عندما يعاد تسويق الإسلاموفوبيا في فرنسا

                                                

                       ولاء سعيد السامرائي

عندما يعاد تسويق الإسلاموفوبيا في فرنسا

في حين يجمع مختصون وباحثون وسياسيون فرنسيون كثيرون على أن قانون 1905، الخاص بتنظيم العلاقة بين الدولة الفرنسية والدين الذي أعطى لقيصر ما لقيصر وما لله لله، كافٍ لحل المشكلات التي تعترض المجتمع الفرنسي بخصوص وجود ستة ملايين مسلم فرنسي، وتطبيق الشعائر الدينية التي يضمنها هذا القانون الذي كان تاريخاً للعلمانية الفرنسية، بفصل الدين عن الدولة، وترتيب ذلك كله بقانون وإجراءات شملت مختلف المرافق، ترسخت يوماً بعد آخر، ولكن الأزمات السياسية والاقتصادية جعلت الأحزاب السياسية تستثمر في استراتيجية التخويف من الإسلام منذ أكثر من عقد ونصف، لتجذب أصوات اليمين المتطرّف الذي نما بفضل الحزب الاشتراكي. استعمل الاشتراكيون موضوع الإسلام والحجاب في المدارس استعمالاً واسعاً، للتغطية على الإخفاقات في السياسة الاقتصادية، وانتهاج مسار ليبرالي متوحش بخصخصة قطاعات وطنية، وبيع أهم ما يفتخر به الفرنسيون من قطاعات صناعية للشركات الأجنبية، وعدم معالجة البطالة، على الرغم من عقود للاشتراكيين في السلطة.

ولكن مجيء اليمين إلى السلطة لم يوقف هذا الاستثمار في موضوع الإسلام للوصول إلى الحكم، بل إنه أصبح استراتيجية مدروسة بدقة، يبدأ العمل بها مبكراً عبر الإعلام والقنوات التلفزيونية وبرامج المشاهدة الواسعة للجمهور، استراتيجية أوصلت نيكولا ساركوزي إلى الفوز بالانتخابات الرئاسية ضد منافسته الاشتراكية سيغولين رويال. مبكراً، كما في الأمس، تستعمل الاستراتيجية نفسها اليوم، قبل 22 شهراً من موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية، ليكون موضوع الإسلام تدشيناً لهذه الحملة التي سبقت تجربتها ونجحت، فقد اختار إيمانويل ماكرون مكاناً يقال إنه مشهود عليه "بالعيش المشترك" بين المواطنين، ليقدّم اقتراحات قديمة بلباس جديد، هي "الانعزالية الإسلاموية"، وليتم الكلام في الإعلام مرة أخرى عن الإسلام والإرهاب والحجاب، فلماذا لم يذهب الرئيس ماكرون إلى الضواحي الفقيرة التي تسميها الشرطة الفرنسية المناطق الخارجة عن القانون، ليقول هذا الكلام، وليعيد القانون إلى هذه الضواحي، لتصبح شاهداً آخر على العيش المشترك، باعتباره (ماكرون) رئيساً لكل المواطنين من دون تمييز؟

لقد طرح الرئيس ماكرون هذا التعبير إلى سوق الناخبين، منذ مايو/ أيار الماضي، وهو تعبير جديد، وجاهز للاستعمال، ويحلّ محل تعابير أخرى تم استخدامها منذ الانتفاضة الفلسطينية وغزو العراق، فمرة سمي المسلمون بالأصوليين، وبعدها بالمتعصبين وبالظلاميين، ثم بالراديكاليين والطائفيين وبالإرهابيين والمغتصبين. أضاف ماكرون إلى الإجراءات السابقة قيوداً في تعليم اللغة العربية والقرآن الكريم ووجود الجمعيات وتعليم الأطفال في المنازل، الأمر الذي كان ينظّر له أصدقاء وحلقات معينة حول السلطة، لكي لا ينظم الفرنسيون المسلمون أنفسهم أسوة بالآخرين. تقول الباحثة والكاتبة مونيك بنسون شارلوت إن الانعزاليين والانفصاليين هم الطبقة الغنية التي لا تدفع الضرائب التي ينتمي إليها ماكرون، فهي التي ساعدته في الوصول إلى الحكم، وهي الطبقة التي تحصد الامتيازات، من دون أن تدفع الضرائب المتوجبة عليها.

ما هو جديد في فرنسا هو الاتساع الخطير لخطاب الإسلاموفوبيا الذي لم ينقطع عن الإعلام، بل يتزايد ويتسابق صحافيوه من العنصريين بإتحاف المستمع، في كل مرة، بجملة أو تعبير يتم تناقله، والمبارزة بشأنه بين الأحزاب المختلفة. وصف الصحافي ايريك زمور، ضيف القنوات والإذاعات الدائم، نجم معاداة الإسلام أخيراً، "كل" المهاجرين، ومن ضمنهم "غير البالغين"، بأنهم ربما من القتلة والمغتصبين، وعلى الحكومة الفرنسية تحمّل مسؤولية ذلك، وألا تجازف بقبول هؤلاء. وبمناسبة محاكمة المتهمين بحادث صحيفة شارلي إيبدو عام 2015، ووقوع حادث اعتداء غريب من شاب باكستاني بسلاح أبيض قرب الصحيفة على صحافيين اثنين، وتسجيله فيديو "يعترف بهذا الاعتداء"، لإعادة الصحيفة نشر الصور الكاريكاتورية للرسول، ووصفت قنوات تلفزيونية فرنسية الشاب بأنه لا ينتمي لا إلى تنظيم القاعدة ولا إلى "داعش".

هذا الإعلام الذي ينعت المسلمين بالدواعش يتجاهل العدد الكبير من التصرفات العنصرية والمعادية للإسلام والعرب والمسلمين الذين يعيشون مثل أي مواطن فرنسي، في احترام كامل للجمهورية ولقوانينها التي يطبقها، ولا يفكر بخرقها، لأنها تنظم حياته وحياة عائلته وتحميه، بينما ولأقل حادث يصيب آخرين تنقلب الدنيا ولا تقعد، حتى لو لم تثبت صحتها أو تكون أصلاً حادثاً ملفقاً، ومثل هذه الأحداث كثيرة وموثق عدم مصداقيتها من الشرطة. وقد وثّق "تجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا" اتساع هذا الخطاب، في تقريره للعام الماضي، والذي يشير فيه إلى زيادة الإسلاموفوبيا بنسبة 17% عن العام الماضي، و77% عن العام الذي سبقة. ويذكر التقرير أن الخطاب العنصري قد تم تطبيعه، وأصبح طبيعياً في فرنسا وبعض الدول، وحادث المسجدين في نيوزيلندا في مارس/ آذار 2018 شاهد، كما أصبح ارتداء امرأة مسلمة غطاء الرأس مشكلة في البرلمان الفرنسي، لاعتباره إشارة دينية، بينما لا يتم الاعتراض على وجود الرموز الدينية للديانات الأخرى.

طلب مدرس التاريخ والجغرافيا في متوسطة منطقة "كونفلان سانت أونورين" من الطلاب المسلمين رفع أياديهم والخروج، لعرض صور كاريكاتورية لرجل عارٍ، صادمة بالنسبة لهم، وهي صور للرسول محمد نشرت في صحيفة شارلي إيبدو، وأثير حولها جدل كبير فيما يخص موضوع حرية التعبير في فرنسا، وتصرف الأستاذ الذي قتل لاحقا على يد شاب عمره 18 من أصل شيشاني كما قال البوليس الفرنسي، لم يكن صحيحاً، بحسب قواعد التعليم، وحتى بالنسبة للقانون الفرنسي، بل هو تصرف عنصري، ورفضت إحدى الطالبات مغادرة الصف، ومعاقبتها بالطرد تصرف غير قانوني أيضاً. ولا تعد شكوى والد الطالبة والعوائل المسلمة تجاوزاً على القوانين وقواعد وزارة التعليم، بل ما هو غريب ومثير للتساؤل رفض إدارة المدرسة سماع العوائل المسلمة وشكوى الأب، ونفيها ما حدث بالكامل، لأن هذا الأمر يعتبر فضيحة كبيرة لوزارة التربية، ولإدارة المدرسة التي غطّت على تصرفات المدرس العنصرية وغير المهنية. في اتصال مع الأب، قال إن ابنته متأثرة ومصدومة من تصرّف أستاذها، ولا تفهم ما قام به ضدها، وضد زملائها من الطلبة المسلمين، وتلفيق قصة ضدهم بتغطية من مديرة المدرسة. قتل الأستاذ جريمة مدانة ومرفوضة. ومؤسف أيضاً تكذيب رواية الطالبة والعوائل المسلمة، وتحميلهم ذنب شكواهم ضده بعد مقتله، فلا علاقة بين حادث القتل والتصرّف الطبيعي لوالد الطالبة والعوائل المشتكية، لأنهم تصرّفوا وفق القانون والقواعد المتبعة، ولم يبدر منهم أي إساءة، معتبرين أن تصرّف الأستاذ غير مبرّر مع طلابٍ غير بالغين تمت إهانتهم أمام زملائهم.

وقبل الحادث المروع والمدان لأستاذ التاريخ، وفي مقابلة لإحدى صحافيات قناة فرنسا 24 قبل أيام، ظهر دليل فاضح على اعتبار الإسلاموفوبيا غير موجودة في فرنسا، وتمت تسمية الإساءة للإسلام حرية تعبير، فقد عرضت مقابلة مع أستاذ للاجتماع في مدينة إكس أون بروفانس، تسأله الصحافية فيها عن رأيه "بالانعزالية الإسلامية" التي تكلم عنها الرئيس ماكرون. وحينما لم يقبل أستاذ الاجتماع كلام الصحافية التي بدأت مقدّمتها بمجموعة أكاذيب عن تصرّفات المسلمين في أثناء حادثة صحيفة شارلي إيبدو، ومنها الزعم أنهم فرحوا ورقصوا للحادث، فقام بتفنيدها، مؤكداً أن الحكومات المتعاقبة منذ عقد ونصف العقد تستثمر الإسلام والمسلمين الفرنسيين وتستعملهم من أجل الانتخابات، وحرف أنظار الشعب الفرنسي عن المشكلات الأساسية، وعن الأزمة الصحية لجائحة كورونا التي تدار بشكل مبهم، والتي تهم المواطنين، وترفض رؤية الحقائق والبحوث لإيجاد حلول بشان ما تسميها مشكلة الإسلام في فرنسا، ما كان من الصحافية إلا أن سارعت إلى قطع الحوار بشكل حاد، لمنع المتحدث من إيصال فكرته عن حقيقة خطاب الإسلاموفوبيا.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

915 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع