طريق إلى الحرية رواية هاينز كونزاليك/الجزئين التاسع و العاشر
ترجمها عن الألمانية د. ضرغام الدباغ
الجزء التاسع
جعلوا من المخيم قلعة..
لقد كان ذلك سهلاً، بناء متاريس إذ قطعوا أشجار الغابة العملاقة، واستخدموا المناشير، وعلى الطريق اللعين، العريض وضعوا الجذوع التي كانت مكدسة لغرض نقلها، جعلوا منها جداراً يستحيل قهره، واستخدموا كذلك بعض الآليات الثقيلة والخفيفة وجعلوا منها جداراً وعوائق استغلت كلها، وكدست فوق بعضها لتحصين القلعة.
وطوال ساعتين قام بانديرا بتفتيش هذه الإجراءات من تهيئة للعوائق، وعاد بنفس راضية إلى خيمة الأطباء، وفي غضون ذلك كانوا قد أـموا هناك توزيع الأسلحة. وكانت نورينا وجبهارت جالسين على كراسي خفيفة فيما كان الدكتور سانتالوس يخبرهم عن بلاغات وأنباء من محطة اللاسلكي.
" حتى الدبابات لا تستطيع العبور " قال بانديرا بنبرة فخر وأشار إلى الخارج " الآن ستكون الغابة الملعونة صديقة لنا، فهذه الجذوع والأدغال أفضل من أي سياج وسوف لن يعيش من يريد عبور الجدار، بل أنها تحتمل حتى القنابل من العيارات الثقيلة مثل قنابل بعض دبابات الهجوم الصغيرة ".
" إنهم سيزجون قوات المظليين " قال جبهارت بتأثر، فقد حاول للمرة الأخيرة أن يقنع نورينا، أن تذهب معه طالما أن ذلك ممكناً بعد، بمنديل أبيض يرفع في مقدمة السيارة يمكن العبور من خلال المواقع الحكومية.
" تخلى عن ذلك كارلوس " أجابت نورينا، ومسدت بيدها على وجهه الذي كان يطفح بالعرق.
كان الهواء متوقفاً ثقيلاً فوق الغابة، الشمس كانت متوهجة تمتص رطوبة النهار من الأرض والنباتات، وتحول التنفس إلى ضرب من العذاب، وكان كما لو أن رجلاً يعالج من الحرارة العالية، كانت الغابة تغطس في القتل والتعفن.
" في كل مكان من البلاد، وخلال ساعات فحسب، سوف تنتفض مجاميع من حركة التحرر " قالت نورينا.
نظر إليها جبهارت بعمق، كان إيمانها بالثورة العظيمة قد أهتز، وأدرك أن خيبة أمالها وأقوالها سيكون بلا قياس.
" أهذا ما تعتقدين ؟ ". قال لها.
أزاحت شعرها إلى الخلف وتوهجت عيناها السوداوتان من الإعجاب " لدينا اتصال لاسلكي مع سائر المجموعات الأخرى، إنهم بانتظار إشارة منا، في كل البرازيل وفي ساعة واحدة سيعلو الصوت: الحرية .. العدالة..! احترام الإنسانية ".
" سوف يطلق الجيش عليكم النار ".
" فيدل كاسترو لم يكن بحاجة إلى الجيش، كان بحاجة إلى الشعب فقط، ونحن أيضاً لدينا شعب ورائنا ".
" الشعب " قالها جبهارت ورمى ببصره هناك إلى جدار من الآليات الثقيلة شكلوا منها الحاجز الثالث متلاصقة ببعضها كجدار فولاذي، والذي كان مصبوغاً بألوان شتى، أحمر أو أصفر، جلس الرجال وعيونهم جامدة على العريض الخالي، طريقهم الذي شقوه بقوتهم، بعرقهم، بلعناتهم يضربون في هذه الغابة الهائلة، قدرهم ومصيرهم متراً متراً، الآن سيصبح ذلك رمزاً: الطريق إلى الحرية، الآن يحق للمرء أن يفخر بهم، اللعنة، لا أحد يشاهد أن الضفة الأخرى للنهر كلها تنتهي في الغابة، المستنقعات والأدغال، وأن هذا الشارع كان رمزاً سيئاً: إنه لم يكن يقود إلى الحرية، إنه يقود
إلى لا شيئ ".
" الشعب ..! " قال جبهارت، فيما كان الرجال يتراكضون من حوله، الدكتور سانتالوس كان يضع السماعة على رأسه يتحدث مع محطة أخرى عبر الميكرفون، النقيب بانديرا حمل سيارة الجيب التي كان يستخدمها بالرمانات اليدوية، ورشيشين ودرع فولاذي " أنتم تعتمدون على الشعب حقاً ..؟ ".
" أنا أعلم بماذا تفكر، قالتها نورينا وزمت شفتيها، وأصبح فمها الجميل عبارة، عن ندبة في وجهها الرائع " ولكن شعبنا يختلف عن شعبكم، إنه لا يندس ذليلاً تحت مؤخرة الأقوياء دائماً إنه ليس شبعاناً أو خاملاً، شحبنا جائع، أتعلم أنت ما هو الجوع ؟ أنه مهم للثورة أكثر من عشر قنابل ذرية ".
جاءت صفارات الإنذار من مكان مرتفع، من الحواجز المنيعة، أخذ العمال يتراكضون إلى المقدمة تسلقوا الآليات والسيارات وصعدوا إلى المتراس الذي كان محصناً بأربعة طبقات من جذوع الأشجار العملاقة.
علق بانديرا رشيشه على صدره، ودخل إلى جبهارت " عليك أن تنزل إلى ملجأ محطة اللاسلكي كارلوس " وأضاف " إنك هنا في منتصف الطريق عندما تبدأ الحفلة سوف لن أستطيع حمايتك ".
" إنني سأكون حيث توجد نورينا " قال جبهارت بهدوء، وقرع بإصبعه على جبهة بانديرا.
" أنت واهم هذه ليست ثورتكم، إنها شقاء، وأنا آسف عليكم، ولكن كما تشاء " ونظر إلى نورينا التي كانت هي الأخرى قد تسلحت، وقد وضعت خوذة فولاذية على رأسها، فوق الخصلات السوداء، كانت تبدو غريبة الهيئة وتجلب الانتباه، فريدة وبعيدة عن الأنوثة، فقط كان صدرها يبدو بارزاً لضغط البلوزة الذي يذكر بجمالها الذي لا يقارن. " ما سأقوله الآن كارلوس هو غباء، على الرغم من ذلك سأقول لك: انتبهوا الآن على نورينا، إنها ستكون أشجع من الرجال هذه " عروس الثورة " إنها تتوهج بحيث أنك تستطيع أن تلهب الأرض بالنيران ".
" وأين ستكون أنت أيها النقيب ؟ ".
إنني أبحث عن بيرابورت، إنه هنا في الجوار، إنني أحس به، والقيادة ستكون في كافة الأحوال بيد د. سانتالوس إنني هنا من أجل ضبط النظام ".
" بكلمات أخرى، إنك ستقوم بتصفيات، إنك تعد الاغتيال على أنه وسيلة شرعية للنضال ".
نظر بانديرا إلى جبهارت بصمت، ثم رفع كتفيه وأبتسم ابتسامة بسيطة " المناقشة معك أمر لا معنى له " قال ذلك وأردف " نحن نعيش هنا في العالم الذي لا يوجد فيه سوى شيئ واحد: أفترس قبل أن يفترسونك، وأنا أريد أن أكون في جانب أفترس، هل فهمت ؟ ".
" جيد جداً " قالها جبهارت ونهض.
********
ذهبت نورينا إلى الدكتور سانتالوس في الجانب الآخر، ومن صوب الحواجز، وتناهى صوت نداء، كان صوت باولو الجيرا القوي من خلال مكبر صوت يزمجر على الطريق: " لا تطلقوا النار، إنهم الرفاق من المعسكر الرئيسي، ساعدوهم ليتسلقوا الجدار، أهلاً بكم أيها الأصدقاء، الحرية للبرازيل ..! " أصوات عديدة أجابت على النداء من كل مكان على المتراس، حمل جبهارت رشاشاً من الأرض ورفعه عالياً. ابتسم بانديرا بخبث.....
" إنه من الممكن أن يكلفك رأسك كارلوس إذا أرادوا اجتياحنا، الحب أقوى من القواعد الأخلاقية، ولكنه أبداً لن يكون وحشياً ".
" إنني أفترض أن المظليين سوف لن يطلبوا الإطلاع على جواز سفري قبل إطلاق النار علي ! ".
" في هذا لك الحق " قالها بانديرا وتوجه نحو سيارة الجيب " لم أشأ أن أقولها صراحة بوجهك، وجيد أنك عرفتها بنفسك، وإذا ربطت الآن منديلاً أبيضاً على بطنك ولوحت بإحدى يديك وتذهب إلى كيرس، فلن يمسك ضير ".
" هيا أغرب من هنا وأبحث عن بيرابورت ! " قال جبهارت بخشونة، إن ثورتكم ستمضي إلى الهاوية من كثرة الكلام ".
جاؤا بالسيارات، سيارات حمل تضم حوالي ثلاثمائة رجل وإمرأة، يغنون ويلوحون بالأعلام، ويصرخون بصوت واحد كما لو كانوا سكارى، وقد زينوا السيارات بعقود من الزهور وشرائط ملونة، فيما بدا كما لو أنهم ماضون إلى كرنفال وليس إلى معركة كبيرة سيسقط فيها قتلى كثيرون.
كل العاملون في المطعم والبار السيار، والسوق المتجول في سيارة لوري مكشوفة، العاهرات في صراخ ورقص، كان باص الماخور قد ترك المعسكر الرئيسي، ولكن المومسات جئن إلى هنا، إذ حتى في هذه الحالة يحتاج المرء إلى العاهرات، بعضهم كان ينزف، وآخرون يرتجفون هلعاً، كل حسب قدرة الذي كتب عليه أن يكونه.
باولو الجيرا الذي كان واقفاً على كرسي آلية ثقيلة (رافعة) شاهدها، لم يكن بالإمكان أن تفوته رؤيتها، كانت جالسة فوق جهاز تبريد سيارة الحمل، تلوح براية في يدها. آليا ...! كانت ترتدي سروالاً رجالياً ممزقاً وسترة من كتان أزرق رخيص، وتضع حزامين للذخيرة يساراً ويميناً على كتفيها يتقاطعان فوق صدرها، كان وجهها يلمع، وكانت تنشد مع الأخريات. جمدت نظرات الجيرا من موقعه القيادي، فكر بحبه لها وفي كل الخطط التي فكرا بها معاً، بأشهر من العمل الحيواني في الطريق من أجل توفير كل كروسيروس لشراء قطعة الأرض والبيت، وفكر بالسيد الثري وآليا في سريره
مرغمة، وفي البدين جيزوس أريراس الذي تحطم رأسه على الجدار.
" آليا " قال باولو بصوت منخفض، وسقطت يده الضخمة " يجب أن تعيشي، نحن نريد أن ننسى كل شيئ، ولكن أولاً علينا أن ننظف الطاولة من الفتات ومساء اليوم سيكون عالمنا مختلفاً ".
أنحدر هابطاً من مكانه على الرافعة، وساعد على سحب القادمين في الصعود فوق المتراس الهائل، والآن كان هذا الحاجز قد أصبح أربعة أضعاف، فأمام الجدار المؤلف من الجذوع الضخمة للأشجار العملاقة، كانت تقف الآن السيارات التي جاء بها هؤلاء أيضاً من المعسكر الرئيسي وقد ربطت بعضها إلى بعض وصفت أمام الحاجز، وبين تهاليل العاهرات وتشجيعهن دفع باص المعسكر الرئيسي وكذلك صناديق وكل مستلزمات المطعم، تكومت كلها فوق الساتر.
" إنهم لا يستطيعون تجويعنا بعد أكثر " قال د.سنتالوس بارتياح لجبهارت "وعندما ستهدر القنابل والمدفعية الثقيلة، سنكون قد أوقدنا شعله الحرية في كافة أرجاء الوطن، لا يمكن إيقافنا بعد، البرازيل قد أفاقت ".
" تعالي إلى الأسفل " قال باولو الجيرا لآليا، وعندما أنزلها من فوق الحاجز وقبل عيناها، أرتجف جسده العملاق بأكمله، قبل شفتيها، وأحس بالحرارة نجتاحه، فأحتضن جسدها بين ذراعيه، هذا الجسد الذي يعود له فقط... يا سيد بولو .. إنني سأدفع لك ثمن هذه الليلة مع آليا. " عند النهر " قالها بصوت دافئ وقادها إلى الأمام " إلى داخل الغابة .. انتظريني حتى أعود لآخذك ".
" إلى أين أنت ذاهب ؟ ". سألته
" إنني على المتاريس ".
تطلعت إليه آليا، فقد رأته كبيراً، انتزعت الراية من العصا ولفت نفسها بها، الجيرا فهم ما تريد، فهز رأسه بوحشية.
" مؤكد " قالتها بصوت مرتفع " لقد أتفقنا على أن نفعل كل شيئ معاً
كل شيئ، فكر باولو، حقاً كل شيئ ؟ إذن تعالي معي آليا حتى أقطع رأس بولو من بين كتفيه.
وضع ذراعه حولها وقبل جبينها وذهب معها حيث كان يصدر الأوامر من على مقعد قيادة الرافعة.
لم يكن الجيش على عجلة من أمره، وقد أفاد المراقبون أن الدكتور سانتالوس يعمل على جهاز الإرسال، أن رتل المشاة قد أوقف عشرة كيلومترات قبل المعسكر على الطريق الجديد، توقفوا لأستلام الطعام، كما دارت طائرة استطلاع مرتين عالياً فوق الغابة، صوت فيها المتاريس وكان لا فائدة من إطلاق النار عليها إذ كانت تحلق على ارتفاع شاهق.
لاحظ الدكتور سانتالوس الطائرات المدهونة باللون الرمادي، وسحب نفساً من سيكارته بعصبية " إنهم يفحصون إمكانية استخدام المظليين هنا، قال ذلك لجبهارت " إنهم لا يستطيعون ذلك، لا يرسل المظليون إلى أهداف كهذه، فالقسم الأكبر منهم سيتعلق بالأشجار، وسيسقطون في النهر حيث لا أمل لهم مع أسماك البيرانا، إن تحصيناتنا منيعة لا يستطيع أحد الدخول إلينا ".
" ولكن لا أحد منكم يستطيع الخروج منها أيضاً " قال جبهارت " هذا هو الجانب الآخر، ماذا سمعتم عن المجاميع الأخرى من البلد ؟ هل أنظمت للثورة ؟ ".
" إنهم ينتظرون " قال سانتالوس.
" ماذا ينتظرون ".
" إشارة منا ".
" الحرية بضغطة زر ؟ هكذا كما يشغل المرء مصباح منضدي ؟ ". قالها وتطلع جبهارت إلى سنتالوس، فقد أدرك فجأة شيئاً، وظهر على أنفاسه، يا إلهي، إن كان ذلك حقيقة ! .. المثالي العظيم الذي سيكون في ساعات النصر أكثر البشر انعزالاً في هذا العالم. " قل لي الحقيقة دكتور " كان صوت جبهارت خشناً " أنتم تقفون لوحدكم، أليس كذلك ؟ ولا صوت من سائر المجاميع الأخرى، لا صوت منها، إنهم يقولون فقط أحسنتم، ولكنهم لا يفعلون شيئاً، إن الانتفاضة الشعبية العظيمة لم تحدث ..! ".
غطس رأس الدكتور سنتالوس، ففي هذه اللحظة كان قد أصبح إنساناً لم يعد بوسعه أن يفهم العالم، فقد تركوه وحيداً.. لماذا ..؟ هذا ما لم يكن المرء يدركه ببساطة، كيف للمرء أن يفهم الجبن، عندما يكون هو نفسه متعصباً ..؟
" ماذا الآن ؟ " سأل جبهارت بصوت منخفض.
" لا تراجع كارلوس " .
" سلم نفسك للجيش قبل أن يبدأ القتال، هذا هو السبيل الوحيد ".
" بالنسبة لك كارلوس، هذه البلاد وهؤلاء البشر يختلفون عن الأوربيون، إنهم بحاجة إلى حماسة، إلى استشهاد ولا يوقظهم شيئ آخر ".
" وأنتم تريدون أن تكونوا ذلك دكتور ؟ وهل هؤلاء البشر الذين تركوكم وحيدين، يستحقون ذلك ؟ ".
" البرازيل تستحق ذلك " قالها د. سنتالوس ورفع رأسه إلى الأعلى، كانت لحظات الضعف قد ولت، " كارلوس هذه البلاد رائعة ولها مستقبل، ويجب أن يأتي الرجال الحقيقيون، ولابد من الوقت، الكثير من الوقت ".
ثم أخذ يقرأ بلاغات وأنباء جديدة واردة عبر اللاسلكي، ورقة قذرة مكتوب عليها بضعة سطور بخط سريع .
ساوباولو لم تكن ترد، ماناوس كانت صامتة، ولم تكن هناك اتصالات مع المجاميع: الثانية، السادسة، الحادية عشر، الثانية والعشرين.
في العاصمة برازيليا: أدان دورياس فيستوس الحركة القائمة.
جعد د. سنتالوس الورقة التي كان فيها تصريح دورياس فيستوس، رجل الاتصالات مع الحكومة، وبدا أنه سيكون رئيس الوزراء الجديد.
لقد أدان إذن ..... فجأة أصبح العالم صغيراً، صغيراً بقدر شارع جديد في الغابة من كيرس حتى ريوارغوايا، طريق نصف منجز، وطريق عريض عبر الجحيم الأخضر، سبه منجز مثل كل الأشياء، فقط كان الشوق قد أنتهى بالكامل، ولكن الشوق ليس قوة واقعية، إنها لا تفجر القيود.
" سنقاتل " أعلن سنتالوس " إنهم لم يدعوا لنا خياراً آخر".
**********
عبر النقيب بانديرا النهر العريض ووصل إلى المقدمة حيث وصل عمل وحدات قطع الأشجار، وكانت مواقع العمل مهجورة من قبل العمال الذين تركوا العمل الآن، وكانت هناك جبال من جذوع الأشجار المقطوعة والأدغال والمتسلقات في أراضي لم تطأها أرجل الإنسان منذ ألاف السنين.
ركب بانديرا إحدى سيارات الجيب العائدة له، وقد وضع المسدس الرشاش على ركبته يراقب الثغرة التي أحدثها عمال قطع في الغابة، إنها ساحة تضم ألاف المخابئ، والإنسان حيال أمر هائل كهذا مثل نملة، وإذا كان بيرابورت قد اختبأ هنا ليراقب وينتظر نهاية القتال، ثم هو يعتقد بانتظار الحكومة، سيأتي بوصفه الباحث عن الثأر، وليس هناك أفضل من هذا المخبأ المنعش.
" هيا أخرج " زمجر بانديرا أمامه واضعاً اصبعه على زناد المسدس الرشاش، " أنت تراني بالتأكيد، أنا وحدي أبراهام بيرابورت، نحن لم نتقابل وجهاً لوجه لحد الآن، فقط يسمع أحدنا عن الآخر، أخيراً نلتقي في هذه الغابة الملعونة، إنه القدر، كان علي أن أقتلك فور قدومك إلى هنا، وتلك كانت غلطة أن أؤجل ذلك لما بعد المراقبة، كيف وماذا تفعل هنا ؟ ولكن الآن، ها قد سقط النرد، هيا أخرج إذن ..!".
وفجأة جمد في محله، لم يعد يسمع وقع أي خطوة أو قرقعة، فقط، الطيور فقط كانت تغرد في الغابة، ولكنها تفعل ذلك دائماً، وعلى الرغم من ذلك كان بيرابورت هنا، كما لو أنه كان طائراً.
ظل بانديرا جالساً بشكل منحرف وشدد قبضته على مسدسه الرشاش، يمني النفس بأنه لا يحتاج للرمي إلا تحريك إصبعه، كان قفاه قد تصلب وكأنه قطعة خشب، وابتدأ قلبه يقرع بسرعة، كيف بوسع كاتب أن يعرف رد فعل إنسان يحوم الموت حوله.
" نهارك سعيد نقيب باندير " قال بيرابورت مباشرة وكان صوته ينطوي على تهذيب كما هو شأنه دائماً " لا تستدير، وإلا فسأعتبره هجوماً، فإني أقف وراءك مباشرة ".
لامس قفا رأس بانديرا وكانت أنفاسه تلفح رقبة بانديرا باردة ثلجية، واستحال وجه النقيب إلى حجر.
" واحد لصفر بيرابورت، لقد كسبت " قالها بلهجة تهديد " ما لا يسرني هو فقط أنك جئت من الخلف، وهذا لا يليق بكرامة ضابط ".
" هل انتهجت السبل الشرعية دائماً ، وبالذات أنت دورياس ؟ ".
" نعم بالتأكيد ".
" الاغتيالات في ريوبرازيليا وكيرس وفي الطريق، هل تسمي هذه شرعية ؟ ".
" لقد تركنا بطاقة الزيارة الخاصة بنا ورائنا دائماً، وهذا يعني الفاعل معروف، كل أمرء يعرف من نحن ".
" كتيبة الموت، جلادو ما يسمى بالعدالة، الذراع الطويلة للعدالة النائمة ".
" العدالة الفاسدة يا أبراهام ".
" ولكنه يبقى قتل بانديرا ".
" إنها مسألة وجهة نظر، ولكننا في جميع الأحوال لم نكن نطلق النار من الخلف، وأنا أجد في ذلك نذالة منك بيرابورت ".
" إني سوف لن أطلق النار، بعد " لم يكن بوسع بانديرا أن ينظر أن السلاح المصوب إلى رأسه كان قد أنخفض، ولكنه أدرك ذلك دون أن يشاهده، على الرغم من أن لم تكن هناك مناسبة لهذا الشعور فبدت على فمه المطبق ابتسامة، وكان بالكاد يشعر بأصبعه على زناد المسدس الرشاش أن اللحظة الفضيعة الحاسمة ستكون لجانبي، فكر في نفسه، والآن علينا أن نتكلم .. ونتكلم، وكلما طال حديثنا، وكلما طالت أكثر حتى يشعر بأنني يمكن أن أكون أسرع منه.
" ماذا تريد بيرابورت ؟ ". سأله.
" أريد أن أعلم فيما إذا كنت فعلاً غبياً كبيراً كما يبدو عليك، أو فيما إذا كانت مثالياتك قد عكرت رؤيتك إلى الحقائق تماماً، إن ثورتكم هي قذارة كبيرة ".
" أنت لا تستطيع أن تحرفني عن تحفظي " أبتسم بانديرا بشماتة " اسمع يا بيرابورت، في غضون ساعة واحدة سوف تلهب الثورة في أربعة وثلاثين منطقة وموقع، لقد حل اليوم الكبير ..! ".
" هل تريد أن أذكر لك أسماء الأربعة وثلاثين منطقة وموقع " كان صوت بيرابورت فيه شيئ يقرب من الألم والمعاناة.
سحب بانديرا نفساً من بين أسنانه مغتاضاً " لا أصدقك ".
" أرغم القيام بثورة من دون تدخل العسكريين بالاعتماد فقط على الشعب، مع الكادحين والجياع والمستغلين، العناصر المسلوبة من الحقوق من الشعب، وهراء كهذا المرء يبني دولة ليس بالبطون الخاوية، بل بالحراب، هذه كانت غلطتك الأساسية ".
" كاسترو أيضاً لديه الشعب فقط .. " رد بانديرا بقسوة.
" وهل أنت مثل فيدل كاسترو، أبداً دورياس أم أنت تريد مقارنة سنتالوس مع تشي غيفارا، كلاهما كان طبيباُ ولكن الفرق بينهما شاسع، غيفارا كان مرتزقاً أكاديمياً، وسنتالوس توري متذوق للأدب، وهنا الإخفاق هو أمر مقرر قبل حدوثه، ماذا وجد كاسترو أمامه في كوبا، فمن جهة داخلياً كان الإقطاع عبارة عن كومة قاذورات، سيادة على البطون، أتريد بهذا أن تقارن البرازيل ؟ ".
" المشاكل هنا مختلفة " كان بانديرا يقرب إصبعه مليمتر بعد مليمتر من الزناد، نكلم أيها القذر، فكر في نفسه، تكلم فقط، أنت لديك رصاصة واحدة فقط في يدك، أما أنا فلدي مطر من الرصاص، لا يمكن أن أخطأك، تكلم .. تكلم " الظلم الاجتماعي، الحياة الحيوانية للهنود، الاغتيالات، سيادة وتسلط كبار أصحاب الأراضي، استغلال البلاد من خلال بضعة أثرياء مثل هيرمانو بولو، والآن فإن الشعب يجلس على الأرض ".
" هل هذا سيئ لكم " قال بيرابورت برزانة وعمق " إن العسكريين مخلصين للحكومة، وهذا وحده يشير إلى أنك وسنتالوس بشعارات وأفكار الحرية وعمال الطرق السكارى، أنكم وحيدون دورياس، كل المجاميع الأخرى تم اعتقالها أو إبادتها، البلاد كلها في هدوء تام باستثناء هذه البقعة من الغابة، ولم يبق أحد، لا أحد في العالم يا بانديرا، طريق حتى ارغوايا .. هناك ملايين لا يستطيعون بعد نطقها، هناك عمال قاموا بعصيان ؟ وماذا يعني ذلك ؟ لماذا يكتبون ذلك في الصحف أصلاً، هل يجب الإعلان عن كل ضرطة ؟ هناك ما هو أهم من ذلك مثل زواج أليزابث تايلور (الممثلة الأمريكية) ".
أنحنى بيرابورت إلى الأمام بحيث شعر بانديرا بأنفاسه مرة أخرى على رقبته " ولهذا لم ترد في الصحف دورياس الأحداث التي جرت هنا، والتي لا يعرف عنها أحد، أنتم وأنصاركم تموتون مجهولين، هذا هو الأمر الرهيب لشخص وطني أليس كذلك ..؟ ".
"وما هو أفضع هو الغباء " قال بانديرا بأسف " لقد خانونا ".
" نعم هذا هو الأمر ".
" لا يمكن خنق البركان بالدماء " قال بانديرا .
" أنتم لستم بركاناً يا بانديرا، أنتم نار صغيرة محزنة وسوف ندوس عليها ونطفئها، نار بدون دخان ".
" نار ..! كم أنت محق يا أبراهام ".
قام بانديرا بدورة سريعة، وفي نفس الوقت أطلق النار، رقص الرشيش في يده، وأسقط نفسه إلى الخلف، وقد أسند الرشيش إلى بطنه، وشاهد بيرابورت يقفز إلى الجانب أشبه بقفزة قط، أرتفع المسدس في يده وضغط، وشاهد كيف أن الرشقة الثانية من رصاصه أصابت بيرابورت وطوحت به بأرتعاشة واهتزاز، كأنه تعرض إلى هبوب ريح هائلة. وفي نفس الوقت شعر بأن حريقاً قد شب في صدره، وكيف أن الغابة أصبحت حمراء في نظره عندما أستلقي في شمس المساء الرائعة.
كانت ثوان فقط، ثم سقط الرشيش من يد بانديرا وتمدد بشعور الراحة وكأنه يتمدد في فراش ناعم، وكان بيرابورت ممداً عند قدميه فوق الإطار الاحتياطي لسيارة الجيب ينزف دماً من فمه، يا لها من لحظة سعيدة، فكر بانديرا، لتحيا الثورة ..! إلى الأبد يا برازيل ... ستكونين سعيدة، ثم غطست الشمس الحمراء، كف دورياس بانديرا عن الحياة بشعور لا ينتهي من السعادة.
الجزء العاشر
عشرة دقائق فقط انصرمت، جاءت سيارة جيب وبداخلها عناصر شرطة، كانوا يبحثون عن رئيسهم، ولكنهم جاؤا متأخرين، د. سنتالوس وجد الحل " ابحثوا عنه " هتف " فليس لدينا وقت من أجل خوض حروب خاصة عليه أن يعود فوراً ".
ما ذكره بيرابورت لبانديرا، وصلهم الآن عبر محطات اللاسلكي السرية المنتشرة في البلاد، لم تعد هناك منظمات ومجاميع أخرى في سائر مناطق البلاد، فالرجال في الطرق والحفر إنما يقفون وحيدين، ألفان من البشر، رجال ونساء مقطوعين عن كل شيئ سوى طريق نصف منجز يمر في الغابات، ما زالوا يغنون بحماس، سوف يتعرضون للتصفية في غياب الرأي العام.
لم يكونوا يعلمون بعد، كانوا ما يزالون يصدقون ويؤمنون بالثورة العظيمة في بركان حب الوطن.
" ماذا سنفعل دكتور ؟ " سأل جبهارت بنفس مكسورة.
" نقاتل " صرخت نورينا سامازينا بوحشية " هل تعتقد أنهم يعرفون ويستطيعون الرحمة لو لوحنا لهم بمناديل بيضاء ؟ ".
" سأذهب لملاقاتهم والتفاوض معهم " قال جبهارت.
" إنهم سيستمعون لك ويكذبون عليك، ويبيدوننا على الرغم من ذلك " هز سنتالوس رأسه " يقف مقابلنا حوالي أربعمائة رجل سنحاول اكتساحهم ونوزع أنفسنا على مناطق البلاد، وهناك سنحاول بناء مجاميع جديدة حتى إحراز النصر الكبير " قالها سنتالوس مشيراً إلى الحواجز العملاقة " بوسعك دائماً الذهاب يا كارلوس ".
" سيكون من الأفضل لو أننا جميعاً ذهبنا كل إلى موقع عمله، إذا قام كل منا بعمله، وإذا رجع العسكريون على أعقابهم، هكذا كأن شيئاً لم يجري، فالأمر لا يعدو عن كونه مظاهرة، ولكنه لن يستطيع أن يطلق علينا احد النار ".
" الأمر متأخر كارلوس " وأشار سنتالوس برأسه إلى الرجال الذين جاؤا من المعسكر الكبير، سواق سيارات المواصلات، عمال الورش، الخدم في المطعم، العاهرات، كل البشر من هذه الفئة. " لقد أنهوا كل أعمالهم وقد قتلوا كل من أستمع وأطاع لويس جيزوس اريراس " وعندما أبدى جبهارت ارتياعه من فضاعة العمل هز رأسه " الدم .. رحمة الثورة ! من كان يستطيع أن يمنع ذلك .. لا أحد ".
في الطريق ورد نبأ قدوم دراجة بخارية، توقف قرب العربات المرصوفة كحاجز، قفز خلاسي من على الدراجة وتركها على الأرض، ثم تسلق الحاجز، فامتدت إليه مجموعة من الأيادي لمساعدته وصرخ " إنهم قادمون، ومعهم أربعة مدافع خفيفة، وخلال نصف ساعة يمكن أن يشاهدوكم، إنهم حوالي مئة من جنود المظلات ".
" نصف ساعة " تطلع سنتالوس إلى ساعته " حتى ذلك الوقت يكون أيضاً بانديرا قد عاد مئة رجل فقط ؟ إنهم يبخسون قدرنا ".
استدار د. سنتالوس وأتجه صوب البراكات، لمحه جبهارت الذي يمسك نورينا بشدة التي كانت تريد أن تلحق به .
" إنه ليؤسفني " قال جبهارت " أن لا يبقى من تلك الأفكار العظيمة، من كل ذلك الحب لبلاده، أمسى فارغ اليدين إلا من حفنة من الرجال المزمجرين، دعينا نتحدث معه، فبالإمكان التسلل عبر الغابة إلى القرى المجاورة، والاختفاء هناك هو وأنت وأنا ".
" من المستحيل أن يقبل بذلك " ورفعت يدها المبتلة بزيت السلاح، ولامست وجهه " ولكني أشكرك كارليتو أنك قلت ذلك: هو وأنت وأنا "، ودفعت الخوذة الفولاذية إلى جبهتها، وقبضت على حزام الرصاص الذي يلف جسدها النحيل مرتين " إنني أحبك .. والآن أغلق فمك أو أطلق عليك النار ".
وصلت أول مجموعة من المظليين إلى مرمى البصر من الحاجز المقام على الطريق، واستقبلوا بالصراخ والزعيق والهتافات، ثم ابتدأ أحدهم بالغناء ثم شاركه الآخرون، وأنتهي الأمر بغناء جماعي يملأ حناجرهم بإنشاد أنشودة الثورة:
تماسكوا بالأيادي ... كونوا أخوة ساعة الخطر
وقف د. سانتالوس مع جبهارت ونورينا بين عناصر قبائل سكان الغابات، وأخذ يتطلع عبر منظار مكبر إلى مواقع جنود المظلات وقد وضعوا المدافع الأربعة مع اعتدتها في حالة التمركز، دون الاعتبار أن رجال الثورة بما فيهم قاذفي الرمانات بوسعهم أن يصلوا بمديات أسلحتهم إلى المدافع، ولم يكن في الأمر سوى من يبدأ إطلاق النار أولاً.
" إنهم يعلمون بأنهم لن يستطيعوا أن يأتوا إلينا " قال سنتالوس بهدوء " ولا حتى بمدافعهم، إنهم يستطيعون إطلاق النار على السيارات والمعدات الموجودة في الحاجز، ولكن ذلك سوف لن يلحق الضرر بالحاجز بل سيزيده تماسكاً ".
" وأنتم تعلمون بأنكم سوف لن تستطيعوا النفاذ من هنا " قال جبهارت لأنه أراد بذلك الوقوف ضد التطرف " هل ظل شيئ بعد يجدي ؟ ".
من جموع الناس وجذوع الأشجار أنزلق الجيرا إليهم، كان يبدو مخيفاً، بوجهه العريض الذي كان يلمع من العرق " لقد قتلوا بانديرا " هتف قائلاً لسانتالوس.
" قتل ؟ " وقبض بقوة بيده على المنظار المكبر.
"هو وبيرابورت، قتل كل منهما الآخر ".
" ماذا تنتظرون بعد ؟ " قالها جبهارت وأمسك بسنتالوس من كتفيه " هذه فرصتك دكتور، تفاوض مع العسكريين، نعم إن الأمر ينطوي على هزيمة، ولكن لديك الفرصة الآن بأن تضع كل شيئ على مسؤولية بانديرا، وإذا لم تكن لحياتك قيمة لديك، فكر في الآخرين، وفي النسوة هنا، في الآباء، .. بنورينا ".
تنفس سنتالوس بعمق، كان الجيرا قد عاد وتسلق الحاجز وعاد صوته إلى الزمجرة، إلى غناء نشيد الثورة، كان يبدو وكأن نشوة الحماس تجتاح الناس، وكان الجنون قد اندلع وقد تناسوا كل ما هو معتقل، كانوا يتمددون، يصفقون، ويجلسون فوق الحاجز الرباعي السميك معلقين على الآليات الثقيلة من رافعات وقاشطات وبلدوزرات، يلوحون بالأعلام المصنوعة من الملابس الممزقة، أو من أي خرق متوفرة، كانوا يغنون ويصرخون، كانت وجوههم تعبر عن احتفالهم وعن نصر كبير.
أشار سنتالوس بكلتا ذراعيه إلى الجموع " هل تستطيع أن توقف هؤلاء كارلوس ؟ " سأل وأضاف " هل تصدق بعد الكلمات ؟ لقد أشتعل البركان، دعه يندلع، إلى أن يتداعى نهائياً ".
" وماذا عن الذين سيموتون ؟ " صرخ جبهارت.
ورفع الطبيب كتفيه " إنهم متفوقون وبصوت واحد، بأن لم يعد هناك شيء أسمه الخوف من الموت، فالمرء يموت من الإعجاب والحماس أيضاً، وهذا ما لا يستطيع الأوربيون إدراكه ".
على الطريق كانت سيارة جيب تقترب من المتاريس، وكانت تحمل علماً أبيض يرفرف على عمود خشبي، يجلس ضابط وسائق السيارة في المقدمة وقد ربط منديلاً أبيض اللون حول خوذته أيضاً.
" دعوه يسير " زمجر الجيرا " لا تطلقوا النار، استمعوا ما سيقوله لنا هؤلاء الرجال القذرون " ثم صرخ موجهاً حديثه إلى سيارة الجيب " قفوا على بعد عشرة أمتار سنرسل لكم وفداً يمثلنا، لا تقوموا بحيل، أنتم يا من تلحسون مؤخرة الحكومة ".
توقفت سيارة الجيب، ترجل منها العقيد قائد الكتيبة، وتفحص الحاجز العملاق الذي يمثل اجتياحه جنون مطلق حتى بعد القصف المدفعي التمهيدي، ولكنه كان يمثل الشعور بالأمن لمن هم خلف الحواجز.
خفت الغناء والصراخ، ثم ساد الصمت فجأة، ومع الصمت عاد التعقل، أو حل وقت يتعرف فيه المرء على أن ساعات أو أيام الآلام قد ابتدأت.
كان باولو الجيرا يقف في الشارع ومضى ببطء نحو العقيد، وكان يمد يديه أمامه من أجل أن يظهر أنه غير مسلح، ثم توقفا كل مقابل الآخر، تحادثا مع بعضهما، ثم افترقا بسرعة، وبخطوات قليلة عاد الجيرا.
" كانت محادثة قصيرة " قال جبهارت مستطلعاً " هل رأيت لقد أوصل الضابط ورقة إلى باولو ".
إنه إنذار نهائي بالتأكيد " أبتسم سنتالوس بمرارة " المطالب بالإنذار لا يعرف سوى منتصر واحد، وخاسر واحد كارلوس، إن المفاوضات المنشودة التي ارتأيتها سوف لن تحدث ".
كان ألجيرا قد أنزلق عن الساتر متوجهاً نحو الدكتور سنتالوس، وأوصل إليه الورقة، " إنه العقيد " قال له فيما كان يسلمه إياها " إنه خنزير متعجرف، قال لي: خذ هذه لقائدك، وليس لدي أكثر من ذلك لأعرضه، وقد قلت له: جيد وأنا أعرض لك أن يكون الشبان حذرين، وكل من يقترب من متاريسنا سوف ندفع له حسابه ! " أبتسم الجيرا بشماتة وأضاف " ونحن كذلك ... أليس كذلك دكتور ؟ ".
" صحيح تماماً " قال سنتالوس متعباً، وفتح الرسالة وبدأ يقرأها بصوت مرتفع " مع الأخذ بنظر الاعتبار أن العدد الأكبر من العصاة لا يعلمون شيئاً عن الأوضاع الحقيقية، نحن مستعدون بأسم الحكومة منح العفو العام للذين سوف يتواجدون عندنا حتى الساعة الثامنة مساء من هذا اليوم وشروطنا هي أن الأشخاص التالية أسمائهم تسليم أنفسهم دون شروط: دورياس بانديرا، د. ستيفانو سنتالوس، باولو ألجيرا، نورينا سامازينا، فيليب بافاو، كارلودو لكاو، بيدرو الماريا "
" إنهم سيحصلون على أثنين ! " صرخ الجيرا، وخطف الورقة من يد د. سنتالوس، تشبث جبهارت بنورينا، وكان وجهها الرائع قد غدا قاسياً، ولكنها لم تكن مرتبكة، وكان أسمها ضمن الأشخاص الذين عليهم تسليم أنفسهم دون شروط، أما معنى ذلك، فالأمر لا يحتاج إلى إيضاح.
هل ما زلت تعتقد كارلوس بالتفاوض ؟ " سأل سنتالوس بهدوء، وتطلع إلى الجيرا الذي عاد وتسلق المتراس مزمجراً واختفى بين الآليات الثقيلة المرصوفة هناك، وأضاف " هل تتوقع بأننا سوف نقاد كالخراف إلى المجزرة ؟ في الغابة هنا لا توجد اتفاقيات جنيف التي تحاول أن تجعل الحر إنسانية، هنا سيلقى القبض عليك وتحاكم وتقتل، وليس أكثر من ذلك ".
أمامهم، في الصف الأول وأمام المتاريس، حيث سيارة الشحن (لوري) والباص المقلوب وحفارة التربة، بدأ بلدوزر بالحركة، وارتفعت الذراع الحديدة ثم غطست في الطريق، وعلى ارتفاع متر فوق الأرض وقذفت أسنان البلدوزر الحديدة بجسدين ارتطما فوق الطريق وضلا فوق بعضهما متداخلين من الأذرع والأرجل.
باندير وبيرابورت
" كلاهما جاء متطوعاً ! " زمجر الجيرا " والآخرون عليكم أنتم رفعهم "
ألقى العقيد ببصره على الجثتين، استدار بحدة وصعد إلى سيارة الجيب، ودارت السيارة ومضت تهتز فوق الأرض المليئة بالحفر ترافقها صيحات ألف صوت، ثم عادوا إلى الغناء يلوحون بالأعلام والخوذ، وعاد الصوت من فوق المتاريس الخضراء ذات الجذوع العملاقة المقطوعة من الغابة تدوي:
تماسكوا بالأيادي ... كونوا أخوة ساعة الخطر
" تعال " قالت نورينا بهدوء وأمسكت بيد جبهارت " تعال معي " فقد كانت لحظة حب رزينة ومؤثرة " أريد أن أشعر بك مرة أخرى في الساعة الثامنة ستبدأ معزوفة الموت ".
جلسا إلى جانب بعضهما البعض على السرير يدخنان سيكارتهما الأخيرة ويعيشان معاناتهما هذه ولكن نورينا كانت تبدو وكأن الموت يشبه شرب الشاي، أو عملية شراء خبز من الحانوت، بل حتى نبرة صوتها لم تتغير، فيما بدا على جبهارت شعوره بالضيق والعذاب في أنفاسه، إنني لست بطلاً، فكر في نفسه، إنني إنسان عادي تماماً وحساس، ولكني خائف من الموت، ليس على نفسي، فالأمر يبدو لي أنه ليس فضيعاً جداً، ولكن فكرة أن أشاهد نورينا في الساعات الأخيرة القادمة تنزف دماً هنا على أرض الغابة تمنعني عن الفهم. لماذا لا تخاف هي ؟ هل هي هكذا حقاً إنسانة تختلف عنا ؟ يا إلهي
إنها امرأة ... بل أروع امرأة شاهدتها، إنها امرأة صلبة في الحياة والحب، وإن فكرة الموت في الواقع لا تنطوي على أي ألم بالنسبة لها ولكنها ماذا تفعل ..؟
إنها جالسة بكل هدوء هنا، تدخن سكائرها، تمسد بيدها على جسدي، قالت لي " كارليتو لقد كنت معك سعيدة حقاً، ما هي السعادة ؟ المرء لا يسعه إيضاح ذلك، إنها كبيرة بحيث لا توجد كلمات تصفها " كانت تواصل التدخين بهدوء وتنظر الإشارة من المتاريس.
أيها الأخوة والأخوات ......لتحيا البرازيل
كانت ساعة حب رقيقة غير مقصودة قد مضت وانقضت. لم تكن كلماتها الوحشية الأولى، وليس بذلك النهم الذي كان يتركهم مقطوعي الأنفاس، ليس بذلك الخلط الفتان بين الحيوانية والرغبات المنطلقة المحطمة عن امرأة في حالة أشبه بالتنويم المغناطيسي تلك الساعات التي كانت تمر وتنسب بسرعة، الساعات الأخيرة كانت هادئة بين عاشقين يتمتعان بجسديهما كما لو يشرب المرء صنفاً ثقيلاً من أصناف النبيذ، تسامي وتجلي واكتشاف وتقصي تذوقها كلاهما حتى النشوة، دون استعجال دون إزعاج للذات بأفعال خارجة عن السيطرة، شخصان امتلئا تماماً بشعور الفرح والسعادة.
مرة أخرى في البيت / الكوخ، على السرير الضيق المغبر الذي تسوده الفوضى، حيث تضيق انفاسهما بهواء الغابة العفن .
" أهرب " قالت نورينا عندما كانا مستلقيين على السرير والعرق يغطي جسديهما الملتصقين " يا حبيبي، أهرب، أخرج من هنا ببساطة، رجاء أهرب، إنهم لن يطلقوا عليك، أهرب إذا كنت تحبني ".
" فقط معك ... نورينا " قال.
تطلعت إليه بنظرة سريعة، وبعد لحظة جلست ومدت يدها إلى علبة السكائر التي كانت فوق المنضدة، أخذت واحدة وأشعلتها ووضعتها بين شفتيها " سوف لن نتكلم عن ذلك بعد الآن " ووضعت السيكارة المشتعلة بين شفتيه.
ها هما يجلسان الآن على السرير، ينظران إلى أرضية الغرفة المغبرة القذرة يدخنا بصمت، لم تعد هناك كلما. ماذا يتعين على المرء أن يقول بعد ؟ لم يعد لأي شيئ معنى .. الحياة والموت.
**********
إطلاق للنار جاء مفاجئاً ودون إنذار مسبق، كان صوت الرمي يسمع بعمق في كافة الأرجاء، كانت ترن بوضوح في الهواء وترتطم بحديد الآليات، كان مدى الرصاص والأعصاب الممزقة يختلط بصوت المعادن وتختلط معها.
هبت نورينا واقفة، أحاطها جبهارت بذراعيه وأمسك بها بقوة، تصلب جسدها العاري وأحس كيف توترت عضلاتها تحت أصابع يديه " لقد بدأوا " قالت.
" مدفعية ! ماذا سيفعلون ضد مدافع الدبابات ؟ إنهم يطلقون النار من مديات آمنة بالنسبة لهم ".
" ولكن ليس لمثل هذه المتاريس ".
" وحتى هذه المتاريس، يا للعنة، لديهم من العتاد ما يكفي لإطلاق النار عليكم لمدة أسبوع، بل شهر كامل، حتى يمتلأ المكان بظروف القنابل الفارغة، لم يبق لكم من سبيل سوى الموت ".
" إذن فلنمت كارليتو، دعني على الأقل أرتدي ثيابي، أريد أن أكون هناك ".
أفلتت من يده، وارتدت سروالها الأزرق الضيق والبلوزة وعقصت شعرها الأسود الطويل، ووضعت الخوذة على رأسها، وأخذت مسدسها الرشاش، وأخذت تنظر إلى جبهارت الذي كان لما يزل عارياً جالساً على حافة السرير.
" أبق هنا " قالت له بهدوء، وهناك على سطح الغرفة منشفة يد بيضاء كبيرة، دسها وخبأها د. سنتالوس بينما كنا نمارس الحب، سوف لن يحدث لك شيئ، ولكن لا تخرج من البيت ".
عادت إلى الخلف، ووصلت إلى الباب ودفعت الرشيش أمامها " كارليتو، أبق جالساً هنا، وإذا أردت أن تنظر إلى المتاريس في الأمام، سوف أطلق عليك النار في قدمك وأجعلهم يحملوك عائدين بك إلى غرفتك، يجب أن تعيش كارليتو، عش يا حبيبي ".
" نورينا " ولكن صيحته لم تذهب إلى مدى أبعد من غرفته، وأستغرب هو بالذات لهزالة صوته، قفز واقفاً، ولكن نورينا كانت قد خرجت وأغلقت الباب وأخذت تعدو بسرعة، كان صراخ الجرحى يسمع من بين أصوات الانفجاريات والأرض تهتز وكأنها ترتجف، ومن خلال الباب المفتوح شاهد جبهارت كيف أن أحدى الأشجار تمزقت إرباً عندما أصابت قنبلة منتصف جذع الشجرة، مطر من شظايا الخشب أنهم، أغصان وفروع تساقطت على رؤوس الرجال في المتاريس.
الجرحى والقتلى الأوائل حملوا إلى المستوصف، ولم يتم علاج الجرحى، بل أرقدوا بجانب بعضهم على الأرض، ثم يعود الذين يحملونهم راكضين إلى المتاريس.
ارتدى جبهارت ملابسه بسرعة، وأنتظر دقيقة لم تكن بينها قذائف القنابل تتساقط فيها بكثافة، ثم أنطلق راكضاً وأخذ خوذة أحد القتلى من أمام المستوصف، وكذلك مسدس رشاش، وأسرع صوب المتاريس وبين بقايا بلدوزر محطم، التقى بباولو ألجيرا الذي كان راقداً في حفرة أحدثتها قنبلة، يكاد يصعب التعرف عليه من القذارة، ولكن جسده الضخم كان يعرف عليه، وإلى جانبه كانت ترقد آليا صغيرة ونحيلة، سقط جبهارت في الحفرة بالقرب من الجيرا.
" ماذا تريد هنا سيد كارلوس ؟ ". قال الجيرا بصوت مرتفع " هل تبحث عن شيئ ".
" من يصدر الأوامر هنا باولو ؟ " صرخ جبهارت " من هو رئيس المجموعة الأمامية هنا ؟ ".
" لم تعد هناك مجموعة، هناك برازيليون فقط، وتلك هي قضيتنا، إن الأمر لا يخصكم أنتم الألمان، أذهب من هنا، وخذ آليا معك، هذه الفتاة مجنونة، إنها ملتصقة بي ولا تريد أن تنتزع عني ".
" لا تجازف أن تلمسني سيد " قالت آليا، ثم استدارت جانباً وكان وجهها الطفولي ولها غمازة في زاوية فمها.
" لا أعلم ماذا أفعل معها " قال الجيرا بلهجة شكوى " لا أستطيع أن أضربها وهي فاقدة الوعي ".
" وهذا أيضاً لا يفيد، إني سأعود وأستفيق، كان عليك أن تطلق علي النار " قالت آليا.
" هذا ما ستكفل به الآخرون " قال الجيرا، وأخفض جبهارت رأسه إذ انهمرت موجة جديدة من القنابل ضربت المتراس، وقذفت إلى الهواء بأجساد بشر، فتضاعف الصراخ " هذا جنون مؤكد ! " صرخ جبهارت.
" جنون ..... أين نورينا ".
" عند سنتالوس، هناك في المقدمة ".
تساقطت القنابل وراء الباص المقلوب على أحدى جانبيه، وعلى المقاتلين أيضاً، كان الدفاع ضعيفاً، كمثل الدفاع بقبضة اليد ضد درع الدبابة، لم جبهات ساقيه لكي يقفز، ضغط الجيرا بكفه الكبيرة لكي يسحب جبهارت.
" إنك لا تريد بالطبع أن تذهب إليهم أليس كذلك ؟ ".
" طبعاً ".
ثم بدأت موجة جديدة من القنابل أنهت المحادثة، وعلى الفور انطلقت من المتراس الأمامي في ثلاث بنادق. قفز الجيرا وعندما أراد جبهارت أن يلحق به، ركل الألماني على ظهره، قفز الجيرا " أبق مستلقياً، إنهم بدؤا الهجوم، وأخيراً سوف نحصل عليهم أمام فوهاتنا، ستجعلهم يتعجبون من أمرنا ".
وأخذ يعدو بين أنقاض الحديد منحنياً حول كومة الأخشاب المشتعلة ثانية واحدة ترددت آليا، ثم وثبت مسرعة كالقطة من الحفرة ولحقت بباولو الجيرا.
رفع جبهارت نفسه ببطء، كانت ركلة الجيرا مؤلمة تقريباً، وكأنه ثوراً سحق عموده الفقري، وكأنه يشعر بدوخة إلا أنه أستطاع أن يجد لنفسه طريقاً، ركض خلف باولو الجيرا، ولكن بعد خطوات قليلة سقط خلف جذع شجرة ضخمة عندما سمع أزيز الرصاص من حوله يتطاير.
هجم جنود المظلات يركضون كما في المناورات، هجوماً وكأنه تطبيق لتعاليم مدرسية، أمامهم ولحمايتهم تسير دبابات والجنود يرتدون ملابس خضر ذات بقع مموهة.
توقف الهجوم عند أول متراس، وكان بانديرا وسنتالوس قد أقاما هذا الحاجز بدقة، وكلما أطلقوا النار عليه، كلما غدا صعباً لرجال المظلات اجتيازه، وللدبابات أيضاً، فقد كونت الآليات الثقيلة جداراً فولاذياً عملاقاً قادراً على رد الدروع، فقد كان الهجوم في هذه النقطة غير مجدياً.
والآن ابتدأ الرمي بالقنابل بين المتاريس في رماية مباشرة، وهنا حدث تبادل مواقع إذ أنسحب رجال المظلات إلى الخلف إلى مواقع ضمن المدى الآمن، كما أصاب أحد رماة القنابل برج دبابة متقدمة، فألقت بالجنود الجالسين على ظهرها إلى الأرض، وخرج دخان كثيف أسود من الدبابة، وكانت إصابة بالصدفة.
تصاعد هتاف العمال في المتاريس، وزمجروا، ثم بدؤا الغناء مرة أخرى، بأنشاد أناشيد الحرية وكان ذلك بالنسبة لهم تحرر من الضغوط الداخلية الذي يقترب منهم، وقد أنقذهم هذا الحادث لفترة قصيرة من هذا الشعور.
عاد جبهارت إلى المستوصف السيار، وكان الدكتور سنتالوس ونورينا وأربعة ممرضين قد باشروا العمل، وكان الجرحى يتوافدون على تناول العلاج كما لو كانوا يسيرون على حزام أو شريط نقال واحداً بعد الآخر، وكان الدكتور سنتالوس يعمل ونصفه الأعلى عار تغطي وجهه، فقط يداه كانتا نظيفتين، فقد حرص على غسلهما قبل البدء بالعمل ووضعهما في محلول معقم، وكان أغلب الجرحى في وضع لا تجدي مساعدتهم، من بينهم ثلاثة وفاتهم مؤكدة ! فقام أحد الممرضين بإعطائهم جرعة من حقنة كبيرة، شاهد جبهارت ذلك بفزع ظاهر وهو متمسك بعمود الخيمة، فقد كان ما يزال يشعر برفسة الجيرا.
لابد أنها ألحقت الضرر ببعض الأعصاب، فكر جبهارت، ترى كم يستغرق ذلك بعد أن أصبح مشلولاً بصفة تامة ؟
" هل هذا فن طبي " قال وهو متعب.
شاهد الدكتور سنتالوس والسؤال يلوح على محياه فسأله " ما بك ؟ ".
" هذه رحمة، أنها حل ".
" من وجهة نظرك، أنتم لا تفعلون في واقع الأمر سوى الجنون في خوضكم هذا القتال ! ".
" لم يبق لدينا خيار آخر سيد كارلوس " فتح الدكتور سنتالوس جرحاً كبيراً وأخرج منه شظية قنبلة من فخذ أحد الجرحى، ودفع المريض إلى أحد المساعدين الذين واصل متطلبات علاج الجرح، وإلى جانب سنتالوس على طاولة أخرى، كانت نورينا تعمل وذراعاها ملوثتان بالدماء حتى المرفقين، وكانت هي الأخرى مثل سنتالوس تعمل بيديها دون ارتداء القفازات، ولماذا يحتاج المرء الآن استخدام وقاية مطاطية ؟ لم تنظر إلى جبهارت، ولكنها كانت تعلم بوجوده بالقرب منها وتنتبه لكل كلمة.
" أما زلت تعتقد بإمكانية استسلام شريفة ؟ " سأل سنتالوس.
" نعم " أجاب جبهارت.
" كم هي قليلة معرفتك للحقيقة، إنهم سوف يوعدوك، وعندما تخرج من هنا بأذرع مرفوعة إلى الأعلى، سيطلقون عليك النار كالأرانب ومن سيهتم بذلك ؟ بل من سيعلم بذلك ؟ ومن سيتحرك كرد فعل على ذلك ؟ ما يسمى بالعالم ؟ إنه سيان ما يجري هنا وسط الغابات الأزلية، احتجاجات ؟ الأمم المتحدة ؟ مؤتمرات حقوق الإنسان ؟ هذه كلها بالتأكيد أشياء لا تساعد أحداً، والآن قم وأغسل يديك وساعد نورينا بالأهتمام بالجرحى، فالوقوف هنا وهناك مبحلقاً شيئ لا أطيقه ".
ظلوا يعملون حتى ما بعد منتصف الليل، كان الطريق أمام المتاريس قد تحول إلى نهار بفعل أنوار الكشافات، ولكن المظليين لم يعودوا يقتربون، ولكن وحدة أستطلاع تموضعت إلى جانب الطريق في الغابة وأخذت تراقب المتاريس، كان شيئاً غير مألوفاً، ذلك هو السكون المطبق المحيط بالجميع، حتى الطيور التي تغرد عادة بالآلاف، هربت من الصمت المطبق المخيف للغابة .
" تسعة وسبعون جريحاً وثلاثة وأربعون قتيلاً " قال د. سنتالوس عندما حمل الجريح الأخير الذي كانت أحشاؤه مفتوحة وظاهرة، " كنت أقدر أكثر من ذلك على حسابات حفلة القصف وإطلاق النار ".
جلس على حافة طاولة قابلة للطي، وطلب من أحد الممرضين سيكارة وقدح من الكونياك، فيما أستلقت نورينا على السرير متعبة في آخر الخيمة، كانت ترتدي بلوزة مفتوحة الصدر، أوصل د. سنتالوس كأس الكونياك إلى جبهارت، كان الألماني يهز رأسه بصمت.
" عندما تهدأ سيد كارلوس " قال سنتالوس " سأقدم لك خبراً، إن أربعة وحدات، كل مؤلفة من أربعة رجال في الطريق الآن لأجل طلب المساعدة من الخارج، وهم سوف يتسللون عبر الغابة، ثم أنهم مع أصدقاء لنا سيقومون بعمليات ضد مؤخرة القوات بتكتيكات حرب العصابات، أضرب وأختف، يبيد ثم يختفي، وإذا صمدنا هنا بضعة أيام سيبدو الوضع بشكل مختلف، حتى الآن كنت نتكلم فقط والآن سوف نتعامل، وهذا وحده سيقنع ".
" تقول ذلك كمؤمن د سنتالوس " قالها جبهارت، وأخذ كأس الكونياك وأحتساه " إنك قد أطلقت علي أسم الحالم، إنني أعتقد أن في الخيمة هنا، حالم آخر كبير ".
حوالي الساعة الرابعة صباحاً، تأكدت ظنون جبهارت، إثنان من المجموعات الأربعة التي خرجت، عادت إلى المعسكر، فقد اصطدموا في وسط الغابة مع جنود المظلات وعادوا إلى المعسكر بدون قتال من أجل أن لا يظهروا للأعداء أنهم اكتشفوا.
" إنهم يرمون علينا من الغابة بقوس كبير " قال أحد الرجال " صباحاً سيقومون بمهاجمتنا من الخلف ويأتون عبر النهر من الجوانب، إنهم الآن يطوقوننا ".
" قوموا بتخريب الجسر على النهر " أمر د. سنتالوس بهدوء.
" حالاً، سوف لن يعبروا النهر، مئتان من الرجل على الضفة سيقومون بقبر المحاولة ".
" إنكم لن تصمدوا أكثر من يومين " قال جبهارت.
" الآن سنصمد أكثر " قال سنتالوس مبتسماً بأزدراء " شيئ واحد نحن على ثقة منه، إنهم سوف لن يستطيعوا أن يطلقوا القنابل دون أن يصيبوا قواتهم، كنت خائفاً من القنابل ".
جمدت نظرات جبهارت عليه غير مصدق " يا إلهي " قال بصوت منخفض " أنت نائم مغناطيسياً بكلماتك أنت ".
وقف سنتالوس وتمطى " إذن طوبى لمن يستطيع " أجاب، ودفع نورينا واستلقى بجانبها على السرير " لا تخافي " قال لها فيما هو يستلقي قربها " سوف لن ألمسك، أريد فقط أن أنام فقط ".
للراغبين الأطلاع على الجزئين السابع و الثامن:
http://www.algardenia.com/qosesmenaldakera/18365-2015-08-12-22-17-27.html
1072 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع