حرب العنصرية والخرافة على الكرد، من المسعودي الى الصغير

                                    

(.. ان اول حرب سيخوضها المهدي، ستكون مع الكرد وأنه لن يقتل كرد سوريا أو تركيا وإيران، بل سيقاتل كرد العراق حصراً).

هكذا تكلم رجل الدين الشيعي الشيخ جلال الدين الصغير، أمام وخطيب جامع براثا في خطبة القاها في يوم الجمعة 17-8-2012 والذي يعد إضافة لوظيفته الدينية واحداً من أقطاب المجلس الأعلى الاسلامي، أحد اكبر الأحزاب الدينية الشيعية في العراق.
وفي كلامه نجد أن لا لبس فيه ولا غموض أو مكان للتأويل فيه، أو اداة شرطية، غير أنه وتحت سيل من الأحتجاجات عليه سواء من قبل الكرد أو غيرهم، فلقد تراجع في بيان أعتذر للشعب الكردي فيه لكن ذلك لن يشفع له أو يعفيه من المساءلة والاستجواب، اذا علمنا أن الأساءة للشعوب تضاهي الاساءة الى الأديان، وعندي أن الأمم اكثر قدسية من الأديان التي لم تنزل إلا خدمة لها، للأمم، ومع ذلك، يجب عدم توقع معاقبته، كأن تحجب عنه الخطابة أو الأمامة أو طرده من الحزب، إن شيئاً من هذا لن يحصل في زمن زاخر بجرائم ضخمة تمر مر الكرام وفي ظل (العراق الجديد).
والذي أثار الغضب والسخط على خطبته، تشويهه لصورة المهدي المنتظر، واستخدامه سلاحاً لمحاربة شعب مسلم مسالم مؤمن بربه، متمسك بدينه ويحيا في وطنن يقع على خط التعصب الديني والذي يبدأ من كردستان غربا وينتهي باندونيسيا شرقاً، والذي اي قول الصغير اعاد الى الاذهان، اشكالاً من العنصرية الفكرية ذات المضمون التعصبي الديني بحق الكرد على مر التأريخ وتحديداً منذ دخول الكرد في الأسلام. اللافت أنه قبل دخول الكرد والعرب في الاسلام، فأن التأريخ لم يسجل أي خصام بينهما، وبعد دخولهما فيه سجل بينهما عشرات المعارك والخصومات، وانهالت عليهم، الكرد سهام العنصرية الممزوجة بالخرافة، حصراً من اخوته في الدين من عرب وفرس وترك.
قبل قرون وهذا على سبيل المثال، قال المسعودي في كتابه الشهير (مروج الذهب) عن الكرد: (الاكراد طائفة من الجن) علاوة على أهانات اخرى تقطر عنصرية ضد الكرد صدرت منه.
ومن بعد المسعودي، وعلى امتداد القرون، وبين فترة واخرى، فان العنصرية المرصعة بالخرافة كانت تطل برأسها للاستهزاء بالكرد وتحقيرهم تمهيداً لتنفيذ مذابح ضدهم أو تتويجاً لها أو تحريضاً للسلطات عليهم، فياسين افندي العمري 1744 – 1816 الذي سكن الموصل في العهد العثماني والذي وصفه المؤرخ الكردي الموصلي أ.د.عبدالفتاح بوتاني بمؤرخ السلطة العثمانية، اطلق في زمانه افكاراً مشحونة بالعداء للكرد، حتى انه قال بحقهم في كتابه (غرائب الأثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر) الموصل 1940 ص107 – 108:
(صح في المثل، كردي وعاقل مصيبة نازلة، وقيل متى ما رأيت العالم محروماً والجاهل مرزوقاً، فآعلم أن ما بين السماء والأرض اكراداً يقطعون الرزق)!
ولم يتوقف العمري بمحاربة الكرد نثراً، بل شعراً كذلك حين قال فيهم ان الكرد (ليسوا من نسل آدم وحواء) وكالآتي:
رأيت في النوم أبي آدماً
صلى عليه ذو الفضل
فقال حواء امكم طالق
إن كانت الاكراد من نسلي.
والطريف، أن تسليط العنصرية على الكرد ومقاتلتهم بالخرافة أستمرا حتى في عصر غزو الفضاء الخارجي والانترنيت والتقدم العلمي المدهش، وكما رأينا كيف ان الشيخ الصغير لم يتورع عن تهديد الكرد بالويل والثبور على يد الامام المهدي المنتظر، وقد يدعو في سره ليل نهار وهو ما لاشك فيه بأن (يعجل الله من فرجه الشريف) لا شيء، الا لكي يمحو الكرد من على وجه البسيطة، وقبل هذا وفي النصف الثاني من عقد الثمانينات اتخذ النظام العراقي السابق من سورة الانفال عنوانا لحرب ابادة على الكرد راح ضحيتها مايقارب ال 182 الف انسان كردي.
واذكر يوم خطت حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم خطواتها الاولى باتجاه الدكتاتورية والحرب على الكرد في ايلول عام 1961، كيف ان الصحفي يونس الطائي رئيس تحرير صحيفة(الثورة) البغدادية التي كانت تنطق باسم قاسم، دعا في مقال له نشرته تلك الصحيفة الى (صهر القومية الكردية في بوتقة القومية العربية) وفي وقته احتج الكرد والحزب الشيوعي العراقي عليه بشدة، وبعد فترة وجيزة على ذلك المقال اشعلت حكومة قاسم نار حرب شاملة على الكرد وكردستان غطت مساحة من الاخيرة امتدت من زاخو الى خانقين ومندلي.
وفيما بعد، وبعد مرور نحو العقدين من السنين على دعوة الطائي، وعندما كان صدام حسين يدفع بدكتاتوريته بأتجاه مرحلتها العليا الفاشية، طلع علينا الشيخ ملا يونس ابراهيم السامرائي بكتاب اصدره تحت عنوان:( العوائل والبيوتات والاعلام في شمال العراق) وفيه رد أصول نحو 23 عشيرة كردية الى اصول عربية استثنى منها عشيرة بارزان التي سبق وان تعرضت الى حملة إبادة راح ضحيتها الالاف من ابناء العشيرة تلك وذلك في اب عام 1983. ان افكارا من قبيل تلك التي اطلقها السامرائي، كانت تزين الى جانب افكار اخرى، لدكتاتورية البعث بان تمضي قدما لأبادة العنصر الكردي، وفي حدود الفترة عينها، رد الدكتور ناجي معروف في كتابه(أصل العلماء من غير العرب) جمرة من العلماء الكرد الى اصول عربية!
ان المراجع لهويات خصوم الامة الكردية من حملة الافكار العنصرية ومن المستعينين بالخرافات، وهذا مما يؤسف له، تجدهم ينتمون أويحسبون اما الى رجال الدين الاسلامي، أو الى  مؤرخين شوفينيين، كالمؤرخين العمري ومعروف. او صحفيين مرتزقة من امثال الطائي، وكم كان الموصلي أحمد محمد يحيى الذي كان وزيرا للداخلية في حكومة قاسم صائبا لما قال في الطائي مايلي:
( أما يونس الطائي، فأنتهازي تافه، منافق، ومثير للفتن، كان يداري (قاسم) ويضلله لأجل ان يتبوأ منصبا عاليا).
من خلال ما تقدم، نرى ان الافكار العنصرية  والخرافية المعادية للكرد، تطفوا على السطح عندما تتوغل الحكومات في ممارساتها الدكتاتورية أو تخطط لممارسة الدكتاتورية، أو تتحول الى حكومات حرب وفاشية، وهذا مالمسناه في مثالي  الطائي والسامرائي. وفي الوقت الذي يشكو فيه الكرد والعرب السنة واقليات دينية وقومية كالمسيحيين والتركمان وحتى اطراف شيعية من تفرد المالكي بالسلطة وتحركات جيشه على الارض لمنازلة الكرد في المناطق المتنازع عليها. ولمنازلة العرب السنة في معاقلهم في الانبار وديالى وصلاح الدين.. الخ عليه لا غرابة من ظهور امثال الشيخ جلال الدين الصغير على سطح الاحداث ليطلقوا ايديولوجيات ورؤى تمهد للحرب على  الكرد واطراف اخرى كالعرب السنة.
وتتناغم طروحات المفكرين من الذين يستعينون بالخرافة والعنصرية لمقاتلة الكرد مع مواقف  كبار القادة السياسيين العنصريين حيال الكرد، فهما وجهان لعملة واحدة، ويكاد يكون من الصعب التمييز بينهما، واليكم امثلة على ذلك:
قال (هاشمي رفسنجاري) يوم كان رئيسا للجمهورية الاسلامية في ايران في خطبة له القاها في يوم الجمعة 5-4-1991 تعليقا على خط العرض ال36: (لن ندع بأي شكل من الاشكال تأسيس إسرائيل ثانية في شمال العراق).
وفيما بعد ردد القول نفسه الشيخ أحمد الياسين مؤسس (حماس) عندما قال:
(بعد القضاء على اسرائيل، سوف نتفرغ للقضاء على اسرائيل ثانية في شمال العراق).
وبعد سقوط النظام العراقي السابق في 9-4-2003 وفي نفي ضمني له للمطلب الكردي في الفيدرالية وحق تقرير المصير. قال الشيخ (حارث الضاري) رئيس هيئة علماء المسلمين في العراق:
( إن أي عراقي يتحدث عن الفيدرالية أو حق تقرير المصير، يقع عليه القتل بموجب الشريعة الاسلامية)!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.    

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

811 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع