أم الاعجوبة كنيسة الساعة للاباء الدومينيكان اللاتين في الموصل

                                       

                         د. سيّار الجميل

   

 

شكرا جزيلا للصديق العزيز الاستاذ علي عبد الامير عجام ارساله رسالته المختصرة لي بعدة اسطر ، وبرفقتها هذه الصورة الجوية النادرة لكنيسة الساعة في الموصل ابان العشرينيات من القرن العشرين ، وتعليقه عليها ،

وهي توضح جليا جزءا من الموصل القديمة ، وشارع نينوى وهو اول شارع فتح في الموصل عند بدايات القرن العشرين ، وهو يربط باب الجسر شرقا برأس الجادة غربا ، وتظهر كنيسة اللاتين ، أو كنيسة الآباء الدومنيكان التي بنيت في الموصل من قبل البعثة الدومنيكانية الفرنسية ابان القرن التاسع عشر ، وهي تعرف ايضا بـ كنيسة الساعة، حسب التسمية الشعبية ، اذ تميزها الساعة الدقاقة القديمة .. وتضم الكنيسة ومدرسة الاباء الدومنيكان التي تخرجت فيها اجيال من المبدعين مسيحيين ومسلمين ، فضلا عن مكتبتها الرائعة التي احتوت على نفائس الكتب بالسريانية والعربية والفرنسية ، ولقد كانت الراهبات الدومنيكانيات اللواتي اتين في بعثة خاصة بعد بعثة الرهبان قد اسست مدرسة للاناث واعتنوا ببناء مركز صحي خدمي تتم المعالجة فيه دون مقابل .. ولقد عاش في هذا المبنى العديد من العلماء والمؤرخين ومنهم الدكتور المؤرخ الشهير الاب فييه الذي كتب جلّ اعماله عن الموصل وتوابعها بعد ان عاش في الكنيسة سنوات طوال من القرن العشرين .. انها إحدى المعالم المميزة في مدينة الموصل والتي بقيت في ذاكرة اهلها مسلمين ومسيحيين منذ القرن التاسع عشر . ولقد قام تنظيم داعش بتفخيخها وتدميرها بالكامل في يوم 25 أبريل / نيسان سنة 2016.
كان بناء هذه الكنيسة وملحاقاتها قد تمّ البدء به في 9 أبريل / نيسان 1866 ، كي تكون مقرا ومركزا دينيا وروحيا وخدميا للآباء الدومنيكان في مدينة الموصل . وكان ان استغرق بناؤها ست سنوات ، اذ تم افتتاحها في يوم 4 آب/ اغسطس 1873 ، وحضر الاحتفال بذلك القاصد الكاثوليكي البابوي نيقولا الكبوشي وكل من مطراني الكنيسة السريانية الكاثوليكية بهنام بني والكنيسة الكلدانية عبديشوع خياط. وكان برجها الشهير المميز بشكله الهندسي ،  فقد اكتمل بناؤه في شهر تموز / يوليو 1882 ، وكان قد احتوى على ساعة في اعلى البرج ، وقد قُدمت هدية ثمينة للآباء الدومنيكان في الموصل من  ،  وكانت تتابع شؤون الدومينكان في الموصل بالذاتEugenie de Montio قبل   زوجة الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث  الامبراطورة  أوجيني  

عرفانا بخدماتهم الكبرى في المدينة.
لقد اختير موقع هذه الكنيسة بذكاء ، اذ انها منطقة في قلب المدينة وتقع بالقرب منها كنيسة مسكنتا القديمة ومطرانية الكلدان الكاثوليك ، وهي منطقة كاثوليكية بامتياز ، اذ تقع كنائس السريان الارثودكس والارمن بعيدة عنها في منطقة اخرى من قلب المدينة في حوش الخان وسوق الشعارين . ان كنيسة الساعة قد وقعت مباشرة على شارع نينوى بعد افتتاحه ، وبقيت كذلك لعقود من الزمن حتى تمّ شارع الفاروق الذي يربط باب الجديد جنوبا بمنطقة الشفاء شمالا ، فكانت كنيسة الساعة قد وقعت عند تقاطع شارع الفاروق مع شارع نينوى وتطل على ساحة ذلك التقاطع . والمنطقة تجدها نسيج اجتماعي متداخل بين المسلمين والمسيحيين معا ، اذ تعايشوا معا على امتداد قرون طوال .
تتكون كنيسة اللاتين ( = الساعة ) من حوش كبير وبوابة ضخمة ومن الحوش الى صحن واسع وكبير تعلوه بخط مواز كل من القبتين المتساويتين في الحجم. كما احتوى داخل الكنيسة على أورغن ضخم ، وضع مقابل المذبح ، وقد كان الأول من نوعه في المنطقة قاطبة . أما برجها الذي يكاد المرء ان يجده من كل زواية من زوايا الموصل القديمة ، فقد علته ساعة ضخمة لها أربعة وجوه يطل كل وجه على اربعة جوانب الشمال والجنوب والشرق والغرب ، وكانت تلك الساعة تدار بالنصب لأكثر من مئة سنة مرت منذ تأسيسها ، اذ تم استبدالها بساعة اخرى إلكترونية ابان عقد الثمانينيات في القرن العشرين . وكانت تلك الساعة قد اشتهرت بدقاتها الجهورية والمميزة التي كانت تسمع في انحاء المدينة القديمة كلها وصولا الى القرى المجاورة لمسافة تقدر بأكثر من 15 كم. ثم خفتت دقاتها مع توالي الزمن بسبب الضوضاء الذي سيطر على شوارع المدينة قاطبة .. ولقد اصيبت هذه الكنيسة ببعض الهرم في ابنيتها وظهور بعض التشققات على جدرانها العالية ، فكان ان قامت شركة إيطالية متخصصة بعمليات الترميم فيها سنة 1989 غير أنها توقفت بعد اندلاع حرب الخليج الثانية عام 1991 .
عانت هذه الكنيسة بعد احتلال العراق عام 2003 من الاهمال ، وخصوصا بعد تردي الاوضاع الامنية في الموصل ، ونزوح العدد الكبير من سكان منطقة الساعة من المسيحيين الى الخارج . ناهيكم عن تعّرض الكنيسة لأضرار بليغة في 9 ابريل / نيسان 2008 بحدوث انفجار قوي للغاية أدى إلى تدمير ساعتها. وكانت موجة نزوح اخرى للمسيحيين من هذه المنطقة نحو القرى المجاورة ، وكان من ضمنهم آخر راعي لهذه الكنيسة بعد ان بقي وحيدا فيها ، وجاء فراره بعد سلسلة من الهجمات التي استهدفتهم بالذات في تشرين الأول / اكتوبر 2004. وجاءت هجمة داعش عام 2014 لتفرغ الموصل وقصباتها جميعا من السكان المسيحيين الذين توطنوا الموصل وانحائها منذ الاف السنين !
وأخيرا ، يقال جاء تدمير الكنيسة بالكامل على يد تنظيم داعش ، اذ تناقلت اخبار شبكة (روداو) مع ما رواه شهود عيان وتكذيب آخرين له أن "عناصر داعش أقدموا على إخلاء منازل المواطنين القريبة من كنيسة الساعة التي تقع في منطقة الساعة وقاموا بتفخيخها من كل الجوانب وقامت عناصر من داعش بتفجير الكنيسة بشكل كامل بعد أن كان الامر قد انتهى من تفجير الساعة التي تقع في أعلى الكنيسة في الثاني من شهر شباط / فبراير 2015، وبعد أن تمّ نهب كافة محتوياتها" . وكانت هذه الكنيسة ، ملجأ لأهالي الموصل حيث يقصدها الزوّار للتبرّك بـ "مريم العذراء" التي يّطلق عليها الأهالي اسم "أم الأعجوبة". وتنفي اطراف اخرى هذا الخبر كله ، وان الكنيسة لم تزل موجودة ..
علي اية حال ، خسرت الموصل في هذه الهجمة البربرية المنظمة ، الكثير من معالمها المعمارية والتاريخية والدينية الزاخرة ، كما خسرت من قبل ومنذ .سنتين العديد من المعالم الحضارية والجوامع والكنائس والاديرة والبوابات والاسوار والآثار والمنحوتات واللقى التي لا تقدر بثمن ابدا.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1072 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع