هل من تفسير لحالة اللامبالاة في وطننا العربي؟ تنبهوا واستفيقوا أيُّها العربُ فَقد طَمى الخَطبُ حتى غاصت الرُّكَبُ

د. سعد ناجي جواد*

هل من تفسير لحالة اللامبالاة في وطننا العربي؟ تنبهوا واستفيقوا أيُّها العربُ فَقد طَمى الخَطبُ حتى غاصت الرُّكَبُ

في كل يوم تَكْشِف ردود الفعل العالمية على ما يجري في غزة خاصة وفلسطين عامة من مجازر يومية، بل وفي كل لحظة، الواقع المزري الذي تعيشه الامة العربية وعلى كافة المستويات، وخاصة المستوى الرسمي، وهذا ليس استهدافا لحاكم او لنظام معين، وانما توصيف لحالة مؤلمة تمر بها هذه الامة تسترعي الانتباه والتفكير. فعندما يتسم رد فعل النظام العربي بالسكوت المطبق على الجرائم او بصورة ادق عملية الابادة الجماعية التي ترتكب في غزة والضفة الغربية منذ اكثر من 200 يوم، فهذه كارثة اخلاقية وقيمية بكل المعايير. وحينما يغط الشارع العربي بنوم او سبات عميقين في وقت تشهد شوارع وساحات دول العالم غير العربية وغير الإسلامية تظاهرات واحتجاجات يومية لنصرة فلسطين، فهذه كارثة وطنية وقومية. وحينما يَظهَر من بين العرب من يدعم الكيان المحتل في جرائمه سواء كان مسؤولا او إعلاميا او انسانًا عاديا، فان هذا يمثل سقوط في الانتماء والقيم والنخوة والأخلاق في ان واحد، وكل هذه أمور لم يشهدها التاريخ العربي القديم والمعاصر من قبل.

في تحليل هذه الظاهر العربية المشينة لابد وان يُطرح السؤال هل ان هذا السبات والسكون والسكوت المطبق هو نتيجة للسياسات التي اتّبعتها الأنظمة، والتي أدت إلى جعل المواطن العربي يشعر باللامبالاة، اما خوفا او لانعدام الإحساس الوطني او حتى الإنساني في داخله تجاه ابناء جلدته وقضايا أمته المصيرية؟ ام انه نتيجة لنجاح المخططات الخارجية في اختراق الثقافة العربية والنظام التعليمي التي أنتجت اجيالا لا تعرف الحقائق الأساسية عن الامة، بل وحتى لا تتكلم اللغة العربية بصورة صحيحة وتفضل ان تتكلم الإنكليزية؟ ام ان اللامبالاة جاءت نتيجة الفساد المستشري في بعض الدول والفقر المدقع في اخرى مما جعل مواطنيها يفكرون بهمومهم اليومية فقط؟ او بسبب اليأس الذي تشبعت به النفوس بعد الهزائم المتكررة مما جعل الناس يستسلمون للاعتقاد بانهم مهما فعلوا فان النتيجة هي واحدة؟ ام بسبب الشعور بالعجز عن تغيير الاحوال إلى اخرى افضل منها تمثل مصالحهم ومشاعرهم وتدافع عن حقوقهم وكرامتهم وتحترم إنسانيتهم؟ او ربما هي كل هذه الأمور مجتمعة.
ليس من الإنصاف اتهام النظام العربي الرسمي فقط، لان اغلب الأنظمة هي نتاج او صورة لرغبة الناس، وباقية برضاهم او بسكوتهم، وفي الكثير من الأحيان جاءت بموافقتهم وبأصواتهم. ولا يقولن احد ان هذه الحالات لا تعبر عن مشاعر الغالبية، لأن الرد سيكون: وما تفسير ان يعيش الناس في اجزاء من الوطن اجواء فرح واحتفالات وسط رائحة الموت التي تفوح من غزة او الدمار الكامل الذي شمل كل أنحائها. او ان ينبري البعض للدفاع عن حكامهم ويعتبرون (بسذاجة ونفاق) اي مساس بهم مساس بقيمة الدولة.
وهل يستطيع احد ان يفسر الصمت المطبق الذي تعيشه الجامعات والمعاهد العربية في كل ارجاء الوطن العربي، ويكتفي الطلبة فيها وأساتذتهم بالجلوس متفرجين على طلاب وأساتذة جامعات غربية، وخاصة في الولايات المتحدة، الدولة الأكثر اندفاعا في الدفاع عن إسرائيل، ويعتصمون ويرفعون الأعلام الفلسطينية غير آبهين بمداهمات الشرطة وعمليات الاعتقال وقرارات الفصل من الدراسة او الترحيل مما يعني ضياع مستقبلهم، اليس هذا مؤشر على خلل او سقوط كبير في امتحان الوعي الوطني؟ او ان تنبري الفضائيات لبث جدالات طائفية مقيتة او نقاشات حول مواضيع أكل عليها الدهر وشرب، وما هو أدهى وأمر ان بعض (فرسان) هذه النقاشات هم من حملة شهادات علمية وكتاب وأساتذة ورجال دين يحرصون على وضع كل الألقاب المعروفة قبل اسمائهم، اليس هذا سقوط اخلاقي؟ وكيف يمكن تفسير، او وصف وقوف الأنظمة العربية متفرجة على دول لا صلة لها بالعروبة ولا بالإسلام ولا بمأساة فلسطين ولا تعيش معاناة الفلسطينيين، وتبادر إلى قطع علاقاتها مع الكيان الغاصب او تجر حكومته وحكامه ومنظماته التعسفية إلى المحاكم الدولية؟ إلا يمثل ذلك وصمة عار ستلحق بهذه الأنظمة ومن يساندها على مدى التاريخ؟ او كيف يقبل اي حاكم عربي على نفسه ان يسكت على كلمات الاستخفاف والتحدي التي تصدر عن مجرم حرب مثل نتنياهو وهو يتحداه في ان يتجرأ ويدين او ينتقد ما يجري في غزة؟ ولا يفند حاكم او اي جهاز اعلام رسمي مقولة نفس المجرم ان غالبية الأنظمة العربية تؤيد عملية القضاء على المقاومة. ام ان نجاح الغرب واجهزة المخابرات جعل البعض يشعرون بانهم مدينون لهم لإيصالهم إلى الحكم او في حمايتهم من السقوط، وبالتالي فهم يحجمون عن فعل اي شيء يغضب حماتهم.
في البحث عن اسباب هذه الحالة المزرية، رسميا وشعبيا، يمكن وضع اللوم اولا على النظام التربوي والتعليمي الذي كان من نتائجه، ليس فقط قطع الصلة بالمجتمع وبلغتهم وبالتراث العربي، وانما ايضا باختفاء المربين المشبعين بالروح الوطنية الذين كانوا يزرعون في طلابهم هذه الروح والإحساس بقضايا الامة والدفاع عن الحقوق الفلسطينية، واهمال تدريس المواضيع المصيرية في الامة خشية من اعتراض الدول الغربية. (الم تقم دول عربية بإلغاء مادة الدين الاسلامي او حذف آيات قرآنيه من المناهج لانها تزعج الصهاينة، في وقت تركز فيه الصهيونية على نشر وترويج كل الخرافات الكاذبة عن حقهم الكاذب في فلسطين). ثانيا يجب ان نعترف وبمرارة ان النظام السياسي العربي نجح في تدجين مجتمعاتنا إلى هذا الحد وفي وقت قصير من عمر التاريخ. لقد عُرفت الامة العربية بحركاتها المقاومة لكل أنواع الاستعمار، وكان ابنائها يصعدون المشانق وهم يهتفون بحياة الامة وحريتها، وعندما هُزمت الأنظمة العربية في 1967، غطت التظاهرات الغاضبة كل المدن والعواصم العربية، واليوم لا نجد تظاهرة واحدة في عاصمة او مدينة عربية، ولا اعتصام في جامعة صغيرة كانت ام كبيرة. ولم يتم قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الغاصب ولا حتى التهديد بذلك، بينما قامت دول في امريكا اللاتينية بهذا العمل دو تردد.
واخيراً واذا ما استطعنا ان نضحك على انفسنا ونجد التبريرات لهذه الظواهر المأساوية والمشينة على حد سواء، فكيف يمكن ان نجد التبرير المناسب لبعض الساسة والصحفيين والأكاديميين العرب، وبالذات الفلسطينيين منهم الذين يتشفون بما يجري في غزة لان من يقود هذه المعركة الشريفة والعظيمة تأتلف معهم في الرأي، بل ويذهب بعضهم إلى مطالبة القتلة والمجرمين بالإمعان في جرائمهم والاستمرار فيها. (وللتذكير فقط ان مثل هذه التصرفات قد حدثت في الماضي القريب جدا عندما تواطأت وتعاونت مجاميع محسوبة على العرب والمسلمين في تسهيل احتلال وتدمير بلادهم، ولا يزال قسم منهم يفعل ذلك).
ان ما يحدث حول العالم ومقارنته بما يحدث في وطننا العربي لابد وان يُشعِر اصحاب الضمائر الحية بالخجل. وان كل هذه الظواهر تستدعي قيام ثورة اخلاقية تعيد زرع المفاهيم العربية والإسلامية والوطنية الحقيقية، وهي المفاهيم التي اثبتت حركات المقاومة انها جعلت منها، ليس فقط منهجها الذي تسير عليه، وانما حريصة على التمسك بها وحتى الرمق الأخير ومهما بلغت التضحيات، وهذا هو سر نجاحها، وكذلك ما يبُقي جذوة الامل في النفوس.
وتبقى فلسطين، وكما كانت دائما ومنذ زمن الحروب الصليبية هي الهدف والبوصلة والنقطة الاولى على الطريق الصحيح، ومهما تكاثر عدد البعض الذين ينكرون هذه الحقيقة.
(قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ۚ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
*كاتب واكاديمي عراقي

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1078 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع