مسؤوليات ترامب أمام جرائم الكراهية

                                                         

                              د. منار الشوربجي

بعد أيام من إعلان نتائج الانتخابات الأميركية، ارتفع عدد جرائم الكراهية بشكل لافت. فقد أكد مركز قانون الفقر الجنوبي، أحد أهم المراكز الحقوقية الأميركية المتخصصة في هذا الشأن أنه أحصى أكثر من ثمانمائة جريمة في الأيام العشرة الأولى بعد الانتخابات.

وفي كل يوم تقرأ في الصحف أخباراً مختلفة عن جريمة هنا أو هناك. إحدى تلك الجرائم كانت قصة فتاة أميركية مسلمة من أصل مصري هوجمت في مترو نيويورك وحاول الذين هاجموها نزع حجابها.

في نيوجرسي منذ أيام، عاد لاعب الكرة الأميركية الأسود نيكيتا ويتلوك لمنزله ليجد الحيطان كلها مليئة بعبارات عنصرية ومطالبات له ولأسرته «بالعودة لأفريقيا»، وهي دعوة عنصرية فجة تنزع عن السود الأمريكيين مواطنتهم.

فضلاً عن كتابة اسم دونالد ترامب بشكل متكرر على حيطان المنزل. والأسبوع الماضي فى واشنطن العاصمة، اقتحم شخص أحد محلات البيتزا الشهيرة وأطلق النار من دون إصابات لأنه أراد التأكد بنفسه، كما قال، من القصة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والتي زعمت أن هيلاري كلينتون وحلفاءها يديرون شبكة من ذلك المطعم لبيع الأطفال لراغبي المتعة.

وهي القصة التي كان يروج لها مايكل فلين الابن، على صفحته على تويتر، وتم بسببها طرده من موقعه في الفريق الانتقالي لإدارة ترامب بعد واقعة إطلاق النار. وفلين الابن هو واحد من أبناء مايكل فلين الذي اختاره ترامب مستشاراً للأمن القومي في إدارته الجديدة.

وفي ولاية فلوريدا، كان والد أحد ضحايا مذبحة ساندي هوك قد تلقى تهديدات بالقتل اتضح أنها ممن يظنون أن المذبحة لم تحدث أصلاً وانما تمت فبركتها من جانب الحكومة الفيدرالية لفرض قوانين جديدة على حيازة السلاح وحمله. ومذبحة ساندي هوك هي تلك التي أطلق فيها شخص النار بلا رحمة داخل المدرسة الابتدائية فقتل 27 منهم 20 طفلاً في عمر الزهور.

واللافت للانتباه في كثير من جرائم الكراهية التي ارتكبت منذ الانتخابات أن مرتكبيها يتخفون وراء اسم ترامب ولا يذكرون أسماءهم، الأمر الذي يطرح السؤال، لماذا يفعلون ذلك؟

والإجابة في تقديري هي أن القوى المسؤولة عن تلك الوقائع لم يوجدها ترامب ولم تنشأ لأنه فاز بالرئاسة وانما هي موجودة طوال الوقت في المجتمع الأمريكي. لكن تلك القوى ظلت دوماً على أقصى الهامش من تيار اليمين الأمريكي. كل ما في الأمر أن خطاب دونالد ترامب في الحملة الانتخابية قد ألهب حماس تلك القوى التي اعتبرت أنه يمثل رؤاها.

فحركة حفل الشاي، التي نشأت في 2009 وتبين في ما بعد أن نخبة الحزب الجمهوري الجديدة لعبت دوراً هائلاً في صنعها، كانت تضم بين جنباتها، هي الأخرى، إلى جانب القوى الشعبية الرافضة للسياسات الاقتصادية، الكثير من التنظيمات المتطرفة .

والتي طالما استخدمت العنف، وغيرها من التنظيمات التي تستخدم نظرية المؤامرة على نطاق واسع. كما لم تخل الحركة ممن يستخدمون خطاباً ينضح بالعنصرية. وقد مارست بعض قطاعات حفل الشاي تلك عنفاً مادياً ولفظياً بالفعل، وخصوصاً تجاه أعضاء الكونجرس من السود عشية انتخابات 2010 التشريعية.

وهي لم تكن مصادفة، في تقديري، أن تستخدم عدد من المنظمات التي أنشأتها حركة حفل الشاي تعبير «باتريوت» في أسمائها. فهو الاسم نفسه لإحدى الحركات الشعبوية اليمينية بالغة التطرف. وحركة باتريوت لها روافد شتى من المتطرفين يجمعهم الاعتقاد بأن الحكومة الفيدرالية واقعة في يد نخبة سرية ممن يخططون لحرمانهم من حقوقهم الدستورية.

وروافد تلك الحركة تضم المتطرفين في فهم الحق الدستوري في حيازة السلاح وحمله، والذين لا يؤمنون بدفع ضرائب للحكومة الفيدرالية، فضلاً عن روافد شتى مرتبطة بالعنصرية والفاشية والتفوق الأبيض.

وقد استخدم ترامب تعبيرات كثيرة في خطابه الانتخابي كانت تستميل تلك القطاعات. فهو لم يتوقف طوال حملة الخريف عن الحديث عن المؤامرة التي تحاك ضده.

وسواء كانت الحكومة الفيدرالية هي التي تتآمر سراً لحرمان المواطنين من حقهم الدستوري في حيازة السلاح، أو كانت النخبة السياسية هي التى تتآمر سراً لسجن المواطنين الأمريكيين أو تتآمر مع الأمم المتحدة لإنشاء حكومة عالمية تضع الأمريكيين في معسكرات اعتقال فإن فكرة المؤامرة فكرة جوهرية لدى الكثير من تلك القوى، وخطاب ترامب المتعلق بالسود الأمريكيين ظل محملاً بكل الصور النمطية السلبية التي طالما استخدمت ضدهم. بل إن خطابه المتعلق بالأقليات عموماً كان يستثير حماس تلك القوى والجماعات.

وترامب الذي يجسد ذروة جموح النخبة الجديدة للحزب الجمهوري سيكون عليه، بمجرد توليه الرئاسة الأميركية، أن يتخذ قراراً صعباً، إذ سيكون عليه الاختيار بين من أثار حماستهم وساعدوه على الفوز، وبين القيام بمسؤوليته الأهم على الإطلاق كرئيس للولايات المتحدة، أي حماية مواطنيه، من كل الأعراق والإثنيات والأديان، وضمان سلامتهم.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

988 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع