لماذا «مالالا»؟

 

                                             
لماذا استحوذت قصة خاصة من باكستان على اهتمام عالمي لم تلق مثله أي قصص ومآس كبرى قد تكون أفدح من حيث الكلفة الإنسانية.

نعم، نتحدث عن قصة «مالالا يوسفزي»، الطفلة الباكستانية التي حاولت حركة طالبان باكستان قتلها بسبب نشاطها التدويني وحضورها الإعلامي وإصرارها على الذهاب إلى المدرسة. لقد تجرأت «مالالا» على اقتراف العلم. وتعليم الفتيات «جريمة» كانت طالبان أصدرت حكمها فيها، ويتمثل هذا الحكم بأن التعليم ممنوع على الفتيات، وبما أن «مالالا» خرقت هذا الحظر فيتوجب قتلها حسب ما قالته طالبان في بيانها الذي تبنت فيه محاولة قتل الصغيرة الباكستانية من إقليم «سوات».

أطلق مسلحون من طالبان رصاصات على الطفلة «مالالا» لكن الصغيرة الشجاعة لم تمت، وها هي الآن تعالج في بريطانيا. إذن: «مالالا» بطلة قصة تمكنت من مخاطبة الرأي العام العالمي وحركته حتى باتت حكومات تتنافس على تمويل علاجها ومتابعة قضيتها.

عناصر القصة إذا ما أراد المرء استخراجها من الرواية هي: فتاة جريئة - تعليم بنات – طالبان – قتل طفلة - أرشيف على «يوتيوب» لصور ومقابلات أجرتها مالالا. وفي معظم الصور والمقابلات المصورة كانت مالالا تجابه بأسئلة عما إذا كانت خائفة من طالبان؟, فكانت على الأغلب تبتسم بارتباك وتؤكد بشجاعة طفولية أنها ستكمل ما هو حقها. تحدثت عن كوابيسها وخبأت دموعا ذرفتها وهي تتحدث عن قلقها على أبيها مدير المدرسة، وعن حزنها لأنها لن ترتدي زي المدرسة، وكيف تخبئ كتبها في ملابسها..

كل هذه العناصر السابقة إذا ما أضيف إليها محاولة الاغتيال واحتمالات نجاة الطفلة هي ما مكّن القصة من أن تستحوذ على اهتمام الإعلام العالمي.

لنا كصحافيين تمثل هذه العناصر مادة نموذجية لتقديم قصة صحافية فيها كل عناصر الظلامية التي تتعرض لها مجتمعات والتي نرويها بأخبار رئيسية من نوع ثورات وحركات تغيير وانتخابات وتغييرات مجتمعية. القصة في حالة «مالالا» تمت أنسنتها ونقلها من رواية عامة لمأساتنا إلى رواية خاصة لها بطلتها، وهو ما ينطوي على جاذبية صحافية وإنسانية لا يسع أي شخص سوى أن يتفاعل معها.

لكن حكاية «مالالا» أتت في زمن تكثر فيه المآسي والحكايات الحزينة والصادمة حتى بات لا يفاجئنا شيء، إذ أصبحت الجرائم مهما تعاظمت تتساوى مع الصغائر منها.

لكن ما هو كارثي أكثر أننا بتنا، لانعدام ردود فعلنا، قاصرين عن المبادرة والحركة، وهذا القصور ليس جسمانيا فقط، بل يكاد يكون ذهنيا وشعوريا أيضا.

القتل المجاني يحيط بنا في أكثر من مجتمع ودولة، وهو في سوريا مثلا لا يستثني أحدا، من أجنة في بطون الأمهات، وصولا إلى من هم على وشك مغادرة الدنيا. الجميع يقتل سريعا وبأبشع الصور، فلماذا سنهتز إذا أقدمت حركة «طالبان» باكستان على محاولة اغتيال الطفلة الشجاعة «مالالا يوسفزي؟».

في الحقيقة يجب أن نهتز ونصدم ليس فقط لأن «مالالا» فتاة شجاعة وتعرضت لظلم فادح، يجب أن نهتز، حتى لا ننسى أيا من الضحايا ولنحييهم كما نحيي «مالالا»، ونحلم لها بمدرسة آمنة خالية من شرور «طالبان».

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

856 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع