فنجان قهوة مع / سفير المقام العراقي الاستاذ حسين الاعظمي

   

       فنجان قهوة مع سفير المقام العراقي الاستاذ حسين الاعظمي

           

   

                            إيمان البستاني

ضيفنا ياسادة ياكرام ...حنجرة ذهبية أدت ترنيمة العراق المقدسة (المقام العراقي ) وشدا بصوته ليسمع به أصقاع الدنيا الطرب العراقي الاصيل , ما أن تسمعه حتى يأخذك طواعية أينما كنت ويجعل سكناك دربونة عراقية بمقام (بيات), وتتكئ فيه على شناشيلها ألخشبية في ظل الظهيرة بمقام (حجاز) , وتطل عليك من روازين الحوش البغدادي جميلات بنات ألجلبي بعيون مثقلة بالكحل والحياء بمقام (نهاوند) , وتترقب الزقاق البغدادي بضجيجه عله  يمر الحبيب بسدارته الفيصلية , يمشي ألهوينى على مقام (الراست) , كل هذا يحضرك وتسعد به مع صوته , إنه  إرث بغداد الاصيل أنه سفير المقام العراقي وعاشقه الاستاذ الكبير حسين الاعظمي...

               
 

ألگاردينيا - تتشرف مجلة الگاردينيا الثقافية بأستضافتك سيدي بفقرة فنجان قهوة ونرحب بكم ترحيباً يليق بمقام سفير للمقام ألعراقي فأهلاً وسهلاً .

شكرا للاخت الفاضلة المهندسة ايمان البستاني ، وشكرا للموقع المثير والمهم (موقع الگاردينيا) وشكرا للاستاذ الكريم جلال چرمگا الذي يدير هذا الموقع بجدارة واقتدار نادرتين ..  
ورغم ان الاسئلة مركزة ومهمة وتحتاج الى اجابات مطولة ، ولكن مع ذلك ساحاول الاختصار والتكثيف ، عسى ان تفي هذه الاجابات بالغرض مع تكرار شكري لكما ، رعاكما الله وحفظكما من كل مكروه ..

   
س1 ألگاردينيا - حسين بن اسماعيل بن صالح بن رحيم العبيدي الأعظمي ، ولدتَ في 8/ايلول/1952 في بغداد مدينة الأعظمية التي تعد مركز مهما لتراث المقام العراقي ، من عائلة تمارس هذا التراث دينياً ودنيوياً دون احتراف , كيف كانت سنوات الطفولة ؟

ج1 عشت في اسرة واهل واقرباء واصدقاء ومنطقة ومدينة ، (منطقتي هي قضاء الاعظمية ، ومدينتي هي بغداد) ، تهوى وتعشق وتمارس غناء المقامات العراقية دينيا ودنيويا ، فبالنسبة لاسرتي واهلي كانت ممارساتهم لهذه الاداءات دون احتراف ، وانما هواية يترنمون بها لوحدهم ، ويبدو انني الاول او الوحيد من اهلي ممن غامر وقدم نفسه الى وسائل الاعلام كمغنٍ للمقام العراقي ، وطبيعي ان اختياري لهذا اللون من الغناء ، لم يكن اختيارا عقليا ، وانما جاء عفويا بحكم البيئة والمحيط الذي اعيش فيه منذ نشأتي .. تعلمت اصول غناء المقامات العراقية من عدة ينابيع وبصورة مبكرة ..! والمقصود بالاصول هنا الشكل ، اي الفورم ، ولكنني امتلكت التعابير البيئية الحقيقية للمقامات من النشأة الاولى ، من البيئة والمحيط المعيش ، والانسان ابن بيئته ، وعليه فالتراث التعبيري (يمتلك ولا يعطى) وبذلك جاء اختياري لهذا المصير تلقائيا دون تدخل العقل في الموضوع ..
 
س2 ألگاردينيا - في  مطلع السبعينات تتلمذت في معهد الدراسات النغمية العراقي على يدي ألمرحوم ألدكتور صبحي انور رشيد وقد كان في الوقت نفسه مديرا للمعهد المذكور ...كيف تحكي عن هذا ألاختيار بدراسة ألموسيقى وهل للعائلة دور في ذلك ؟ حكايتكم مع المقام ؟ وهل للأعظمية تأثير على هذا الأتجاه ؟

  

 ج2 اسس معهد الدراسات النغمية العراقي ، من خلال فكرة طرحها استاذنا المرحوم محمد القبانجي عام 1969 في احتفالية تكريمه من قبل الدولة ، الممثلة بوزارة الثقافة والاعلام ووزيرها المرحوم د.عبد الله سلوم السامرائي ، في تاسيس مدرسة او جمعية او رابطة او معهد يتخصص بتعليم ودراسة المقامات العراقية تقليديا وعلميا وموسيقيا .. خوفا على هذه المقامات من الضياع ، وفي العام التالي اسست وزارة الثقافة والاعلام معهد الدراسات النغمية العراقي ، فكان العام الدراسي الاول (1970 – 1971) وقد عين اول مدير له هو المرحوم الفنان علي عبد الرزاق (علاء كامل – اسمه الفني) المشهور بلحنه لاغنية (ماجينة يا ماجينة) وغيرها الكثير من الاغاني ..

ثم تلاه في ادارة المعهد لفترة قصيرة ، الناقد الموسيقي المرحوم عبد الوهاب الشيخلي ، حتى استلم علامة الاثار الموسيقية المرحوم د. صبحي انور رشيد ادارة المعهد عام 1973 .. في هذه الاثناء جئت الى المعهد آملا قبولي فيه طالبا لدراسة هذا الغناء التراثي الخالد ، ولا اتذكر الان ، من الذي نبهني بوجود هذا المعهد المتخصص بدراسة المقامات العراقية ، حيث كنت اوشك ان اتجه الى معهد الفنون الجميلة التابع الى وزارة التربية المعروف من قبل الجميع .. ولكن هكذا قدر الله ..

وفي اليوم الموعود لاختبار الطلبة المتقدمين الى المعهد لتصفية العدد المطلوب ، والغريب ان المتقدمين كانوا بعدد كبير يعد بالمئات ..! والعدد المطلوب لا يتجاوز العشرين طالبا او اكثر بقليل ..! على كل حال ، جاء دوري ودخلت الى غرفة مدير المعهد د. صبحي انور رشيد ، حيث كانت لجنة الاختبار برئاسته ، واتذكر من اعضائها:

  

المرحوم الفنان غانم حداد ، والشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد مدرس اللغة العربية في المعهد ، والاستاذ المرحوم عبد الوهاب بلال ، والاستاذ المرحوم شعوبي ابراهيم ، والاستاذ عبد الرزاق العزاوي ، والاستاذ منذر جميل حافظ ، والاستاذ المرحوم روحي الخماش وغيرهم الكثير .. او في الحقيقة ان معظم الهيئة التدريسية كانت موجودة في اختبار الطلبة المتقدمين .. شعرت بالارتياح نتيجة اسلوب اللجنة السلس والمريح لامتصاص ارتباك الطلبة الجدد ، وقد طـُـــلبَ مني اداء مجموعة من المقامات ، وقد اديتها ، الامر الذي اثار استغراب اللجنة ، طالبٌ بعمري يغني مجموعة من المقامات الرئيسة والفرعية ..! وبالتالي علمتُ بان اللجنة اعطتني درجة الامتياز في القبول ، ولا تزال هذه الدرجة وحيدة لم تتكرر منذ الدورات الاولى حتى اليوم ..! وكنت حتى في تخرجي من المعهد عام 1979 قد حصلت على درجة الامتياز في مادة المقام العراقي التي لم يتجاوزها احد من الخريجين  حتى الان ايضا ..!

 

منذ طفولتي انا عاشق مجنون في غناء المقام العراقي ، ولا حلم لي غير غنائي وطموحي كي اصبح مطربا له ، بعد ان ادركت منذ بواكير حياتي بان المقام العراقي لابد ان يكون مصيرا لحياتي ...

 

وقد تحقق ذلك عندما صعدت على خشبة مسرح المتحف البغدادي لاول مرة في حياتي يوم 23/3/1973 حيث ادركت بصورة لا تقبل الشك ان في هذا اليوم تقرر مصيري .. والمقام العراقي ، هو الشيء الوحيد الذي لا انفصام منه وعنه ، وعليه بنيت كل احلامي وآمالي في هذا الاتجاه والحمد لله على كل شيء .. اما في شأن معارضة اهلي على ولوجي الى عالم المقام العراقي ودراسة الموسيقى ، فلم تكن هناك معارضة تذكر ، رغم ان عائلتي واهلي من المتدينين والمحافظين جدا ، ولكنهم يعتبرون ان اداء المقامات العراقية أمر ديني اكثر منه دنيوي ..! اذ يقترب هذا التفكير من وجهة نظر كل اهالي الاعظمية ، بل اهالي بغداد كلها .. لان الاداءات المقامية بصورة عامة ، تم الحفاظ عليها عبر القرون من خلال الشعائر الدينية ، وهذا موضوع يجرنا الى حديث وتحليل طويل نتركه الى فرصة اخرى ان شاء الله ..

  

س3 ألگاردينيا - في 11/11/1974  زاركم مطرب العصور المقامية محمد القبانجي وبصحبته بعض مغني المقام العراقي المعروفين للاطلاع على امكانيات طلبة المعهد ومدى تعلمهم غناء المقام العراقي .. وقد استقبله المدير المرحوم د.صبحي انور رشيد وبقية الاساتذة وجميع الطلبة.. وبقيت تلك الزيارة التاريخية عالقة في الذاكرة حتى اليوم ؟ هل ترويها لمحبيك القراء ولنا ؟

ج3  ان زيارة مطرب العصور المقامية محمد القبانجي الى معهدنا في يوم 11/11/1974، كانت منعطفا كبيرا بالنسبة لي ، فقد كان المرحوم القبانجي ملهمي العظيم في غناء المقام العراقي ، وحلمي الذي لا يوصف لمشاهدته ، فكيف والقدر يجعلني اجلس امامه واكلمه ويكلمني واغني له واستقبل ملاحظاته ..؟ ومن ثم يمتدح غنائي ..! بل هو اعلن في زيارته هذه عن ولادة مطرب مقامي جديد ..! حسب ما ذكرته جريدة الثورة زمنذاك التي نشرت بعد ايام قليلة من الزيارة خبرا وصورة تجمعني بملهمي الكبير القبانجي التي كانت ذروة احلامي زمنذاك ..! ومنها ذاع صيتي بين الاوساط المقامية كالنار في الهشيم ، كيف لا والقبانجي يمتدح شابا جديدا في غنائه للمقام العراقي ..؟ على كل حال ، ان هذه الزيارة جاءت بناءاً على ظهور اسمي كمطرب شاب جديد يغني المقام العراقي في المتحف البغدادي ونجاحي في تجاربي الغنائية الاولى فيه ، وذلك حسب ما اخبرني به المرحوم المطرب شهاب الاعظمي الذي جاء بصحبة المرحوم القبانجي الى المعهد ، اخبرني عند عودتنا الى الاعظمية بعد انتهاء هذه الزيارة الشهيرة ، وقال ايضا ، ان القبانجي قال ان هناك مطرب مقامي شاب جديد يغني في المتحف البغدادي سمعت به وقد قيل انه من الاعظمية ، اود ان اطلع عليه وعلى غيره من المواهب الموجودة من طلبة المعهد ..

           

      
جدير بالذكر ان ممن جاء بصحبة استاذنا القبانجي في هذه الزيارة بعض مغني المقام العراقي المعروفين ، وهم الراحلون شهاب الاعظمي ومجيد رشيد ويونس يوسف وحسن البناء وكذلك الملا بدر الاعظمي ..
ممن غنى من الطلبة امام الاستاذ القبانجي ، كان الطالب حسين الوردي في مقام الحكيمي ، ثم تلاه الطالب المرحوم جودت عبد الستار في مقام الاوج ، وبعد ذلك كان الطالب المرحوم صلاح عبد الغفور في مقام البنجكاه ، اذ يبدو ان الطلبة الوردي وجودت وصلاح لم يشفوا غليل استاذ المقام العراقي في المعهد المرحوم شعوبي ابراهيم ، فصاح بين الطلبة الموجودين ، اين حسين اسماعيل .. (لم يكن اسمي الفني حسين الاعظمي قد ثبت بعد) نادوا عليه ليأتِ .. امتثلت امام استاذ الجميع القبانجي وانا غير مصدق ما يحدث ، الان انا اجلس واشاهد ملهمي الكبير محمد القبانجي ، هل حقيقية هذه اللحظات ..!؟

 

على كل حال ، غنيت له مقام الحجاز ديوان ، وهو من المقامات الرئيسة والصعبة في ادائها ولا يغني مثل هذه المقامات الا المطربون الكبار اصحاب التجربة الادائية الكبيرة ..! وعندما وصلتُ الى محطة او قطعة القزاز وهي جنس من سلّم البيات ، قاطعني فيها الاستاذ القبانجي وحدثني عن هذه القطعة وقال (ابني حسين ، ان قطعة القزاز هذه جميلة جدا ، وتحتاج الى ان تشبعها باكثر من بيت واحد من الشعر ، فانا في اسطوانتي لهذا المقام ، اديتها بثلاثة ابيات ، وهي تمثل عصب مقام الحجاز ديوان ، اذ تربط بين الحجاز مرورا بها - اي القزاز - الى قطعة الصبا التي ستاتي بعد القزاز ، بانسيابية لحنية جميلة جدا ومقنعة للسامع والمتذوق ، فلا تتوقف عند بيت واحد فيها ، يمكنك ان تؤديها باكثر من بيت واحد لانها جميلة حقا) بعد ذلك اذن لي بالاستمرار واكملت المقام كله ..

  

وقد كان استاذاي المرحومان روحي الخماش وشعوبي ابراهيم يرافقاني بعزفهما على آلتي العود والجوزة ، فضلا عن مشاركة الطالب امجد خضر هندي على آلة الطبلة .. بعد ذلك إلتفتَ استاذنا القبانجي موجها كلامه الى مدير المعهد المرحوم د. صبحي انور رشيد والمرحوم شعوبي ابراهيم وبقية الاساتذة ناصحا لهما الاهتمام بتعليمي العلمي والتقليدي للمقامات العراقية وقال (ان الطالب حسين ، هو امل المستقبل ، وجدتُ فيه روحية الغناء المقامي ومعرفته باصول مقام الحجاز ديوان الرئيسي وصوته في القرار والجواب متمكن بصورة جيدة ، رغم انه شابا في مقتبل العمر واتوقع له مستقبل جيد في غناء بقية المقامات العراقية فارجو الاهتمام به) ..
ومن ملاحظات هذه الزيارة ومجرياتها ..
1 – انني غنيت امام مطرب العصور المقامية بثقة واضحة امام الجميع ..!
2 – اديت هذا المقام بطريقة مغايرة لطريقة واسلوب اداء استاذنا القبانجي الذي يقلده كل المعاصرين من جيلي او قبل ذلك ، وهو امر اثار انتباه الاستاذ القبانجي كما يبدو ، وكانني اغني وانا اتحدى (طبعا بصورة عفوية ، لم افكر باي شيء غير انني حافظ لمقام الحجاز ديوان واديته بثقة تامة)
3 – ما زلت امتلك التسجيل الصوتي لهذه الزيارة وحديث الاستاذ القبانجي ..
4 – يبدو ان غنائي لهذا المقام بقصيدة مغايرة للقصيدة المسجلة بصوت استاذنا القبانجي في اسطوانته لمقام الحجاز ديوان كان مفاجئة ايضا ، لان مؤديا بمثل عمري لابد له ان يقلد المغنين الكبار بصورة متطابقة في الاسلوب والقصيدة المغناة ، وهو امر معروف للجميع .. فقصيدة استاذنا القبانجي كانت للشاعر الصنعائي الفاتح ابن النحاس وهذه بعض ابياتها ..
بات ســاهي الطرف والشوق يلح    ولبحر الدمع مـــــــن عينيه سفح
ليته اطفأ نيـــران الهوى    حين آذى مهجتي مــــنهن لفح
عاذلي بالله كن لي عــاذرا    ليس من يشــرب خمر الحب يصح
كيف اسلو والـــهوى مستحكم    انحل الجسم وفي الأحــشاد جرح
وإذا لم تدر ما سر امــــــــرىء    فانظر الحال ففي الأحــوال شرح
تيمت قلبي فـــــتاة حسنها    كل حسن عنده يعـــلوه قبح
شعرها ليل وصبح وجــــهها    فتعجب من دجــاء معه صبح
هيمت قلبي فأضحى بـــعدها    للساني في بحـــور الشعر سبح

 اما القصيدة التي اديتها في مقام الحجاز ديوان فكانت للشاعر الحجازي البهاء زهير ، وهي قصيدة لم يسبق ان اديت في المقام العراقي من قبل غيري بهذه الابيات ..

نهـــــــــــاك عن الغواية ما نهاكا     وذقـــــــــــــت من الصبابة ما كفاكا
وطــــال سُراك في ليل التصـابي     وقــــــــــــد اصبحتَ لم تحمد سُراكا
فـــــــــــــلا تجزع لحادثة الليالي     وقـــــــــل لي ان جزِعتَ فما عساكا
اراك هــــــــجرتني هجرا طويلا     ومــــــــــــــــا عودتني من قبلُ ذاكا
فـــــــــــكيف تغيرت تلك السجايا     ومــــــــــــــــن هذا الذي عني ثناكا
فيــــا من غاب عني وهو روحي     وكـــــــيف اطيق من روحي انفكاكا
يـــــــــــعز عليّ حين ادير عيني     افـــــــــــــــــتش في مكانك لا اراكا

                    

س4 ألگاردينيا - كنت أيضاً رياضياً ومدرباً دولياً في المصارعة الحرة والرومانية وبطل العراق لـ 5 سنوات , وتغيرت وجهتك دراماتيكياً للمقام ألعراقي وقد صرعتنا بالقاضية في ألاثنتين ؟ ما سر هذا ألتحول ؟ وهل للمرحوم منير بشير أثر في ذلك ؟

  

ج4 يعد قضاء الاعظمية شبه جزيرة ، لان نهر دجلة الخالد يحتظنها من معظم جهاتها ، وكان بيتنا مطل على النهر بصورة مباشرة ، فلدي سلّم انزل بواسطته من شرفة البيت الى الشاطئ ، وكذلك كنت املك زورقا اتجول به في طول النهر وعرضه للاستمتاع مع ابناء المنطقة .. وكنت واصدقائي نهيئ ساحة رملية مربعة الشكل ، هي اشبه ببساط المصارعة ، تسمى (الجفرة) وفيها نمارس رياضة المصارعة فيما بيننا على الدوام .. وكان الدافع الاهم في رغبتي مشاركة اصدقائي بالمصارعة ، هو تاثري بصورة او باخرى ، بابن عمي البطل الدولي عبد الجبار عبد الخالق ، الحائز على بطولة العراق لسنوات عديدة ، وبطولة الدورة العربية في القاهرة عام 1965 وبطولة العالم العسكرية في المانيا عام 1968 .. وكنت في غالب الاحيان اذهب معه لمشاهدة نزالاته وبطولاته ، التي لا اتذكر اني شاهدته خاسرا يوما ما ..! كذلك كان ابن عمي الاخر باسل عبد الكريم بطلا للعراق هو الاخر ، وعند اعتزاله اصبح حكما دوليا في هذه الرياضة الجميلة ، وكان شقيقه ابن العم د.هلال عبد الكريم لاعبا دوليا في كرة السلة ، وقد لعب اكثر من ثلاثين مباراة دولية مع المنتخب الوطني ، واصبح مدربا لعدة فرق سلوية وما يزال حتى اليوم .. هذه الاجواء الرياضية جعلتني اقترب واميل الى الرياضة ، خاصة وانا في فترة مراهقتي وعنفوان اهوائي .. وعليه كنا نقضي معظم اوقاتنا نسبح ونتسابق في النهر ، او نتصارع فيما بيننا .. حتى حانت فرصة انضمامي الى نادي الاعظمية الرياضي في 14/7/1970 ، النادي الذي اشتهر بابرز ابطال المصارعة الحرة والرومانية في العراق ، الذين غالبيتهم لم يكتفوا بالبطولات المحلية وانما تعدى ذلك الى حصولهم على بطولة العرب مرارا خاصة بالمصارعة الحرة ، وكذلك البطولات الدولية الاخرى ..الى هنا ، لا اريد ان اطيل اكثر ، فقد مارستها لخمس سنوات تماما ، حيث اعتذرت عن السفر مع المنتخب الوطني المغادر الى تركيا للعب مع منتخبها الوطني في تموز عام 1975 واعلنت اعتزالي المصارعة يوم 17/7/1975 ..

 
بعد شهر تقريبا من انضمامي الى نادي الاعظمية الرياضي الذي يعد اقوى فرق واندية العراق في هذه الرياضة ، اقيمت بطولة النادي السنوية ، وقد سُمح لي بالمشاركة فيها بوزن الذبابة (52كغم) وكانت نتيجتي ثالثا ، والملاحظة كانت هي اول بطولة لي اشارك فيها ، واحرز كاسا وان يكن ثالثا ، وكذلك استطعت ان افوز على مصارعين اثنين كانا قد انضما الى النادي قبلي باشهر .. فكان ذلك جيدا بالنسبة لي ، وفي وجهة نظر مدربي المرحوم كريم الاسود .. ولم تمضِ اكثر من ستة اشهر حتى حزت على بطولة الناشئين وبطولة نادي الاعظمية ، الامر الذي اثار انتباه اكثر مدربي الاندية الاخرى ، حتى استقر الامر بانتقالي الى نادي العاب الشرطة الذي بقيتُ العب له اربع سنوات ونصف ، اي حتى اعتزالي المصارعة في تموز عام 1975 .. حزت خلالها على بطولة الشباب وبطولة القوات المسلحة وبطولة بغداد وبطولة العراق للمتقدمين ، وكان ذلك في وزن الديك (57) كغم حيث لعبت بهذا الوزن معظم السنوات الخمس التي مارست فيها المصارعة ..

  

وجدير بالذكر ، انني خلال سنوات ممارستي لهذه الرياضة الجميلة ، كنت ايضا كما مر ذكره سابقا ، امارس غناء المقام العراقي في المتحف البغدادي ، وكذلك قبولي طالبا في معهد الدرسات النغمية العراقي ، ولقائي اكثر من مرة مع الموسيقار منير بشير ، والحاحه عليّ بالانضمام الى فرقته الفتية (فرقة التراث الموسيقي العراقي) رغم اني اشارك في حفلات الفرقة وسفراتها منذ عام 1973 اي قبل تاريخ اعتزالي المصارعة .. حتى اعلن تاسيسها رسميا عام 1975 وظلت قناعة استاذي المرحوم منير بشير بامكانياتي الفنية تلاحقني ، حتى اقتنعت اخيرا بالاعتزال وترك هذه الرياضة دون رجعة اليها ، ولكنني عدت اليها عام 1988 ، اي بعد مــــــــــــــرور ثلاثة عشرَ عاما من اعتزالها ، حيث دخلتُ في الدورة التدريبية العربية الدولية التي اقامها الاتحاد العربي المركزي والعراقي المركزي للمصارعة الحرة والرومانية في بغداد ، وتخرجتُ منها مدربا دوليا بدرجة جيد .. ولكنني بطبيعة عملي الفني وانشغالاتي الكثيرة فيه ، لم امارس التدريب ابدا ، وبقيت المصارعة واحدة من اكبر ذكرياتي الجميلة التي احن اليها كثيرا ..

  

 


س5 ألگاردينيا - حصلت على شهادة الدبلوم العالي في الموسيقى والغناء ، وشهادتي البكلوريوس والماجستير في العلوم الموسيقية الشرقية والغربية من جامعة بغداد , كيف كانت تلك ألسنوات ؟ وهل أثثت فيها لصداقات مع أساتذة تركوا بصمتهم في مسيرتك الفنية ؟


ج5 حصولي على الدبلوم العالي في الموسيقى والغناء كان من معهد الدراسات النغمية العراقي ، وقد سبق ان تحدثت في اجابتي للسؤال الثاني عن هذا الموضوع ، ويمكن اضافة شيء آخر ، هو ان الدراسة في معهد الفنون الجميلة تستمر لخمس سنوات يمنح فيها الطالب المتخرج على شهاد دبلوم شرف ، وفي معهد الدراسات النغمية العراقي ، تستمر فيه الدراسة لست سنوات يمنح فيها الطالب المتخرج دبلوم فن معادل للشهادة العالية حسب النص المدون في النظام الداخلي للمعهد .. وبعد ذلك بعدة سنوات استطعت ان احصل على البكلوريوس والماجستير في العلوم الموسيقية ، وما زلت حتى اليوم مفعم بالطموحات الثقافية آملا ان اكمل رسالتي للدكتوراه واناقشها هذا العام ان شاء الله ، مع اني امتلك شهادة دكتوراه فخرية من جمعية المترجمين واللغويين العرب مطلع عام 2009 .. ومن الطبيعي ان تتطور لدي علاقات وطيدة مع اساتذتي المباشرين ، واساتذة آخرين الذين اعتز بهم ايما اعتزاز واجلهم اجلالا ، وتكريما لافضالهم التي لا تنسى ..      


      

س6 ألگاردينيا - كنت مدير ومطرب المقام العراقي في فرقة التراث الموسيقي العراقي / مدرس المقام العراقي والموسيقى في المعهد والكلية ببغداد / عميد معهد الدراسات الموسيقية ببغداد / مدير بيت المقام العراقي ورئيس الهيئة الاستشارية فيه / امين سر اللجنة الوطنية العراقية للموسيقى / عضو اللجنة الاستشارية العليا للموسيقى والغناء في العراق / عضو جمعية الملحنين والمؤلفين الفرنسية , كيف تسلسل هذه الفترات للقارئ ؟

                      

ج6 كانت فرقة التراث الموسيقي العراقي التي اسسها الموسيقار الراحل منير بشير ، تكونت من اعضائها الاوائل وهم مائدة نزهت وصلاح عبد الغفور وحسين الاعظمي وفرقة الايقاعات العراقية المكونة من سامي عبد الاحد وجبار سلمان وصبحي السامرائي واحمد هربود وعبد الكريم هربود وعلي اسماعيل جاسم والجالغي البغدادي من سعد عبد اللطيف وحسن النقيب ..

 

وبعد هذه المرحلة انضم آخرون وغادر اخرون ، وكان المرحوم حسن النقيب مديرها الاول وهو استاذي في المعهد على آلة الجوزة ، حتى اصبحتُ مديرا للفرقة بقرار من الراحل منير بشير مدير عام دائرة الفنون الموسيقية عام 1978، وبقيت مطربا مقاميا فيها ومديرا لها حتى اضمحلالها اوائل التسعينات من القرن الماضي ..
   

فرقة التراث الموسيقي العراقي ، الواقفون من اليمين حسن النقيب وابراهيم العبد الله وسعد عبد اللطيف ومائدة نزهت وسامي عبد الاحد وذياب احمد هربود وحسين الاعظمي وصلاح عبد الغفور : الجالسون صبحي السامرائي وجبار سلمان واحمد هربود  

وعندما تخرجت من المعهد في العام 1979 عـُـــينتُ مباشرة معيدا في ذات المعهد ، وبقيت فيه لسنوات عديدة اعمل في المساء ، وبعد حصولي على البكلوريوس من كلية الفنون الجميلة ببغداد في الجانب الغربي للموسيقى والغناء ..! كــُـلفتُ بالقاء المحاضرات في قسم الفنون الموسيقية بالكلية ، لخمس سنوات معيدا فيه .. ثم مرت السنوات تلو السنوات ، ونحن العراقيون نعيش الظروف المتعثرة ، استطعت بعد حين الحصول على الماجستير ، وانا الان طالب للدكتوراه ومن المؤمل مناقشتي هذا العام باذنه تعالى ..
ان اهتمامي بغناء المقام العراقي فوق كل اهتماماتي ، ولذلك لم اكن اسعى الى المسؤولية ابدا ، لانها تشغلني عن ممارسة الغناء بصورة منتظمة ولكن المسؤولين الاعلى مني كانوا يرون ذلك ، عليه كان إلحاح الوزير حامد يوسف حمادي بتكليفي مسؤولية بيت المقام العراقي ، وكنت مرارا اعتذر عن ذلك ، وفي ظرف من الظروف لا مجال لذكره ، تم تكليفي بمسؤولية بيت المقام العراقي عام 2000 وبقيت فيه حتى ما بعد الاحتلال البغيض لبلدنا العزيز ، اجبرتُ بعدها من قبل المرحوم بيرج كيراكوسيان مدير عام دائرة الفنون الموسيقية هذه الفترة والوزير مفيد الجزائري على الانتقال من بيت المقام الى ادارة معهد الدراسات الموسيقية رغم اعتذاري عن ذلك ، فبقيت فيه من 2003 الى 2005 حيث قدمت استقالتي وغادرت العراق متوجها الى المملكة الاردنية الهاشمية لاعمل خبيرا للموسيقى العربية ومدرسا في المعهد الوطني التابع الى مؤسسة الملك حسين (رحمه الله) ..

 

وما زلت على راس عملي في المعهد بعمّان ، وستبقى تجربتي على الاخص في ادارة بيت المقام العراقي والمعهد ، تجربة غزيرة يمكنني الحديث عنها كثيرا ، واعمل الان على تهيئة كتاب عن يوميات هذه التجربة المدونة كلها في مكتبتي الخاصة ..
كان اخي وصديقي الفنان الباحث والمؤلف د.حبيب ظاهر العباس رئيسا للجنة الوطنية العراقية للموسيقى في السنوات الاخيرة قبل الاحتلال البغيض ، وقد تم اختياري عضوا في هذه اللجنة المرتبطة طبيعيا بمنظمة اليونسكو من قبل اعضائها ، ثم انتخبوني امين سرها ، وانفك ارتباطي منها بموافقتي بعد ان غادرت بلدي الحبيب اواخر 2005 ..
في السنوات الاخيرة قبل الاحتلال ، وفي فترة كنت مسافرا خارج العراق ، وعندما عدت الى ارض الوطن ، تم ابلاغي باختياري ضمن اللجنة الاستشارية العليا للموسيقى والغناء في العراق ، التي راسها وزير الثقافة محمد سعيد الصحاف ، واتذكر من اعضائها بعض الفنانين المشاهير :

       

المرحوم طالب القرغولي وفاروق هلال ومحمد جواد اموري والمرحوم ياسين الراوي والمرحوم عادل الهاشمي ومحسن فرحان وغيرهم .. وانتهت بعد الاحتلال ..
قبل وفاة الموسيقار الراحل منير بشير بايام قلائل ، او في الاسبوع الاخير من حياته ، كنت قد زرته في بيته بعمّـان مصطحبا معي عازف الايقاع سامي عبد الاحد وعازف الناي عبد السميع عبد الحق ، وذلك بعد عودتي من مهرجان بيت الدين بلبنان عام 1997 لاخبره بالنجاحات التي تمت في مشاركتنا هذه ، وفي الاثناء اهديته احدى اسطواناتي المدمجة الصادرة لي من قبل معهد العالم العربي بباريس ، وهي خامس اسطوانة تصدر لي بباريس ، فضلا عن مشاركاتي وحفلاتي الكثيرة التي اقمتها منذ منتصف السبعينات فيها ، فبادرني مباشرة ، هل انضممت الى جمعية الملحنين والمؤلفين الفرنسية ..؟ طبعا اجبته بالنفي ..! فاخبرني باهمية ان احصل على عضوية هذه الجمعية ، لانني امتلك كل الحق في ذلك ، وفي ذلك ايضا حقوق قد تحتاجها .. وعندما عدت الى بغداد ، ذهبت الى صديقي مدير المركز الثقافي الفرنسي ببغداد السيد فيرون ، اذ كانت علاقتي بالمركز جيدة ، لانني كنت اشارك في نشاطاتهم الثقافية من القاء محاضرات او اقامة حفلات .. وحدثته بالامر ، فساعدني في هذا الموضوع وانتهى بحصولي على عضوية جمعية الملحنين والمؤلفين الفرنسية .. لكن المهم في الامر انني لم استفد منها اي شيء حتى الان غير المسالة المعنوية ..!

          


س7 أگاردينيا - لو بدأنا من العازفين اليهود للمقام صالح شمّيل، عازف الجوزة، ويوسف بتوّ، عازف السنطور كان هناك عدة قراء يهود للمقام العراقي أمثال يوسف حويش، سلمان موشي، سليم شبث، حسقيل قصّاب، برآيك هل بدايات المقام كانت عى أيدٍ  يهودية عراقية ؟

ج7 في اكثر من كتاب من كتبي الصادرة ، اوضحت فيها ان دور اليهود العراقيين في الموسيقى اكبر من دورهم في الغناء ، ويؤيد ذلك حتى الكتــّــاب اليهود العراقيين امثال السيد قوجمان في كتابه (الموسيقى الفنية المعاصرة في العراق) وفي مجمل القضية لم يكن هذا الدور المهم ، سواء في الموسيقى او الغناء اكثر من خمسين عاما او اكثر بقليل ، او حتى لو وصل الى قرن من الزمن ..

  

فالاسباب كثيرة كنت قد ذكرتها في بعض كتبي وفيها بعض التفصيلات لامجال لتفصيلها هنا ، وعليه كان اليهود العراقيون حلقة وصل كبيرة في الموسيقى والغناء بين قرنين ، من تاريخ الموسيقى والغناء في العراق ، في القرن التاسع عشر والقرن العشرين ، وقد استمرت اهميتهم حتى نهاية النصف الاول من القرن الماضي ، اي بعد رحيلهم الى فلسطين المحتلة ..     

  

س8 ألگاردينيا - لو أعطيتنا حصة نموذجية ألان عن المقام العراقي , كم يكون لزاماً عدد عازفيه , ألالات المستخدمة , هل وجود الة السنطور أهم من وجود آلة القانون..ولماذا؟  ماهي الة الجوزة..وهل وجودها يقتصر على العراق؟ وأنواع المقامات ماهو مقام المحمداوي , مقام البهرزاوي والحويزاوي والبنجكاه  والدشت و الجهاركاه ومقام الاورفه ؟ وهل مقام البهرزاوي هو اصلا مقام  ( الابراهيمي ) من نغم البيات  ام لا ؟
وهل مقام الحويزاوي  هو اصلا مقام  ( المثنوي ) ؟ وهل غناه المغني احمد زيدان ام لا ؟ وما يتعلق بمقام الاورفه  فمن الذي اجاد غنائه ؟

     

ج8 اعتاد المغنون المقاميون منذ القدم ان ترافقهم فرقة موسيقية صغيرة لا يتعدى عدد اعضائها اكثر من خمسة ، بل في غالب الاحيان اربعة عازفين ، تسمى بفرقة الجالغي البغدادي (*1) التي تتكون من عازفي الجوزة والسنطور وآلات الايقاع كالطبلة والرف (الدف) واضيفت في بعض الاحيان آلة النقارة .. ولا يقتصر وجود هذه الآلات في العراق فقط ، فهي مستعملة في معظم دول غرب آسيا وبعض البلدان الاخرى ، والاختلافات بسيطة في صناعتها من حيث صندوقها الصوتي ومادة صنعها واوتارها وغير ذلك .. وفي العقود الاولى للقرن العشرين ، كانت التجربة الاولى كما يبدو من استاذنا القبانجي بدمج الآلات العربية كالعود والقانون والناي وكذلك آلة الكمان بآلات فرقة الجالغي البغدادي لتصبح الفرقة الموسيقية هذه تحت مسمى جديد بـ (التخت البغدادي) ..

         

ان آلة القانون العربية آلة متقدمة وليست آلة بدائية ، ففيها من الامكانيات والتفاصيل ما يجعلها تقف في مقدمة الآلات الموسيقية كلها من حيث تقنياتها الفنية ، ولكن مسالة اهمية آلة السنطور فانها اكيدة خاصة في مقامات تمتاز بالتعابير الكلاسيكية والقديمة ، مثل المقامات التي يرافقها ايقاع السماح 36/4 وهي ثلاثة مقامات النوى والمنصوري والسيكاه ، وكذلك مثل مقام الحليلاوي والباجلان وغيرهما .. فآلة السنطور وآلة الجوزة تبرز قيمتهما في مثل هذه المقامات ..

 


في المقامات العراقية ليس هناك مقام باسم المحمداوي ، ربما المقصود مقام المحمودي (سلّمه بيات) والمحمداوي طور من اطوار الغناء الريفي كما هو معروف .. والمحمودي يغنى بالشعر الشعبي (الزهيري) (*2) ويرافق موسيقاه ايقاع اليكرك العراقي 12/4 .. وبالنسبة الى مقامات البهيرزاوي والحويزاوي والبنجكاه والدشت .. فان مقام البهيرزاوي (سلّمه بيات) وايقاع موسيقاه اليكرك العراقي 12/4 ويغنى بشعر الشعبي الزهيري .. وهو ليس مقام الابراهيمي رغم انهما من سلم واحد هو البيات .. في حين ان مقامات الحويزاوي والبنجكاه والدشت ، تكون موسيقاها المرافقة للغناء خالية من الايقاع ، اذ يمضي المطرب في حوار دائم مع الآلات الموسيقية طيلة غناء المقام ، وتغنى هذه المقامات بالشعر العربي الفصيح .. اما مقاما الجهاركاه والاورفة ، فان مقام الجهاركاه يختلف فيه النقاد على انه من فصيلة مقام العجم عشيران ، وفريق آخر يقول ان العجم عشيران هو التابع الى الجهاركاه ، على كل حال ، فالجهاركاه يغنى بالشعر الفصيح وموسيقاه المرافقة ايقاعية باليكرك العراقي 12/4 .. ولموسيقى مقام الاورفة ايقاع الوحدة 4/4 وكلامه بالشعر الفصيح وهو من سلّم مقام (البيات حسيني) وقد اجاد في غنائه اكثر من مطرب مقامي على راسهم اسناذنا القبانجي بقصيدة عبد الغفار الاخرس هذا مطلعها ..
كف الملام فما يفيد ملامي    الـداء دائي والسقام سقامي
وكذلك يوسف عمر في قصيدة هذا مطلعها ..
مـدمـــــع سائل لغير رحيم    وعنائي من سائل محروم
مقام الحويزاوي ومقام المثنوي ، كلاهما من سلّم مقام الحجاز ، وكلاهما يغنيان بالشعر الفصيح ، وكلاهما لا يرافق موسيقاهما الايقاع .. ولكنهما رغم هذا التشابه ، الا ان هناك بعض الاختلافات في الاسلوب الادائي الذي يميز كل منهما في مساراته اللحنية ..

     
س9 ألگاردينيا - أسماء كثيرة أدت المقام العراقي : رشيد القندرجي , حسن خيوكة ,  محمد القبانجي  , يوسف عمر , ناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي وقد خصصت في كتابك ( فن المقام العراقي ومبدعوه في القرن العشرين)  (لرائد المقام الرومانسي) حسن خيوكة 1912-1962 الفنان الذي (عاش كل حياته فقيرا، هاويا، محبا لتراث وطنه الخالد المقام العراقي)  بماذا أمتاز كل واحد عن غيره بميزة ينفرد بها ومن برأيك افضل من أدى المقام العراقي ؟


    

ج9 ان كتابي الصادر في عمّان عام 2010 ، (المقام العراقي ومبدعوه في القرن العشرين) يكاد يكون هو نفس كتابي الموسوم بـ (الاربعة الكبار في المقام العراقي) الصادر في العاصمة الجزائرية عام 2007 بمناسبة - الجزائر عاصمة الثقافة العربية -..

               

وللاسف انني لا امتلك اي نسخة منه ، وفي عمّان عكفت على اعداده مرة اخرى ، مزيدا عليه صفحات جديدة اخرى قاربت المائة صفحة .. ويتحدث هذا الكتاب في مجمله عن الحداثة والابداع في المقام العراقي خلال القرن العشرين ، التي كان رائدها ومثيرها الاول استاذنا محمد القبانجي ، ولكنني اخترت اربعة مغنين مقاميين ابداعيين من الذين جاؤوا بعد القبانجي وتاثروا بتجاربه الابداعية وانتجوا تسجيلات مقامية باصواتهم كانت في غاية الروعة ..وقد كتبت في ترويسة الغلاف تحت العنوان(دراسة تحليلية فنية نقدية فكرية لابرز المغنين المبدعين في القرن العشرين بعد محمد القبانجي)....

               

والاربعة الكبار الذين اخترتهم ، هم حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي .. ورغم ان هؤلاء الاربعة كانوا قد استقوا اساليبهم الادائية في المقام العراقي من صلب اشعاعات الطريقة القبانجية ، الا ان كلا منهم امتاز باسلوب مغاير للآخر .. فحسن خيوكة امتاز باسلوبه الادائي الهادئ والمعبر عن خيال جميل بتاملات رومانسية قلما نجدها عند غيره من المغنين المقاميين ..

           

ويوسف عمر امتاز بالتعابير البغدادية الصرفة التي عبر فيها عن اذواق الناس المعاصرين لحقبته ، حيث نقل التراث المقامي من السابقين الى اللاحقين بكل صدق وامانة دون زيادة او نقصان باسلوب بغدادي نادر .. اما ناظم الغزالي ، فانه المطرب الفني الذي لا يضاهى في اسلوب ادائه الفني سواء في العراق او الوطن العربي طيلة القرن العشرين ، بتعابيره الخيالية الحالمة الخلابة ..

  

واخيرا عبد الرحمن العزاوي الذي لم ينصفه النقاد والكتـّـاب وهو الذي امتاز بصوت نظيف وجميل ، وباسلوب صوفي روحاني ينسجم مع التعابير المقامية الكلاسيكية القديمة التي تقترب من التعابير الدينية ..

                        


س10 ألگاردينيا - أحييت عام ٢٠١٢ مع سيّدة المقام فريدة محمد علي في مدينة أوترخت الهولندية أمسية للمقام العراقي , برأيك هل نجحت فريدة في أدائها هذا النوع الصعب من الغناء ؟ وما هي مقومات صوتها ؟ وهل تشجع أن يؤدى المقام بحناجر نسائية ؟

   

ج10 ان تجربة الحفل المشترك مع تلميذتي الفنانة المتالقة فريدة محمد علي في مدينة اوترخت الهولندية يوم 23/3/2012 والذي اقامته مؤسسة راسا العالمية ، بالتعاون مع مؤسسة المقام العراقي ...

  

ومن فكرة طرحها اخي الفنان عازف الجوزة الشهير محمد حسين قمر زوج الفنانة فريدة ، كانت ناجحة بمقاييس عديدة ، حضرها جمهور غفير من الهولنديين والعرب والعراقيين والسفير العراقي وبعض من السفراء والسلك الدبلوماسي .. وهي المرة الاولى التي نشترك معا في امسية واحدة في آن واحد ، وفريدة مطربة مقامية ناجحة ومتمكنة في كثير من المقامات العراقية ، اذ تمتلك صوتا قويا تستطيع من خلاله ان تؤدِ حتى المقامات التي تحتاج الى طبقات صوتية عالية ، فمساحة صوتها كبيرة وجيدة .. ويكفي انها درست في المعهد اربعين مقاما وهو منهاج السنوات الست المقررة للدراسة في المعهد ، فضلا عن تجربتها الكبيرة في الغناء ، انها اول مطربة مقام تدرس الموسيقى والمقام من النساء ، وهي اول مدرسة للمقام العراقي في المعهد من النساء ، وبالتالي هي افضل من ادى المقامات باصولها التراثية من النساء .. وهذه ريادة لها ، وتسجل في تاريخها الشخصي .. اما مسالة تشجيع المرأة على غناء المقام العراقي ، فهي مسالة لا نقاش فيها ، فلو لم اكن اشجع على ولوج المراة لغناء المقام العراقي ، لما ألفت كتابا خاصا بهذا الشان الموسوم بـ (المقام العراقي باصوات النساء) الصادر في بيروت عن المؤسسة العربية للدرسات والنشر عام 2005 ..

 
 


س11 ألگاردينيا - أحييت حفلاتك في اكثر من سبعين بلدا ، ونلت اوسمة وجوائز وشهادات تقديرية عديدة من المهرجانات والمؤتمرات الفنية طيلة اكثر من سبعة وثلاثين عاما من التجربة ألفريدة ؟ هل هو الاحساس نفسه في كل حفلة ؟

  


ج11 ان تجربتي الرياضية افادتني كثيرا في هذا الجانب ، وهو ما تعلمته من ابطال المصارعة الاسبق مني ، وخاصة ابن عمي البطل الدولي عبد الجبار عبد الخالق ، وهو الحذر كل الحذر من اي خصم مهما كان مستوى الخصم بطلا ام ناشئا ، فلابد ان تفكر بالخصم لئلا تحدث المفاجئة ولا ينبغي الاستهانة به .. وهكذا موضوع الحفلات ، خاصة في المهرجانات الدولية ، فلابد ان يكون الاستعداد لها جيدا ، لانها تبقى تاريخا مسجلا للفنان ، وبالتالي هو يمثل بلده امام العالم وهي مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الفنان نفسه ، صحيح ان هناك ظروفا قلقة واستثنائية قد تحدث في الايام القريبة من موعد الحفل ، الا ان الفنان يتوجب عليه الانتباه لهذه الاحتمالات ليكون في جاهزية جيدة لحفله .. وعليه يكون احساسي في كل حفلة وكانني في حفلتي الاولى ولابد من نجاحي فيها ..   


   


س12 ألگاردينيا - يصاحبك عازف الجوزة الاستاذ محمد حسين كمر , كيف تصفه ؟ كما يصاحبك نجلك ( غسان ) عازف القانون في حفلاتك الموسيقية , كيف غرزت هذا الحب فيه ؟ بعد أن منحت أسمي صبا ونوى للتوأمين وفلتت وديان من التسمية النغمية ؟ هل للعائلة هوى يختلف عن هواك ؟


ج12 تخرجت من المعهد قبل اخي محمد قمر بسنة ، فانا قبله بدورة ، وتخرجنا من الكلية في نفس العام ، وكذلك حصلنا على الماجستير في يوم واحد ، ومضى على تعارفنا زمنا قارب ثمانية وثلاثين عاما ، ولم نختلف يوما .. محمد حسين قمر فنان شامل ، فنان كبير ، فهو عازف جوزة من الدرجة الاولى ، وقائد فرقة ممتاز وكاتب نوطة ممتاز وملحن رائع جدا ويعزف على عدة آلات موسيقية منها مثلا العود والكمان والكونترباس وآلات الايقاع ، فضلا عن كونه مدرسا للموسيقى النظرية والعملية ..
اما في شان ولدي غسان الذي تخرج من معهد الدراسات الموسيقية عازفا على آلة القانون ، لم يكن ميله العمل المهني في الموسيقى وبقي يعشق آلته مع نفسه دون ان يحترف العمل الموسيقي ، ورغم اني حاولت ان اجعله قريبا مني في عملي الفني حيث اصطحبته معي في بعض سفراتي ، لكنه يبدو انه كان قد قرر العمل في امور اخرى ، وعلى الاخص في عالم السيارات ..! فقد كان معي في بعض المشاركات الخارجية منها مهرجانات في المغرب وباريس ولبنان والكويت وسوريا والاردن والقاهرة ..

 


اما تسمية ابنائي بهذه الاسماء جاء للحظات اود ان اتذكرها ، فابنتي الكبيرة وديان ، وهي الان طبيبة ، جاء اسمها حينما كنت في جولة فنية رسمية لاقامة حفلات في سبع دول اوربية مع فرقة التراث الموسيقي العراقي ، استمرت اكثر من شهر ونصف عملنا خلالها حفلات عديدة في العواصم والمدن الاخرى ، وتنقلنا بين المدن تارة بواسطة الطائرة وتارة اخرى بالقطارات او السيارات ايضا ، وشاهدنا الكثير من الجبال والوديان والسهول واالسواحل وغيرها من البيئات ، وتكرار هذه المشاهدات والنطق بها ، اعجبني اسم وديان ، فقلت لزملائي الفنانين ، اذا رزقني الله سبحانه وتعالى ببنت او بولد ، فاسم وديان لن يتغير ..! وهكذا جاءت وديان .. وبالنسبة الى اسم ولدي الحبيب غسان ، فقد اسميته حبا بخاله غسان صديق العمر ..! اما عشقي الكبير للمقامات العراقية هو الذي قادني الى تسمية التوأم الذي رزقني به الله عز وجل الى تسميتهما على اسم مقامي الصبا والنوى .. مقام النوى في خيالي يمثل ترف المقامات العراقية ، ذلك المقام الرومانسي الحالم ، ومقام الصبا الذي يتسم بمسحة الحزن في تعابيره ، فهو في خيالي يمثل بكاء الرجال ..

  

س13 ألگاردينيا -حزت على جائزة الابداع الكبرى في العراق عام 1999 ونلت لقب فني من وزارة الثقافة العراقية (سفير المقام العراقي) عام 2003  / عضو نقابة المعلمين في العراق ..كما  نلت جائزة (الـ ماستر بيس, A  Masterpiece )العالمية من منظمة اليونسكو 2003 ، عن بحث وغناء وتحليل في المقام العراقي ،كما ادرج اسمك ونبذة عن حياتك في موسوعة اعلام القرن العشرين في العراق . كما منحت شهادة الدبلوم الفخرية من مهرجان (عالم المقامات) في باكو العاصمة الاذرية 2009  ومنحتك جمعية المترجمين واللغويين العرب الدولية شهادة الدكتوراه الفخرية مطلع عام 2009 ماهو شعورك وأنت وسط الجوائز ؟ هل أنت راض عما قدمته ؟

ج13 انني احمد الله عز وجل ، على هذا الحال وعلى كل حال ، فقد ساعدني الحظ بعض الشيء في بداية ولوجي عالم الغناء المقامي على المستوى الاعلامي ، وانا اعترف بذلك ، رغم عنفوان طموحاتي التى لا تتوقف ، فلقائي بالمرحوم الموسيقار منير بشير كان انعطافا كبيرا وحظا جيدا في مسيرتي الفنية ، واكاد اقول ان الموسيقار منير بشير هو الذي قدمني الى العالم وهذب ونظم ونور افكاري وطموحاتي الفنية على مدى ربع قرن ، عشت معه موظفا فنانا في دائرة الفنون الموسيقية التي يراسها ، والحديث عن المرحوم منير بشير يطول ويكثر ، فانا لم التقي بشخصية عراقية ولا عربية ، بمثل رؤية منير بشير المعاصرة والحضارية ، هو شخصية عالمية بمعنى الكلمة ، وبالنسبة لي ، هو الرجل العصي على النسيان ، وسابقى اذكره ما حييت .. فمن خلال عملي الفني مع هذا الفنان الكبير ، قـُـدِّر لي ان اسافر الى العالم ، لاكتشف عوالم ما كنت لاطلع عليها لولا منير بشير ..
هو الذي ايقظني الى قيمة الوقت والزمن الذي يمضي ، فحاولت فعلا ان لا اضيع من الوقت الكثير خلال حياتي بصورة عامة ، فقد نمّى احساسي بالتاريخ ، واحساسي بمسؤولية قيمة النتاجات التي نتركها للتاريخ بعد ان نمضي .. وظل المثل الشعبي القائل (اننا نحفر البئر بابرة) يرن في اعماقي ، وكنت قريبا من هذا المثل ، فما زلت احفر البئر بابرة وسط ظروف بلدنا الغالي ، التعيسة في كل شيء ، في السياسة والاقتصاد والاجتماع وغيرها .. وجاءت كثرة الاوسمة والميداليات والدروع والشهادات والجوائز تتويجا حقيقيا لمثابرتي الدائمة في العمل الفني والثقافي ، وانا راضٍ عمّا قدره الله لي ، ولو كانت ظروفنا في بلدنا العراق افضل لكانت النتائج افضل بكثير ، والحمد لله على كل شيء ..

       


س14 ألگاردينيا - ألقيت العديد من المحاضرات عن المقام العراقي والموسيقى العراقية في المؤتمرات الدولية والجامعات العربية والأجنبية وكذلك المؤسسات الفنية منها: معهد العالم العربي في باريس , معهد الموسيقى العالي بتونس , كلية التربية الموسيقية في القاهرة , جامعة اليرموك في الأردن , الجامعة الاردنية , مؤسسة خالد شومان في عمان , جامعة فاس في المغرب, جامعة هارفرد ببوستن, جامعة جورج تاون بواشنطن, احدى المؤسسات الفنية في نيويورك , وحاليا خبير ومدرس الغناء في المعهد الوطني للموسيقى التابع الى مؤسسة الملك حسين في الاردن , كما ولديك  سبعة كتب في الموسيقى والغناء مطبوعة ، واكثر من هذا العدد مخطوطة ..كيف تحكي عن هذا الجانب في حياتك ؟ هل يروق لك ألعمل نظرياً وأكاديمياَ ؟

  

ج14 منذ ان بدات طالبا في معهد الدراسات النغمية العراقي (معهد الدراسات الموسيقية حاليا) في مطلع السبعينات ، حتى بداتُ اشعر بمرور الزمن والتجربة الدراسية ، بمعاناة وهموم الاداء المقام في نواحيه الفنية والعلمية والعملية ، ومن هنا بداتْ عندي الميول الجادة للكتابة ، على شكل مقالات فيما يخص شؤون الموسيقى والمقام العراقي ، بعد هذه المرحلة بداتُ انشر بعضها في الصحف العراقية .. وتطور الامر الى نشر بعضها ايضا في الصحف العربية ، وبقيت كتاباتي بصورة متقطعة بين الحين والاخر ، او عند الحاجة الى الكتابة عن موضوع ما او ملاحظة ما يمكن ان اكتب عنها وجهة نظري الشخصية ، ان كانت نقدية او تحليلية او فكرية يمكن طرحها ..
استمر بي الامر على هذه الحال الى زمن طويل ، لم اكن افكر في يوم ما بان اصدر كتابا ألمُّ فيه افكاري ووجهات نظري في الظواهر المقامية التي اعاصرها ، الا بعد ان تخرجت من الكلية ، قسم الفنون الموسيقية التي استفدت منها فائدة ثقافية كبيرة جدا ، واتقنت مادة علم مناهج البحث العلمي ، التي وجدت فيها غايتي وطموحي الثقافي ، فتحولت معظم كتاباتي من مقالات محدودة الى بحث موسع ربما في مواضيع بعض المقالات التي كتبتها سابقا .. وعندما كنت اقرأ بعض الصفحات من هذه البحوث على مسامع اصدقائي من الباحثين او النقاد الموسيقيين ، وجدت تشجيعا متواصلا منهم واعجابا بما اكتب والاحظ .. وهم الذين زرعوا في ذهني  فكرة تحويل هذه البحوث الى كتب ، وعندما اوشكت اصدار كتابي الاول (المقام العراقي الى اين ..؟) قال لي اخي وصديقي الشاعر الغنائي والناقد حامد العبيدي ، بانني اذا اصدرت هذا الكتاب فانه سيحدث ضجة في الاوساط الفنية ..!

  


كان هذا سردا تاريخيا لنشوء فكرة اصدار الكتب ، ففي عام 1999 أو 2000 وانا في خضم انشغالاتي الفنية ، ظهرتُ على شاشة التلفزيون الفضائي العراقي ، وكانت مناسبة ما ، المهم انني قلت في هذا اللقاء القصير ، بانني انوي التوقف عن الغناء بعد بلوغي الخمسين عاما ، للتفرغ والاهتمام بنشر كتبي المخطوطة التي تجاوز عددها عشرة كتب .. ورغم ان هذا التصريح لم يرضي الكثير من النقاد والجماهير ، الا انني كنت مقتنعا كما يبدو بطبع كتبي المخطوطة واعطائها اهتماما كافيا ، لانني مقتنع ايضا بجدواها ومضمونها الثقافي والعلمي ، آملا من الاجيال اللاحقة ان تتجنب الاخطاء التي وقعنا نحن فيها ، كي يستمر التطور الفني للموسيقى والمقام العراقي ، وباعتبارها واحدة من المحاولات التي احاول طرحها على تلاميذنا واجيالنا اللاحقة ليستفيدوا منها .. آمل ذلك ..

 
 لكنني قبل ان ابلغ الخمسين عاما من العمر ، صدر اول كتاب لي في بيروت وفي اشهر دار نشر عربية هي (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) التي يمتلكها الاخ والصديق العزيز الاستاذ ماهر الكيالي ، وكان كتاب (المقام العراقي الى اين..؟) الذي يبدو من عنوانه ، القلق الواضح والخوف على التراث من تطور الحياة التكنولوجية المرعب ، خاصة ونحن نودع قرنا وألفية ، ونستقبل قرنا وألفية جديدة ..! فماذا سيحدث للتراث وبقية الموروثات ..؟ هل ستصهر هذه التكنولوجيا كل الخصوصيات والبيئات ..؟ ام يبقى هاجس العودة الغريزي في الانسان الى الماضي والتمسك به رغم كل التحولات والمتغيرات ..؟

                                   

                          الاستاذ ماهر الكيالي

بالنسبة الى إلقاء المحاضرات ، فقد ألقيت اول محاضرة لي خارج اطار التدريس في المعهد او غيره ، وذلك في يوم 22/12/1990 في بهو جمعية الفنون والتراث (الجمعية البغدادية) في منطقة الصليخ من الاعظمية ، ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم تكررت محاضراتي وبحوثي في امكنة عديدة داخل العراق وخارجه في الكثير من المؤسسات الفنية والجامعات والمؤتمرات الدولية .. ولا تزال في جعبتي الكثير من البحوث والكتب المخطوطة ، التي اسعى جاهدا الى طبعها ان شاء الله .. وسابقى شغوفا ومحبا ومولعا بالثقافة والعلم والمعرفة ..

           

س15 ألگاردينيا - هل أرتداؤك للسدارة والعباءة يخلق جواً تراثياً لنفسك أولاً تستند عليه بمزاجية لاداء المقام العراقي وماهو تقبل الجمهور الغربي لهذا الفن ؟

ج15 يؤكد علماء النفس ، ان الشكل له علاقة وطيدة في مضمون النتاج ، وبصورة طبيعية لا تــَــصنـُّــعَ فيها .. عليه فان ما ارتديه على المسرح مثلا ، ينعكس فيما اغنيه من تعابير بصورة نسبية ، فعندما ارتدي الصاية واضع العرقجين على راسي وألفهُ باليشماغ ، عندها تكون تعابيري اكثر قربا الى القديم ، وعندما اكون معتمرا السدارة ومرتديا العباءة العربية اشعر نفسي بشخصية الافندي ، فتغلب عليّ التعابير الوقورة ، وكذلك الامر عندما اغني وانا مرتديا لباسا حديثا باناقة جميلة ، ربما اكون في جوٍ من العاطفة الرومانسية في التعبير .. ولكن في كل الاحوال نحاول ان يكون اداءنا جيدا وجميلا من كل النواحي ، ويحضرني قول السموأل في قصيدته الشهيرة بمطلعها ادناه مع الفارق في القصد والمعنى ..      

(اذا المرءُ لم يـُدنَس من اللّــؤمِ عِرضُهُ     فـــــــــــكلُّ رداءٍ يرتــــــــديه جـــــــميل)

      


س16 ألگاردينيا - كلمة تخص بها مجلة الكاردينيا الثقافية بشخص رئيس تحريرها الاستاذ جلال چرمگا وكل عشاقك ومتابعيك من قراء المجلة ؟

ج16 في نهاية هذه الاجابات ، استميحكم عذرا لطول الاجابات ، رغم انني حاولت بكل تاكيد تكثيفها واختصارها ، ولكن ما حيلتي والاسئلة هي مكثفة اساسا ، ومركزة وعميقة ، وتحتاج الى اطالة اكثر من هذه الاجابات ، لوجود معلومات كثيرة اخرى نتركها في مناسبة اخرى باذنه تعالى .. وختاما ارجو ان اكون موفقا في اجاباتي ، ولا يسعني في هذا الختام الجميل الا ان اقف واحني قامتي احتراما وتكرمة للموقع الفريد والجميل (الگاردينيا) ولمديره ومهندسه الاستاذ الفاضل جلال چرمگا ، شاداً على يده هذه الجهود الخيرة والاعمال الجبارة التي تهدف الى الحفاظ على تراثنا الخالد وحمايته من الركود والانحسار والاضمحلال ، كذلك اتوجه بالشكر الجزيل للاخت الفاضلة المهندسة والصحفية الاديبة ايمان البستاني في فنجان قهوتها اللذيذ ، مهنئا لها النجاح الباهر لهذا الفنجان منذ ان اطلعت على الفنجان الجميل مع اخي الغالي وصديقي المثالي الكاتب الصحفي زيد الحلي ، وتحيات كثيرة واماني جميلة لكل اخوتي واصدقائي القراء الاكارم راجيا ان يكون هذا الوقت الذي قضيناه معا في قراءتكم لهذا الفنجان ، وقتا جميلا ، عسى انني كنت ضيفا خفيفا ودمتم جميعا لاخيكم
حسين الاعظمي 

 

      


أما كلمتي الاخيرة فهي متى ماسمعت عزيزي القارئ المقام العراقي يعلو بحضور سنطور وجوزة توجب عليك خلع نعليك لتتهئ للصلاة ... لأنك ستكون في حضرة الوطن
في أمان ألله ... لضيفنا ... ولكم


                  

الهوامش
(*1) الجالغي البغدادي .. تعارف الناس على تسمية الفرقة الموسيقية الصغيرة التي ترافق غناء المقام العراقي بـ (جالغي بغداد او الجالغي البغدادي) وكلمة جالغي تركية الاصل ترجع الى التعبير المركب من (جالغي طقميسي) الذي يعني جماعة الملاهي ، وتتألف هذه الفرقة الموسيقية من الآلات التالية .. السنطور ، الجوزة ، الطبلة ، الرق ، واحيانا تضاف اليها آلة النقارة الايقاعية ..)
-     آلة الجوزة .. الجوزة تسمية حديثة سائدة في العراق فقط ، وترجع هذه التسمية الى المادة التي يصنع منها الصندوق الصوتي للالة وهو (جوز الهند) . اما في الاقطار العربية فان هذه الآلة تعرف باسم(الرباب)ذات الوتر الواحد ، في حين ان الجوزة في العراق ذات اربعة اوتار وامكانياتها تقارب امكانيات آلة الكمان ..
-    آلة السنطور .. هذه الآلة يرجع اسمها الى اللغة الآرامية العائدة الى عائلة اللغاة السامية التي تنتمي اليها اللغة العربية ، والسنطور آلة وترية بشكل شبه منحرف يعزف عليها بواسطة المضارب ..
(*2) الزهيري :  

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

733 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع