الحشد الشعبي شارك في معارك تحرير جرف الصخر من داعش عام 2015 - أرشيف (رويترز)
الحرة:تشهد الساحة السياسية العراقية حراكًا تقوده تيارات سياسية، للضغط باتجاه انسحاب الميليشيات الموالية لإيران من عدد من المدن والبلدات ذات الغالبية العربية السنية خلال الأشهر المقبلة قبل الانتخابات التشريعية، التي من المقرر إجراؤها في أكتوبر المقبل.
ويُشكل ملف سيطرة الميليشيات المسلحة الموالية لإيران على عدد من المدن والبلدات ذات الغالبية العربية السنية في العراق أبرز عائق أمام عودة النازحين إليها، رغم تكرار الوعود الحكومية والسياسية خلال الأعوام الماضية لإعادة النازحين، لكن دون جدوى.
وتضمن قسم من مطالب الأطراف السنية في ورقة الاتفاق السياسي، التي شاركت بموجبها هذه الأطراف مع الإطار التنسيقي في تشكيل الحكومة الحالية، إعادة جميع النازحين إلى مدنهم الأصلية، وإنهاء تواجد الميليشيات في المدن والبلدات التي تسيطر عليها، وإخراج الحشد الشعبي من مراكز المدن والأحياء السكنية شمال وغرب العراق.
وكشف عضو المكتب السياسي في حزب تجمع التعاون، برهان النجرس، لموقع "الحرة"، عن استمرار المفاوضات بين القوى السياسية السنية والإطار التنسيقي لإعادة النازحين إلى جرف الصخر والبلدات والمدن الأخرى منزوعة السكان.
وأوضح النجرس: "تجري حاليًا مفاوضات بقيادة رئيس مجلس النواب محمود المشهداني لتنفيذ ورقة الاتفاق السياسي الموقعة مع الإطار التنسيقي. المشهداني، وبعد زيارته إلى إيران مطلع فبراير الحالي، عاد بوعود من أطراف عدة مؤثرة في الشأن العراقي لإعادة النازحين إلى بلدتي العويسات وجرف الصخر خلال الفترة القادمة".
لكن محمد الجنابي، وهو شاب عراقي نازح من بلدة جرف الصخر، يرى عودة النازحين إلى المنطقة أمرًا صعبًا، معتبرًا وعود السياسيين دعاية سياسية تتكرر بشكل مستمر قبيل كل عملية انتخابية تشهدها البلاد.
واضطر الجنابي إلى النزوح مع عائلته وأقربائه عام 2014 من بلدتهم جرف الصخر إثر المعارك التي شهدتها البلدة بين ميليشيات منضوية في هيئة الحشد الشعبي ومتشددي تنظيم داعش.
وانتهت المعارك بتحرير المنطقة من داعش، ولكن الميليشيات سيطرت على جرف الصخر وأطرافها، قبل أن تتحول إلى منطقة منزوعة السكان.
ويقول الجنابي لموقع "الحرة": "بعد بضع سنوات من النزوح، حصلت على وظيفة في محافظة الأنبار وبموجبها نقلت عائلتي من مخيم بزيبز إلى داخل إحدى مناطق المحافظة، لكن عددًا كبيرًا من ذوينا وأقربائنا لا يزالون يعيشون أوضاعًا إنسانية صعبة في خيم وكرفانات عشوائية بمنطقة بزيبز بمحافظة الأنبار".
وتشير الإحصائيات الصادرة عن فرع الهجرة والمهجرين في محافظة الأنبار إلى وجود 4006 عائلات نازحة داخل العشوائيات التي لا تزال تحتضنها المحافظة، وغالبية النازحين فيها هم من سكان جرف الصخر والعويسات.
وتسيطر الميليشيات العراقية، وفي مقدمتها ميليشيا كتائب حزب الله العراق وعصائب أهل الحق ومنظمة بدر وكتائب الإمام علي والنجباء وكتائب سيد الشهداء، على عدد من المدن عقب تحريرها من تنظيم داعش.
ومن أبرز هذه المناطق، بلدة جرف الصخر جنوب بغداد، وبلدة العويسات في محافظة الأنبار، وبلدات يثرب والعوجة وسليمان بيك وعزيز بلد في محافظة صلاح الدين، إلى جانب مناطق في محافظة ديالى.
وفي أكتوبر الماضي، قال المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين، علي عباس، لوكالة الأنباء العراقية الرسمية، إن "عودة النازحين مستمرة إلى مناطقهم، ولم تبق سوى منطقتين، واحدة منهما هي جرف النصر (جرف الصخر)، وهي منطقة أمنية مغلقة حتى الآن، وقرارها مرتبط بأبعاد أمنية وسياسية".
يُذكر أنه، وبحسب بيانات سابقة، برر قادة الميليشيات المنضوية في الحشد الشعبي تواجد قواتهم في جرف الصخر والمدن الأخرى الخالية من السكان، بأن هذه المناطق لا تزال تشكل خطرًا أمنيًا وتشهد تحركات لخلايا تنظيم داعش.
ونفت ميليشيات الحشد مرارًا عزمها تنفيذ أي عمليات تغيير ديمغرافي في هذه المناطق.
ووفق معلومات حصل عليها موقع "الحرة" خلال إعداد هذا التقرير، حوّلت الميليشيات هذه البلدات إلى مناطق عسكرية مغلقة تضم قواعد ومخازن أسلحة ومصانع تجميع الطائرات المسيرة والصواريخ إلى جانب مراكز استخباراتية مشتركة بين فيلق القدس "جناح الحرس الثوري الخارجي" والميليشيات الموالية له في العراق والمنطقة.
وفي 30 يوليو الماضي، قُتل 4 من مسلحي الحشد الشعبي وأُصيب 4 آخرون في غارة جوية نفذتها طائرة مسيرة على دوريتين تابعتين للحشد الشعبي في جرف الصخر، بحسب بيان للحشد.
وقال السياسي العراقي المستقل، مثال الآلوسي، لموقع "الحرة"، إن أحد أبرز مهام الميليشيات هو السيطرة على المناطق التي لا تدين بالولاء لولي الفقيه الإيراني.
ووفق الآلوسي، استخدمت إيران وميليشياتها قاعدتين لتنفيذ خططها، تمثلت الأولى بتجنيد وتكليف وشراء سياسيين من هذه المناطق، تحديدًا السنية وبعض المناطق الكردية، إضافة إلى إرهابهم.
ولفت الآلوسي إلى أن الهدف كان واضحًا، وهو ربط بغداد بالحدود الإيرانية من خلال إدخال ديالى في فراغ أمني وسياسي وعسكري كبير، وشمل هذا جرف الصخر والطارمية وسامراء وصولًا إلى محافظة صلاح الدين.
واعتبر أن ما شهدته المدن والبلدات المذكورة محاولات إيرانية واضحة للهيمنة على العاصمة بغداد والقرار السياسي من خلال عمليات التهجير والاغتيالات والاختطافات وتغييب الدولة حتى عن حماية مواطنيها.
أما القاعدة الثانية، فتمثلت ببسط النفوذ الإيراني على المناطق الممتدة إلى منفذ القائم الحدودي مع سوريا، وبسط النفوذ عبر السيطرة على الموصل باتجاه الحدود السورية.
وذلك في إطار مساعي إيران لإقامة "إمبراطورية ولي الفقيه والحرس الثوري" وتكوين منظومة متكاملة من حماس وحزب الله والنظام السوري السابق والميليشيات الموجودة في سوريا إلى جانب العراق وإيران، وفق الآلوسي.
بيد أن الآلوسي اعتبر أن التحولات الجيوسياسية في المنطقة الناجمة عن سقوط نظام الأسد في سوريا والخسائر الفادحة التي تكبدها حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة تشير إلى تغيرات كبيرة سيشهدها العراق وإيران على حد سواء.
1293 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع