الحكمة: لا تعين الفاشل لينجح، بل لقنه درسا في الاخلاق واتركه علّه يتعظ او تدفنه رمال الأيام...
بقلم:الدكتور خالد عيسى
ولد الدكتور عبد الجبار عبد الله في قلعة صالح – لواء العمارة ( محافظة ميسان ) عام 1911.
- اكمل دراسته الاعدادية في بغداد عام 1930.
- نال شهادة البكالوريوس في العلوم من الجامعة الامريكية في بيروت عام 1934.
- حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الطبيعية (الفيزياء) من معهد مساتشوست للتكنولوجيا MIT في الولايات المتحدة الامريكية. ومعهد مساتشوست للتكنولوجيا يعتبر ارقي جامعة علمية في العالم على الاطلاق حيث كان و ما يزال.
- عين استاذاً ورئيساً لقسم الفيزياء في دار المعلمين العالية في بغداد من سنة 1949 الى 1958. و في خلال هذة الفترة رشح استاذا باحثا في جامعة نيويورك الامريكية بين سنتي 1952 و 1955.
- في عام 1958 عين أميناً عاماً لجامعة بغداد ووكيلاً لرئيس الجامعة. واستمر في هذين المنصبين حتى عام 1959. في عام 1959 عين رئيساً لجامعة بغداد.
- له العديد من البحوث العلمية التي نشرت في ارقى المجلات العلمية الامريكية و الاوروبية.
- عضو في العديد من الجمعيات العلمية في امريكا واوروبا.
- استمر بمنصب رئيس جامعة بغداد حتى قيام انقلاب 8 شباط الدموي حيث اقيل من منصبة.
- اعتقل وعومل معاملة مهينة عند اعتقاله بعد انقلاب 8 شباط 1963 .
والحقيقة ان كل عراقي يفتخر في ان تكون بلاد مابين النهرين قد انجبت عالما عبقرياً ووطنياً وأباً مربياً مثل الدكتور عبد الجبار عبد الله.
وقد لمس الزعيم عبد الكريم قاسم منه هذه المكانة العلمية العالمية العالية والوطنية وإخلاصه لتربة العراق وثورة 14 تموز، وقد قرر ان تكون لجامعة بغداد الفتية منزلة علمية عالمية عالية من خلال ترؤس شخصية مثل الدكتور عبد الجبار عبد الله رئاسة جامعة بغداد.
والدكتور عبد الجبار عبد الله عراقي ينتمي الى طائفة الصابئة المندائيين، ولم يعن هذا بالنسبة للزعيم أي محدد فأولاً واخراً هو عراقي .
واليكم هذه القصة :
حدثني أستاذي في الرياضيات في الجامعة الأستاذ الفاضل طالب محمود علي (خريج جامعة لندن بمرتبة الشرف في الرياضيات)، وكان الأستاذ طالب احد الذين اعتقلوا اثناء انقلاب 8 شباط 1963 ، وقد حشر في احدى الزنزانات الصغيرة التي ملئت بالمعتقلين من شتى المستويات.
عرفت الدكتور عبد الجبار عبد الله كأحد المعتقلين في هذه الزنزانة، وكنا في الزنزانة واحداً بجانب الآخر وظهورنا مستندة الى الحائط و بهذه الوضعية كنا ننام يوميا ولا مجال للحركة فيها نهائياً.
يقول الأستاذ طالب :"كنت لا استطيع ان ارفع عيني في مواجهة عين الدكتور عبد الجبار عبد الله، لما له من مكانة علمية وشهرة عالمية. وكنت اختلس النظرات واشاهده يغوص في تفكير عميق ثم تنهمر الدموع من عينيه، في احد الايام استثمرت فترة اخراجنا لدورة المياه وجلست بجانبه.
القيت عليه التحية وعرفته بنفسي وانا اخجل من كل كلمة اتحدث بها اليه، بعد ان توطدت الصداقة بيننا، سألته يوما عن سبب انهمار الدموع من عينيه قال:
الحرس القومي
"كان في قسم الفيزياء الذي ادرس به طالب فاشل..حاولت عدة مرات مساعدته لكي يعدل من مستواه ولم يتعدل ومع ذلك عاونته. في يوم 14 رمضان 1963 جاءت مجموعة من الحرس القومي لاعتقالي من بيتي، ميزت منهم طالبي الفاشل بسهولة، وطلبت منهم امهالي عدة دقائق لكي ابدل ملابسي واذهب معهم وانا اعرف انه ليس لدي ما احاسب عليه.
بدلت ملابسي وخرجت لهم، وفجأة ضربني تلميذي (راشدي) قوي افقدني توازني، وكدت اسقط على الأرض، وقد استخدم عبارة (اطلع دماغ سز).
ولم يكتف تلميذي وانما مد يده بجيب سترتي واخذ مني قلم الحبر الذي اعتز به ولم يفارقني ابداً، هذا القلم الحبر هو من الياقوت الأحمر، هدية من العلامة المشهور البرت انشتاين، استخدمه لتوقيع شهادات الدكتوراه فقط، وهذا هو سبب حزني وانهمار دموعي كلما اتذكر هذا الحادث.
وفي عام 1966 غادر العراق الى الولايات المتحدة الأمريكة حيث بدأ بعد فترة وجيزة يعاني من مرض عضال وبقى يصارع مرضه حتى وافاه الأجل في التاسع من تموز 1969 حيث نقل جثمانه الى العراق وتواراه الثرى في مقبرة الصابئة المندائيين في أبوغريب بناءاً على وصيته...
ومن الطرائف التي تروى عن الدكتور الراحل أنه شوهد يحمل مظلة شمسية أثناء قدومه للدوام الرسمي في أحد أيام الصيف وعند سؤاله عن السبب قال بأن الدنيا ستمطر اليوم....
لم يقتنع أحد بطبيعة الحال بما تنبأ به الدكتور العالم بالأنواء الجوية
وبالفعل ... أمطرت السماء قبل ظهر ذلك اليوم .
كتب عبد الرزاق عبد الواحد قصيدة في رحاب العالم عبد الجبار عبد الله ، في ذكرى رحيله ؛ و اليكم مقاطع من تلك القصيدة :
هذا اوانك لا اواني ورهان مجدك لا رهاني
وصداك انت المالئ الدنيا فما جدوى بياني ؟
مرماك اوسع من يدي وثراك ابلغ من لساني
وسناك ابعد في المروءة ان اراه ، وان يراني
وحضورك الباقي ..... وكل حضور من ولدوك فاني
يامن له كل المكان وليس يملك من مكان
يا ايها القديس يحمل صمته حمل الاذان
وتدورعمق الكون انجمه ..... ونحسبها دواني
واقول قد القاك ... قد يرضى زمانك عن زماني
فأراك ... ألمح مقلتيك على كتابك تحلمان
وارى لجسمك وهو مثل الطيف .. يعبر في ثواني
فأحس كل مروءة الدنيا تغلغل في كياني
واحس ضوءك وهو يملؤني ، ويمسح من دخاني
ويعيد لي صفوي ...... ويمنحني شجاعة ان اعاني
قالوا.. وانت تموت... كانت مقلتاك ترفرفان
كحمامتين غريقتين عن العمارة تبحثان
وبقيت حتى اخر الانفاس تلهج في حنان
لو نسمة هبت بقلعة صالح لك بالامان
لو نهرها ناداك آخر مرة ......... والشاطئان
لو طوّقاك فنمت في حضينيهما والفجر داني
فترى الى شمس العراق ومقلتاك تحدّران
مشبوبة هي في المياه وانت مشبوب المحاني
1300 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع