بالي (إندونيسيا): جوسلين إيليا:لم أجد أفضل مما يعبر عن وصف بالي بكلمات معدودة في العنوان إلا أن أستعين بالشاعر ابن حمديس أرق شعراء الأندلس الذي كتب في قصيدته بعنوان: «قضت في الصبا النفس أوطارها» بيتا رائعا يقول: «هدانا إليها شذا قهوة تذيع لأنفك أسرارها»، وبالفعل سر القهوة في بالي أفشى لنا بأسرارها وتاريخها وخباياها.
لكل حكاية بداية، وقصتنا بدأت في دبي وبالتحديد في مطارها في تمام الساعة التاسعة وأربعين دقيقة صباحا، حيث كانت عقارب الساعة تشير إلى ولادة وجهة جديدة لطيران الإمارات التي أطلقت مع بزوغ صباح الثالث من يونيو (حزيران) أول رحلة مباشرة لها إلى جزيرة بالي الإندونيسية، لتنضم هذه الوجهة إلى قصة نجاح الناقلة الآخذة في التوسع والتألق.
بعد ترحيب من الطيار بالمسافرين وبالوفد الصحافي، كانت تخيم على المقصورة في الطائرة أجواء من السعادة لأن هناك تسع ساعات فقط تفصلهم عن رؤية بالي جزيرة المعابد والقهوة والطقوس الفولكلورية ووجهة الرومانسية والزهور وشهر العسل والرقص والفنون.
مضت تسع ساعات وكأنها لحظات، ولم يكن وصولنا إلى مطار «دنباسار» عاديا، فكان بانتظارنا مهرجان حقيقي، يجسد الفولكلور الإندونيسي، وكان خصر الراقصات النحيل يتمايل على أنغام الموسيقى ووجوههن مرسومة بأبهى الألوان، وكانت تعبق من زوايا قاعة الوصول رائحة الزهور التي زينت المكان ولفت أعناقنا قلادات مصنوعة من الزهرة الصفراء الشهيرة في بالي التي ترمز إلى حب الله.
* الإقامة
لم ينته مهرجان الزهور والموسيقى، فعند وصولنا إلى منتجع «ميليا بالي» Melia Bali لم يبخل العاملون علينا باستقبال ملوكي على طريقة أهل بالي «البالينيز» Balinese وتجدد مشهد الزهور بالإضافة إلى تقديم عصير الفاكهة الاستوائية داخل ثمرة جوز الهند التي حفرت عليها أسماء الواصلين إلى الفندق، من دون أن ننسى قلادة عملاقة أخرى من الزهور والمنشفة المعطرة والباردة التي غالبا ما تكون رفيقتك أثناء زيارتك البلدان الآسيوية.
مثل جميع الفنادق والمنتجعات الآسيوية البهو الرئيسي مفتوح، ولكن ما يميز منتجع «ميليا بالي» هو السقف العالي للبهو الذي يحكي قصة بالي من خلال رسومات تجسد فلسفة الـ«تري هيتا كارانا» وهي عبارة عن خلق توازن وتناغم ما بين الله والإنسان والبيئة، وهذه الرسومات تشكل ثلاث طبقات مختلفة، ومع اختفاء الشمس وراء الأفق البعيد تبدأ موسيقى الـ«غامولان» تصدح في المكان بوجود راقصتين تقومان بالاحتفاء بقدوم الليل.
المميز في المنتجع الذي تملكه شركة إسبانية هو أنه أول منتجع تابع لشركة «ميليا هوتيلز» بني خارج إسبانيا ويتميز بهندسة مميزة صممها الإسباني إيميليو نادال، الذي حاول جاهدا إلى استعمال كل التفاصيل في الثقافة الإندونيسية وتحديدا في بالي فكانت النتيجة جلسات مريحة وأثاثا مزخرفا على الطريقة التقليدية، ويتمتع المنتجع بشاطئ خاص وغرف وفيلات تتفاوت من حيث الحجم بحسب الموقع والميزانية، فبعضها مطل على بركة سباحة حلزونية تلف محيط الغرف بالكامل وبعضها الآخر قريب من البحر أو بمحاذاة برك السباحة الرئيسية في المنتجع.
أكثر ما شدني في المنتجع هو أزياء العاملين وطريقة تعاملهم مع الزوار، فالخدمة أكثر من جيدة وهذا يعود إلى الثقافة الإندونيسية وطيبة أهل بالي، إضافة إلى موقع المنتجع في منطقة نوسا دووا التي لا تبعد أكثر من 15 دقيقة من المطار. للمزيد من المعلومات: www.meliahotels.com
* وجهة الرومانسيين
صادفت زيارتي مع حدث مهم في روزنامة الرومانسية في بالي التي تعتبر من أهم عناوين الباحثين عن قضاء فترة شهر العسل، فشهد المنتجع الذي كنت أمكث فيه زفافا جماعيا ضم 220 رجلا وامرأة جاءوا من الصين لإعلان حبهم للملا وليقولوا كلمة «نعم» في الهواء الطلق، واللافت هو أن الأزواج قاموا بعقد قرانهم عند نحو الساعة الثالثة بعد الظهر ومن بعدها توجهوا إلى الشاطئ ليبدأوا حياتهم الزوجية من خلال رحلة مشي تدغدغ خلالها الرمال الداكنة أقدامهم.
وبما أننا ذكرنا الشاطئ فلا بد من التنبه لشيء مهم، وهذا رأيي الشخصي، ألا وهو أن الشواطئ في بالي ليست الأجمل في العالم، والسبب يعود إلى شيئين هما: طبيعة بالي البركانية التي تجعل رمال البحر داكنة اللون، أما السبب الثاني فهو أن بالي تتأثر بالمد والجزر وهذا يعني بأنه يتعين عليك الانتظار في بعض الأحيان لقدوم مياه البحر إلى الشاطئ والسباحة إلى أن تعود المياه أدراجها وإلا فستجد نفسك لاصقا على الرمال مثلك مثل حال القوارب الصغيرة الراسية بالقرب من الشاطئ.
ولكن يبقى منظر المغيب من أجمل ما يمكن أن تشاهده في بالي، بالإضافة إلى الشماسي الملونة التي تجدها في جميع الأماكن وتتدلى منها تصميمات جميلة، وهي تستعمل أيضا لحماية التماثيل المتواجدة عند مداخل المعابد الخاصة والعامة من حرارة الشمس.
**أجمل الزيارات
* معبد أولواتو Uluwatu Temple
في بالي نشاطات كثيرة يمكنك القيام بها، فبعد تعديل بسيط على برنامجنا السياحي ليتناسب مع ما يفضله السائح العربي، قررنا زيارة واحد من أهم وأشهر معابد الجزيرة، وأنصح هنا بزيارته فترة المغيب، لأنه يقع على جرف منحدر صخري مطل على المحيط الهندي، تتكسر أمواجه عند قدم الصخر ويمكن الوصول إلى القمة مشيا على الأقدام، ولكن عند الوصول يطلب منك بأن تغطي الجزء الأسفل من الجسم بقطعة من القماش تعرف باسم «سارونغ» ومزخرفة بنقشات يطلق عليه تصميم «باتيك» وتلف منطقة الخصر بوشاح باللون الأصفر، وهذا اللون يدل على احترام الإلهة، وفي حال كان اللباس محتشما يمكنك الاكتفاء بلف خصرك بالوشاح فقط.
من هذا المعبد تستطيع التقاط أجمل الصور لمنظر الغروب، وكم هو جميل مشهد الشمس وهي تودع الأفق، لتتحول أصوات الحاضرين إلى شبه صمت تام وهم يشاهدون روعة تحبس الأنفاس.
* رقصة كيساك Kecak Dance
هذه رقصة فولكلورية تعتز بها بالي، يشارك بها راقصون وراقصات على الموسيقى الإندونيسية التي قد لا تروق للجميع نسبة لتكرار نغماتها، ولكن تبقى طريقة الرقص والتعبير عن ملحمة من خلال مشاهد حية وفي الخلفية غروب الشمس تجربة لا بد منها، حيث تقام هذه الرقصة فترة المغيب في معبد «أولواتو».
* رحلة على الدراجات الهوائية
في كل مدينة أو جزيرة أزورها أسعى دائما لركوب الدارجة الهوائية لأنها من الطرق التي تعرفك على أرجاء المكان بطريقة رائعة، لأنك تتمكن من التوقف متى تشاء عندما يشدك مشهدا ما، فبعد رحلة بالسيارة من المنتجع إلى منطقة أوبود Ubud التي تبعد نحو الساعة والنصف من الزمن، يمكن أن تستأجر دراجة هوائية تأخذك في رحلة تمتد لنحو 27 كلم، والجميل في الأمر هو أن الرحلة تكون على مدى طريق منحدر فلا حاجة لمجهود بدني كبير، وخلال الرحلة تتعرف على العاملين في حقول الأرز في المنطقة وتشاهد أيضا العاملين في أماكن مخصصة لحفر وزخرفة الحجارة التي تستعمل في المعابد.
وخلال الرحلة توقفت على مزارع كثيرة، تعرفت إلى الأهالي، فكانت أجمل تجربة قمت بها في بالي، لأنني تعرفت إلى طيبة شعب لم تفسده التكنولوجيا والطاقة السلبية التي تشع من بعض سكان المدن الكبرى، فعندما التقطت صورا لبعض العاملين في الحقول من بينهم سيدة في سن الثمانين من العمر ولا تزال في كامل أناقتها وشكلها الجميل، لم أصدق عيني عندما رأيت السيدة وهي مصابة بنوبة من الضحك بعدما رأت صورتها على هاتفي الجوال، فتخيل طيبة هؤلاء الناس الذين لم يروا شيئا في حياتهم غير مزارع الأرز والمسافة التي تفصل ما بين بيوتهم المتواضعة والحقول الخضراء.
وأشار دينا مرشدنا السياحي إلى نقطة مهمة جدا وهي عدم وجود أي شخص من أهالي بالي مشردا أو من دون منزل خاص، فالحكومة تقدم لكل شخص مساحة مائة متر بمائة متر ليعيش المرء بكرامة وليكون لديه فسحة خارجية يبني فيها معبدا خاصا له ولعائلته، فالأغلبية في بالي هم من الهندوس ولكن يوجد بالجزيرة مسجد وكنيسة أيضا، والتعايش الديني في بالي واضح من خلال طريقة تعاطي السكان مع بعضهم البعض ومع الزائرين من باقي جزر إندونيسيا البالغ عددها 17 ألف جزيرة.
والمعلومة الثانية التي أتحفنا بها دينا، الذي يتكلم بشكل مستمر، هي أن الرجال في بالي يلفون رؤوسهم بعصبة من القماش والسبب لأنها تساعدهم على التركيز بشكل أفضل ومقاومة إغراء المرأة، وقد يكون دينا على حق لأنه في اليوم الذي تخلى فيه عن زيه التقليدي ليتمكن من ركوب الدراجة كان يعاني من ألم بالرأس، مما جعله يتوقف عن الكلام، وهنا يمكن القول: مصائب قوم عند قوم فوائد.
تجدر الإشارة إلى أنه من الممكن أن تتسلق بركان «باتور» Batur القريب، أو تكتفي بالتقاط الصور له من بعيد وتحديدا من النقطة التي تبدأ عندها رحلة الدراجة بعد تناول الشاي والموز المقلي والعسل في المقهى المقابل. وفي طريقك إلى الجبل يمكنك التقاط الصور عند مدرجات حقول الأرز الخضراء.
* سوق أوبود Ubud Market
لا تكتمل زيارة بالي إلا بعد أن تتوجه إلى منطقة أوبود التي تتميز بأجواء غربية لا تشبه باقي أجزاء الجزيرة، غالبية الزوار من أستراليا نسبة للقرب الجغرافي، وتجد في المنطقة الكثير من الفنادق الصغيرة والمطاعم، إضافة إلى السوق الكبيرة التي تجد في محلاتها الصغيرة منتجات محلية وتذكارات، يجب ألا تنسى بأن المفاصلة مهمة، فأفضل طريقة للحصول على أفضل سعر هي أن تعرض على البائع نصف السعر الذي عرضه عليك.
* أغلى قهوة في العالم
بعد زيارة السوق يكون قد حان وقت تناول القهوة، ولكن ليس أي قهوة، إنها أغلى قهوة في العالم تنتجها إندونيسيا، تحديدا في جزر بالي وجاوة وسومطرة، وهذه القهوة غالية وبنفس الوقت مثيرة للجدل ويعتبرها من هم من أنصار جمعية الرفق بالحيوان بأنها طريقة غير أخلاقية تعرض القطط الإندونيسية البرية للتعذيب من أجل الحصول على برازها.
قصة هذه القهوة التي تعرف باسم Kopi Luwak تحكي تاريخ بالي، حيث كانت تخضع الجزيرة للاستعمار الهولندي، وفي القرن الثامن عشر، أقام الهولنديون مزارع للقهوة، وفي الفترة ما بين 1830 و1870 منع العاملون في المزارع من قطف حبوب القهوة وتناولها، ليعرف بعدها الهولنديون بأن حيوان الـLuwak وهو نوع من القطط البرية التي تخرج فترة الليل وتأكل حبوب القهوة، تملك إنزيمات استثنائية تساهم في تعديل نسبة الكافيين في القهوة، واكتشف الهولنديون ذلك بعدما لاحظوا بأن القطط لا تستطيع هضم الحبوب.
ومنذ تلك الحقبة أصبحت قهوة لواك Kopi Luwak أغلى قهوة، نسبة لصعوبة الحصول عليها، ويبلغ سعر الكوب في لندن نحو 60 دولارا، أما في مزارع القهوة في بالي فيمكنك تناولها بسعر 7 دولارات للكوب، ومن الممكن شراء القهوة في عبوات ولكن من الأفضل التأكد من قوانين جلب المنتجات الاستهلاكية في البلد الذي تعيشون فيه، حيث تمنع بعض الحكومات جلب الحبوب وكل ما له علاقة بالأكل، ومن الأفضل في حالة القهوة بأن تشتري عبوة للقهوة المطحونة ويبلغ سعرها 27 دولارا.
جربت القهوة وهي تتميز بمذاق جيد فهي خفيفة للغاية.
* المراكز الصحية
عندما تزور آسيا لا بد أن تكون جلسة التدليك على قائمة الأشياء التي تنوي القيام بها، فاخترنا مركز «يي» Yhi التابع لمنتجع ميليا، ويتميز بموقع محاذ للبحر، اخترنا علاج «ميليا» للتدليك، وتستخدم فيه زيوت تتماشى مع طبيعة بشرتك ويتناسب عطرها مع مزاجك، فكانت النتيجة رائعة، وبعد الانتهاء من العلاج يمكن التوجه إلى مقاعد مريحة مطلة على البحر لتناول الشاي والحلوى وأنت تتنشق نسمات البحر العليلة.
* الأكل
المطبخ في بالي هو مزيج آسيوي مع بهارات حريفة هندية، ويعتمد في الكثير من أطباقه على الأسماك وثمار البحر، لذا ننصح بالتوجه إلى شاطئ جيمباران Jimbaran Bay حيث تنتشر مطاعم السمك، ولكن عند وصولك ستفاجأ بغيمة من الدخان الكثيف، وما أن تقطع مسافة 10 أمتار يطالعك مشهد غير منتظر، آلاف الطاولات على الشاطئ مضاءة بشموع، ومطاعم كثيرة تتقاسمها وتقدم عليها أشهى أنواع الأسماك.
وفي منطقة أوبود تجد مطعما شهيرا اسمه: بيبيك بينغيل Bebek Bengil Dirty Duck Diner ويتميز بجلسات خارجية جميلة، ومساحات خضراء، يقدم الدجاج الحلال ومجموعة من الأطباق النباتية الأخرى.
ولكن يبقى أفضل خيار للأكل في منتجع «ميليا» حيث توجد خمسة مطاعم، تقدم خيارات كثيرة، من الأسماك والباستا والسوشي والمأكولات المتوسطية إلى جانب المأكولات الآسيوية المحلية.
* كلمة اخيرة
ليلة وداع بالي كانت سعيدة لأنها انتهت تماما مثلما بدأت، بالبسمة والصحبة الحلوة، فأهم شيء في السفر هو الصديق، لتبقى رحلة لا تنسى، وقبل الذهاب إلى المطار كان لا بد أن ننهي رحلتنا بشيء يبقى في ذاكرتنا، فأجرت إدارة الفندق حفلا فولكلوريا تقليديا لمباركتنا قبل السفر بالزهور وماء الورد.
* طيران الإمارات تسير رحلات يومية إلى بالي
* تسير طيران الإمارات خدمة يومية إلى جزيرة بالي الإندونيسية المحطة رقم 148 على شبكة الشركة، وتضاف إلى 23 وجهة للناقلة في 13 دولة ضمن منطقة حوض المحيط الهادي الآسيوية. وتعمل رحلات بالي بطائرات حديثة من طراز بوينغ 777 - 300ER بتقسيم الدرجات الثلاث.
تقلع رحلة طيران «إي كي 398» من مطار دبي الدولي في الساعة 8:20 صباحًا لتصل إلى بالي في الساعة 9:40 مساءً. أما رحلة العودة «إي كيه 399»، فتقلع من مطار دينباسار في بالي في الساعة 11:40 ليلاً لتصل إلى دبي في الساعة 5 من صباح اليوم التالي (الأوقات المذكورة حسب التوقيت المحلي لكل من دبي وبالي).
ويتوفر للركاب المسافرين إلى بالي على طائرة البوينغ 777 - 300ER، في جميع الدرجات، الاستمتاع بنظام طيران الإمارات الفريد للمعلومات والاتصالات والترفيه الجوي ice، الحائز على جوائز عالمية، وذلك عبر أكثر من 2000 قناة منوعة تعرض مختلف الأفلام والموسيقى والأغاني والبرامج التلفزيونية وألعاب الفيديو.
وكانت طيران الإمارات قد بدأت خدمة إندونيسيا في عام 1992 بثلاث رحلات أسبوعيًا إلى العاصمة جاكرتا عبر سنغافورة وكولومبو. ومنذ مارس (آذار) 2013. تسير الناقلة 3 رحلات يوميًا من دون توقف بين دبي وجاكرتا بطائرات من طراز بوينغ 777. للمزيد من المعلومات: www.emirates.com
759 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع