قصة قصيرة .. السجود

                                              

                       سيف شمس الدين الالوسي


سجد على سجادته بصعوبة بالغة، اطلق انفاسه عاليا  لألم قد اوجعه في اسفل ظهره،  لم يعد بمقدور ذلك الرجل المسن  ان يقوم بابسط الاعمال،  حتى صلاته التي يحبها واصبحت جزء من حياته لم يعد يستطيع تأديتها كما يرغب.

غرفة حقيرة موحشة،  تتراكم فيها جثث لاشخاص منهكين تعبا كانت لديهم كرامة،  ثم انتزعت منهم عنوة،  فرش سجادته بينهم،  ليؤدي واجبه المقدس،  خمس مرات يوميا،  دون ملل او كسل.
رغم كثافة وحشو الاخرين في تلك الغرفة المعتمة التيانقطع عنها التيار الكهربائي، سجد كانه تعلم الصلاة لاول مرة، ولاول مرة نسي ماذا يقول، تزاحمت عليه ذكريات الماضي، كيف كان شابا في عنفوان نشاطه وحيويته، كان جسورا ومحبا للنشوة والفرح، انهالت عليه وابل من الذكريات،  اغنية من التراث تدوي في اذنيه، وفم لفتاة يافعة تقبله من شفتيه، لقد نسيها منذ زمن طويل، لماذا ترا الان اتته في سجوده لتعيد اليه اجمل اللحظات التي قضاها معها، وها هي صديقته الاخرى تسحبه من يده،  وصديقه الذي ينتظره في المطار ليذهبا بسفرة الى اوربا.
هذه القهوة مع النارجيلة وذلك البار وامامه راقصة ممتشقة القد، ومن حوله اصدقائه وكؤوس الوسكي المترعة، وضحكاتهم العالية ،  هذا المرقص وذلك المتحف،  تلك الشقراء التي تعرف عليها في التشيك، وتلك الساعة (الاوميكا) التي اشتراها من سويسرا.
صعد الى برج ايفل،  وتجول بين قنوات امستردام، ليزور بعدها آية صوفيا،  عالمه الماضي الذي لم يتوقع يوما ان يؤول به نهايه مطافه بغرفة نتنة، باردة،  خائفا،  ومهموما، لم يتوقع يوما سيكون عاجزا  عن عمل ابسط الاشياء.
اطلق اهته وكانه يلعن الزمن،  اي زمن خبيث ومخادع، اغراه واعطاه كل ما يتمناه، ليسرق سعادته وفرحته وحيويته في يوم هو بامس الحاجة لها.  
بحث عن نهد حبيبته التي ما زالت معانقته في سجوده،  قبض على سجاته قويا، مداعبا خصلات حافاتها وكانها شعر حبيبته،  اوشك ان يتهاوا عليها،  لكنه افاق من غيبوبته، ليدرك جيدا هو الان قد شرد وهجر قسرا من بيته، عرف هو الان في مكان مجهول،  انهكه التعب، وانهكه التفكير في اي موضع سيموت،  واي مكان سيدفن، ترى لماذا اتته تلك الفتاة من بين الكثيرات اللاتي اقام معهن علاقات،  ترا لماذا هي الوحيدة التي تناديه، لربما هي الان تفكر فيه.
مد يديه اليها في ضباب خياله، داعب شعرها،  داعب نهديها،  داعب شفتيها،  احتضنها، ارتمى اليها كما يرتمي الطفل في احضان امه بعدم ما شعر منذ قليل بخوف فقدانها.
21\4\2015

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1005 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع