شفق نيوز/ يعد شارع النهر أو شارع "البنات" من أقدم شوارع مدينة بغداد القديمة، ويقصده الناس سابقاً من كل مكان للتزود بالذهب خلال مناسبات الخطوبة وعقد القرآن وسواها.
واشتهر الصابئة المندائيون بمهنة صياغة الذهب وبرعوا بها، ووصل عدد محالهم في شارع النهر خلال سبعينيات القرن الماضي إلى 86 محلاً، وأصبح هذا الشارع بسبب انتشار متاجر الذهب يعد من أكبر وأهم المراكز التجارية الحيوية الموردة للذهب في العراق.
وسمّي شارع النهر بهذا الاسم منذ العصر العباسي بسبب قربه من نهر دجلة، وفق المؤرخ مهدي البديري، وكان هذا الشارع قريباً من القصور العباسية ودار الخلافة، وتجاوره مجموعة من الخانات والأسواق، وسمّي بعد ذلك بشارع الصاغة لانتشار محال ومتاجر الذهب، وشاعت تسمية شارع النهر، حسب مؤرخين، لعبور الزوارق "الدوب" نهر دجلة من جانب الكرخ إلى الرصافة وكان مكان المرسى على ضفة النهر التي يطل عليها الشارع.
وازدهرت مهنة صياغة الذهب والفضة بهذا الشارع بشكل لافت خاصة مطلع سبعينيات القرن الماضي، إلا أنها بدأت في هذا السوق منذ الخمسينيات، ووفق الصائغ الصابئي الذي ما زال يعمل بشارع النهر هلال مهلهل، فإن أصحاب محال الذهب كان معظمهم من الصابئة وقليل من اليهود والمسيحيين والمسلمين.
ويؤكد في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن سبب امتهان الصابئة لصياغة الذهب كونها من المهن المتوارثة وأصبحت مجال تخصصهم إذ هم يتقنون مختلف فنون النقوش على الحلي والأساور الذهبية.
ووفق مهلهل، كان خان الشابندر الخاص بالذهب بشارع النهر يمثل بورصة لأسعار الذهب، وبلغ عدد الصابئة الذين يعملون في مجال صياغة الذهب بشارع النهر وهو السوق الرئيسي للذهب في العراق، "نحو 600 صائغ صابئي لم يبق منهم سوى 6 صاغة الآن ما زلنا نواصل العمل بمحالنا"، مضيفاً "صناعة الذهب المحلية انعدمت بغياب أصحاب المهنة وتغلب استيراد الذهب على الصناعة العراقية".
وتراجع الإقبال على هذا الشارع إثر تعرض أغلب الصاغة وتجار الذهب بعد العام 2003 إلى عمليات خطف وقتل وتهجير، أدت إلى هجرة الكثير منهم وتحولت متاجر الذهب في شارع النهر إلى أسواق جملة لمختلف البضائع والسلع.
ويقول المؤرخ مهدي البديري، لوكالة شفق نيوز "كان شارع النهر في وقت سابق يعج بورش صياغة الذهب والنساء اللاتي يقصدنه لاقتناء الحلي الذهبية، حتى أنه كان يسمى شارع البنات وكان الصابئة يتعاملون مع الذهب ويحولونه إلى تحف فنية غاية في الروعة بفعل الخبرة التي يمتلكونها والمتوارثة عن أجدادهم".
ويؤكد "يعود الفضل الكبير للصابئة في تعميم صياغة الذهب وصناعته على عموم صاغة العراق وليس في بغداد وحسب".
ويضيف "يوفر شارع النهر منذ ما يزيد على نصف قرن جميع ما تحتاجه العائلة العراقية من المصوغات الذهبية ومفارش الزينة، فضلاً عن الأقمشة والماكياج والعطور، ويتفرد بمحاله ومتاجره المتميزة".
ومع اختفاء صاغة الذهب الأصليين وبقاء عدد قليل منهم فقط، اختفت صناعة الذهب وحلّ بدلاً منها الذهب المستورد، وفق ما يؤكد عمار عبد الزهرة، أحد تجار الذهب الجدد.
ويضيف بحديثه لوكالة شفق نيوز، أن "مكائن صب الذهب التركية مكائن حديثة، إلا أن الذهب الخليجي يحتل المرتبة الأولى ويليه التركي، وحالياً شارع النهر أصبح مركزاً لبيع الذهب بالجملة للصاغة الذين يأتون من محافظات البصرة وديالى والنجف وكربلاء وغيرها، وهناك مجمع تم تشييده حديثاً للشركات الخاصة ببيع الذهب بالجملة، وتتراوح كميات بيع الذهب بالجملة بين 10 إلى 100كغم".
ويحمّل الصاغة الذين ما زالوا يعملون في شارع النهر، الحكومات المتعاقبة مسؤولية إهمال وعدم الاهتمام بالمبدعين في البلاد ما جعلهم يتركون بلادهم ويسافرون إلى بلاد المهجر وينقلون تجاربهم إلى هناك.
1482 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع