ سقراط بعد ذلك من أثينا ، وتركوا معه في السجن،صديقه (كريتو) الذي سلم له كاس السم في السجن، فشربه كله وظل يتمشى لبضعة دقائق حتى انهار ومات بين يدي كريتو . (1)
كان سقراط قد بدأ الخطوات الاولى في الفلسفة التي سيكملها افلاطون وارسطو .
 ركز سقراط على الاخلاق، ورأى ان الخصال الحميدة هي عبارة عن عطاء مقدس، اكثر منها ان تكون تربية ابوية كيفما اتفق . ويرى ان على الانسان ان يركز في حياته على تطوير نفسه اكثر من اهتمامه بالاشياء المادية . وان الامور المثالية هي انعكاس لانسان حكيم. لم يبدأ علم السياسة الا من فكر ارسطو ، لكن سقراط نادى بحرية الانسان بقبول مايراه صحيحا في عقله. كان سقراط يدعو الى الفضيلة،فهل سبق الابرار والقديسين في سموه وفي احترام القيم الروحية ؟واشار الى الفضيلة موجودة اساسا قي النفوس النقية، قبل ان تختلط بالامور المادية .
كان سقراط فيلسوف الحقيقة التي لم يتح له اكشافها كلها بعد .
قال عنه كريفون : لم اجد من الناس من هو اعقل من سقراط واكثر منه حكمة . وقال عنه الخطيب المفوه شيشرون : لقد انزل سقراط الفلسفة من السماء الى الارض .
من ابرز اقوال الحكيم سقراط :
1- أعرف نفسك .
2- هناك شيئآ واحدا جيدآ : المعرفة .
3- التعليم هو حجر اللهيب ، وليس وعاء آ تملأه .
4- بكل استطاعتي اقول لك تزوج : فأذا وجدت المرأة الطيبة ، فستكون سعيدا ، واذا لقيت المرأة غير الطيبة ، فستكون فيلسوفآ .
5- العقول القوية تناقش الاراء ، والعقول المتوسطة تناقش ما يحدث ، والعقول الضعيفة تناقش ما يقوله الناس! (2)

اهم المصادر
1- www. Anciant Greese.com
2- Burn , A.R. And Burn , Mary. The Living Past of Greece. Toronto : 1980. P. 14, 86,172

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

783 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع