السلطان عبدالحميد يمنح عراقيان القاباً تليق بمكانتهما

  

      

                   بقلم عمار وهبي

           

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .. وبعد أن نُصِّب السلطان عبد الحميد الثاني سلطاناً ارسل بطلب وجهاء الصابئة للاستفسار عن أحوالهم وعن ماهيّة عقيدتهم .. فاختار الصابئة المندائيون لذلك اللقاء شخصيتين .. "جالس محسن جابر" و "فياض مران عبد الله" .. والأثنان من قبيلة كنانة عاشا في الكحلاء في محافظة العمارة .. ذهب الأثنان الى اسطنبول .. وقابلا السلطان عبد الحميد .. وبعد اللقاء منح جالس لقب "باشا" لأنه كان مثقفا ومتعلما ويجيد التحدث بالتركيه .. أمّا فياض فقد منح لقب "شيخ عرب" وهو اللقب الذي يطلق على المشايخ المهمين وقتها .. وهكذا أصبح شيخاً على طائفة الصابئين .. بعد عودتهم من الاستانة الى العراق بقي "فياض" في بغداد لفترة من الزمن حيث دخل في الارسالية الامريكية التي كانت مفتتحة للتو عام 1883 تقريبا ومقرها بيروت .. من اجل تعلم اللغة الانجليزية .. في تلك الفترة استطاع ان يوسّع علاقاته وان يشكل روابط جيدة المستوى من العلاقات الاجتماعية .. وبعد ان عاد "فياض" الى الكحلاء وذاع صيته بنى مضيفا خاص به .. ولكونه صابئي جعل مضيفه بموقدين احدهما للمسلمين والثاني للصابئة من اجل مراعاة واحترام اتباع الديانتين من ناحية المأكل والمشرب ..

بعد وفاة "فياض" عام 1911 بقيت العائلة بقيادة ابنه البكر .. "عنيسي" في الكحلاء لمدة 4 سنوات حتى عام 1915 انتقلوا الى مدينة العمارة .. حيث إمتهن "عنيسي فياض" صياغة الذهب .. ولمّا ذاع صيته في المدينة ووصل الخبر الى حراس المدينة أنفسهم .. حاولوا اقتحام داره من اجل سرقته .. وإستطاع عنيسي الأمساك برئيس الحراس متلبسا بالجريمة فتعرض لطعنة خنجر في صدره جعلته يرقد في الفراش لفترة طويلة .. قرر عنيسي فياض كبير العائلة وبعد تلك الحادثة ان ينتقل الى بغداد .. فأستعان بصديقه "عبد الرحمن الكيلاني" رئيس اشراف بغداد الذي تعرف عليه في الأرسالية .. فساعده في استئجار محل تجاري كبير في شارع النهر .. وكان ذلك في العام 1916 .. وبعد 3 سنوات اي في العام 1919 انتقلت العائلة جميعها الى بغداد ومكثت في منطقة (الكريمات) حيث إستوطن هناك عنيسي فياض ولحق به عباس عماره (والد الشاعرة لميعه عباس عماره) وبقية افراد العائلة .. ثمّ توالى إستئجار المحلات التجارية من قبل أفراد العائلة على طول شارع النهر كلٌ قريب من بعضه .. وبذلك انتشرت محلات الصياغة في شارع النهر ويكون المركز الرئيسي لصياغة وبيع الذهب في بغداد

         

وحينما وصل فيصل الاول للعراق عام 1921 استدعى عنيسي فياض مران .. وتعرّف عليه ومن ثمّ جعله الصائغ الخاص للعائلة المالكة في العراق..
في العام 1926 وصل الامير غازي للعراق وبقية أفراد العائلة .. فارسل الملك فيصل الاول على عنيسي فياض لشراء بعض المصوغات الذهبية ومن جملة ماطلب منه الاهتمام بغازي .. إبتسم فياض مذكّرا إيّاه بأنّه من الديانة الصابئية والتي تعتبر أقليّة في العراق ومعظم أهل البلد من المسلمين سِنّة وشيعة .. فرد عليه الملك لانك صابئي فانت محايد لا تنحاز لاحد الاطراف لذلك اوصيك بالاهتمام بغازي .. ولذلك أحبّ الملك غازي كثيرا عنيسي فياض.

ونتيجة لمكانة عنيسي فياض (ابو بشير) .. وحرفته في صياغة الذهب أصبحت له علاقات جمّة وواسعة مع مختلف شرائح المجتمع العراقي .. اضافة الى ذلك حينما كان يعقد المجلس النيابي بداية الثلاثينيات في بغداد فإن سكن معظم النواب في شارع النهر .. حيث أول محل لصياغة وبيع المصوغات الذهبية .. ومن هؤلاء النواب السيد علي بحر العلوم .. فقد كان بحر العلوم شخصية اجتماعية .. لذا أخذ يتردد كثيرا عليه فتوطدت العلاقة بينهما بشكل كبير فكتب بحر العلوم هذه الابيات:
بيني وبين ابي بشير مودة *** تبقى مدى الايام والاحقاب

ارجو يدوم الود فيما بيننا *** كوداد سيدنا الرضي والصابي

فالسيد علي بحر العلوم كان يشبّه العلاقة بينه وبين عنيسي فياض كما هي علاقة الشريف الرضي ب أبي إسحق الصابي.
في عام 1936 تعرضت حسينية الكريمات لخراب نتيجة قدمها ولَم تعد صالحة لأستخدام أهالي المحلة .. لذا طلبوا أهالي محلة الكريمات تدخله بأعتباره على مقربة من العائلة المالكة .. فذهب مع وفد من الكريمات الى امين العاصمة "محمود بك صبحي الدفتري" واستطاع ان يستحصل موافقات حول منح قطعة ارض بمساحة 400 مترا مربع .. وساهم ايضا في نصف كلفة البناء.

في عام 1939 .. اختارت الحكومة العراقية مجموعة من الحرفيين الصاغة .. لتمثيل العراق في معرض نيويورك الدولي وكان من ضمنهم .. سبع فياض وعباس عمارة (والد الشاعرة عباس عمارة) مكثوا هناك قرابة 9 أشهر على هامش تلك المشاركة حصلت الكثير من النشاطات .. تعرفا من خلالها على عمدة نيويورك والذي شاركاه في بعض الأحتفاليات وتوطدت علاقة صداقة حميمة معه

"سعيد فياض" من محلة الكريمات يتيم توفي أباه وهو في بطن امه .. فقام بالتكفل به وتربيته عنيسي فياض رعاه ومنحه اسم عائلته .. حتى دخل الكلية العسكرية وتخرج منها عام 1938 .. حتى أصبح آمر حامية السماوة .. وفي احداث حركة مايس لرشيد عالي الكيلاني عام 1941 والتي حظيت بتأييد شعبي كبير واستولى الجيش على الساحة السياسية متمثلاً بقادته الأربعة معلنين حركتهم ضد قوات الاحتلال البريطاني والضغط على الوصي عبد الإله وحمله على قبول استقالة الهاشمي وتكليف الكيلاني بتأليف الوزارة الجديدة .. شارك سعيد في الحركة وفِي التمرد .. ولكن بعد فترة فشلت الحركة فيما بقي سعيد متمردا لاشهر في الحامية حتى ذهب اليه عنيسي سرا واقنعه بأن الحركة فشلت وان عليه ترك الحامية واحضر له ملابس مدنية وعاد به الى بغداد .. اخفاه في سرداب بيته لفترة طويلة وسعى من اجله عنيسي واستصدر مرسوما ملكيا بالعفو عنه .. واكتفت الإرادة الملكية بطرده من الجيش وأنيط له منصب مدير دائرة انحصار التبغ في الناصرية .

صورة مصغرة لاواصر الترابط الأخوي والتسامح في المجتمع العراقي .. يوم كان لاأديان او مذاهب تفرق شعبا له جذور عميقة كالشعب العراقي ..

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

729 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع