الحرة:كيف ستعيد إيران تموضعها؟ هل تستثمر بشكل أكبر في الساحة السياسية العراقية؟ هل تستطيع المحافظة على نفوذها في العراق أم دخل مرحلة العد التنازلي؟
أسئلة تُطرح بقوة منذ إسدال الستار، حتى ولو مؤقتا، على المواجهة العسكرية بين إسرائيل والولايات المتحدة وبين إيران، واقتراب موعد الانتخابات التشريعية في العراق، في نوفمبر المقبل.
تلقى بعض وكلاء إيران، خصوصا حماس وحزب الله والحوثيون، ضربات عسكرية موجعة خلال الأشهر الماضية على يد إسرائيل، قبل أن تواجه طهران نفس المصير في حرب استمرت 12 يوما مع إسرائيل في يونيو من هذا العام.
فتحت الضربات العسكرية الأميركية والإسرائيلية لإيران الباب أمام سؤال أعمق: هل يمكن أن تمتد خسائر الحرب لتشمل الساحة السياسية، خاصة في دولة العراق حيث تلعب الانتخابات دورا في تشكيل السلطة؟
“نعم،” يمكن ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في الجامعة اللبنانية الأميركية، عماد سلامة، “خصوصا في العراق، حيث بات النفوذ الإيراني موضع تحدٍّ سياسي، لا عسكري فقط”.
“في الوقت الذي أضعفت فيه الضربات الإسرائيلية وكلاء إيران ميدانيا، يمكن للانتخابات العراقية أن تمثل ما يشبه الرد الديمقراطي على نموذج الوكالة الإيراني،” يضيف سلامة.
“الهيمنة الصامتة”
في العراق، يتجلى النفوذ الإيراني عبر شبكة واسعة تضم فصائل مسلحة منضوية ضمن الحشد الشعبي، وكتلا سياسية رئيسية تشكل جزءا أساسيا من العملية السياسية والحكومة.
هذه الشبكة أتاحت لإيران التأثير في صناعة القرار العراقي، لضمان مصالحها الأمنية والاقتصادية. مع ذلك، يواجه هذا النفوذ تحديات متزايدة قد تجعل الانتخابات المقبلة في نوفمبر “نقطة تحول حاسمة”.
الضربات الإسرائيلية المتكررة ضد وكلاء إيران، وإن كانت عسكرية بالدرجة الأولى، لها تداعيات سياسية أيضا.
يمكن أن تؤدي هذه الضربات إلى إضعاف القدرات العسكرية للوكلاء بشكل مستمر، وقد تؤثر أيضا على هيبتهم وقدرتهم على ممارسة الضغط السياسي داخل دولهم.
من ناحية أخرى، يعتقد رئيس مركز التفكير السياسي العراقي إحسان الشمري، أن إيران بعد تراجع مشروعها الإقليمي “ستركز بشكل أكبر على العراق”.
ستلجأ إيران إلى “استراتيجية الإمساك الصامت في هذا الوقت،”، يقول الشمري، فهي “لا تريد في الوقت الحالي أن تستفز الولايات المتحدة في الجغرافية العراقية”.
في الوقت ذاته تحاول طهران ضمان “عدم تحول العراق إلى ساحة استهداف لحلفائها سواء سياسيين أو حتى الفصائل المسلحة التابعة لها،” يضيف الشمري.
انقسام البيت الشيعي
المكون الشيعي في العراق ليس كتلة واحدة متجانسة.
هناك انقسام واضح بين القوى المقربة من إيران (مثل كتلة الإطار التنسيقي) وتيارات وطنية وقومية شيعية، أبرزها التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر.
التيار الصدري، الذي يتمتع بقاعدة شعبية واسعة وقدرة على التعبئة، يعارض صراحة التدخلات الخارجية ويدعو إلى تعزيز سيادة الدولة العراقية.
إذا تمكنت القوى الوطنية، سواء الصدرية أو العلمانية أو المدنية، من التوحد في جبهة انتخابية قوية، فمن الممكن أن تكتسح الانتخابات البرلمانية وتكرر سيناريو انتخابات 2021 التي حقق فيها التيار الصدري فوزا كبيرا.
مثل هذا الفوز سيمثل “ضربة سياسية” لوكلاء إيران، ليس بالمعنى العسكري، بل من خلال تقليص تمثيلهم البرلماني وتهميشهم سياسيا، ما يعزز الأصوات المطالبة بالسيادة وحصر السلاح بيد الدولة.
رغم إعلان مقاطعته للانتخابات، ترك مقتدى الصدر الباب مفتوحا لاحتمال المشاركة غير المباشرة عبر دعم قوائم انتخابية معينة.
حسب سلامة، “إذا نجح التيار الصدري والفصائل الوطنية الأخرى في التوحد ضمن جبهة سياسية واحدة، فقد يحققون نصرا شبيها بما حدث في انتخابات 2021، خاصة في ظل تزايد الاستياء الشعبي من الميليشيات المدعومة من إيران وفشل الحكومة في تقديم الخدمات”.
هذا الفوز سيمثل “ضربة سياسية” لوكلاء إيران، يقول سلامة.
تحديات
تواجه إيران تحديات كثيرة في ما يتعلق بمصير حلفائها في الانتخابات المقبلة في العراق.
تشهد الساحة العراقية تغيرات عميقة قد تعيق طموحاتها، ومنها:
تصاعد الحس الوطني وخاصة لدى فئة واسعة من الشباب، الذين يرفضون تدخلات إيران في الشأن العراقي، ويحملونها مسؤولية جزء من أزمات البلاد الأمنية والاقتصادية.
لا يزال التيار الصدري، رغم انسحابه المؤقت من البرلمان، يمتلك قاعدة جماهيرية قادرة على قلب موازين المعادلة الانتخابية.
في المقابل، تعاني الفصائل الموالية لإيران من خلافات بنيوية، ما يضعف قدرتها على العمل ضمن جبهة موحدة.
تطورات الداخل العراقي، تسير بموازاة اهتمام دولي، أميركي خصوصا، داعم لنزاهة الانتخابات، والتصدي لأي محاولة للتلاعب أو التزوير، وهو ما قد يحد من قدرة طهران على التأثير.
بدأت المقاربة الأميركية تجاه العراق وإيران تتضح أكثر.
دبلوماسية الاتصالات الهاتفية، وتحديدا حديث وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تبين أن “واشنطن قلقة وتشعر بتصاعد للنفوذ الايراني في الداخل العراقي”.
هذا التوجه الأميركي يضع حلفاء طهران في العراق في موقف حرج، فـ “حلفاء طهران في العراق حالياً في لحظة ارتباك سياسي كبير. هم يستشعرون بخطر المواجهة مع واشنطن أو حتى القلق من الاستهداف الإسرائيلي، بالتالي كخطوة استراتيجية تكتيكية قد يتخلون في مرحلة ما عن إيران”.
يرى الشمري أن طهران تدرك أن “مشروع الشرق الأوسط الجديد سيمر في العراق، وبالتالي قد تؤجل إلى حد ما هيكلة وجودها أو نفوذها في الداخل العراقي”.
بالتالي يمكن أن تكون الانتخابات المقبلة فرصة حقيقية لإحداث تحول سياسي يقلص من نفوذ وكلاء إيران، وهو ما قد يدفع إيران لزيادة استثمارها السياسي، ولكن ضمن بيئة أكثر تعقيداً ومقاومة.
“إذا ما قررت الولايات المتحدة الأميركية إنهاء هذا النفوذ فلن يكون هناك سيطرة كبيرة جدا لإيران على حلفائها،” يقول الشمري.
839 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع